أحكام الاحتكار في الفقه الإسلامي الباحث محمد مجن

[]

أحكام الاحتكار في الفقه الإسلامي

الباحث محمد مجن

باحث في سلك الدكتوراه كلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الأول وجدة المغرب

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

أحكام الاحتكار في الفقه الإسلامي

الباحث محمد مجن

باحث في سلك الدكتوراه كلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الأول وجدة المغرب

الملخص

يتناول هذا البحث موضوع الاحتكار بوصفه إحدى القضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة التي حظيت باهتمام كبير في الفقه الإسلامي، نظراً لتأثيراته المباشرة على حياة الأفراد واستقرار المجتمعات. فالاحتكار يُعتبر سلوكاً تجارياً يقوم على حبس السلع والخدمات الأساسية وامتناع بعض التجار عن عرضها في السوق وقت الحاجة، بقصد رفع الأسعار لتحقيق أرباح غير مشروعة.

وقد اتفقت المذاهب الفقهية على تحريم هذا السلوك لما فيه من إضرار بمصالح الناس، ومخالفة لمبادئ العدالة والتراحم والتكافل التي جاءت بها الشريعة الإسلامية. ويُعد الاحتكار من كبائر الذنوب، لما ينطوي عليه من ظلم واستغلال، خاصة في أوقات الكوارث وارتفاع الأسعار، حيث يكون الناس في أشد الحاجة إلى هذه السلع. استند الفقهاء في تحريم الاحتكار إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، بالإضافة إلى قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، وغيرها من القواعد الفقهية التي تهدف إلى صيانة المصالح العامة ورفع الأذى عن الناس. وتبرز أهمية دراسة هذه المسألة في العصر الحديث نتيجة تطور الأوضاع الاقتصادية وتعدد أدوات الاحتكار، مما يستدعي بيان موقف الشريعة الإسلامية من الظاهرة في ضوء الأطر الفقهية والمقاصدية. ويسعى هذا البحث إلى بيان مفهوم الاحتكار في الفقه الإسلامي، والتفريق بينه وبين سائر الصور المشابهة له، مع توضيح شروط تحريمه، وأثره على المجتمع، مدعّماً بالأدلة الشرعية وأقوال أهل العلم.

كلمات مفتاحية . الاحتكار .شروط الاحتكار .حكم الاحتكار .تحريم الاحتكار

The Rulings of Monopoly in Islamic Jurisprudence

Researcher: Mohamed Majene

Doctoral Researcher, Faculty of Arts and Humanities, Mohammed First University, Oujda, Morocco

The Summary

This study addresses monopoly, an important economic and social issue that has received significant attention in Islamic jurisprudence. This is due to its direct effects on individuals’ lives and social stability. Monopoly is considered a commercial practice that involves withholding essential goods and services and the refusal of some merchants to offer them in the market during times of need, with the intention of raising prices to achieve illicit profits. Islamic legal schools have unanimously agreed on the prohibition of this practice due to the harm it causes to people’s interests and its contradiction to the principles of justice, compassion, and social solidarity embodied in Islamic law. Monopoly is regarded as a major sin because it involves injustice and exploitation, especially during times of crisis and price surges when people are most in need of these goods. Jurists base the prohibition of monopoly on clear evidence from the Qur’an and Sunnah, in addition to legal maxims such as “no harm and no reciprocating harm.” Other jurisprudential rules also aim to protect public interests and alleviate harm. The importance of studying this issue in the contemporary era is highlighted by evolving economic conditions and the increasing variety of monopolistic tools. This necessitates clarifying the Islamic legal stance on this phenomenon within the framework of jurisprudential and maqasid (objectives) considerations. This study clarifies the concept of monopoly in Islamic jurisprudence, distinguishing it from similar practices, explaining the conditions of its prohibition, and assessing its societal impact, supported by scriptural evidence and scholarly opinions.

أهمية موضوع البحث

تبرز أهمية هذا البحث في موضوع الاحتكار من خلال عدة نقاط أساسية:

.1يوضح تأثير الاحتكار السلبي على المجتمع، حيث يؤدي إلى الإضرار بالناس، ورفع الأسعار، مما يفضي إلى الظلم والشدة للغالبية العظمى من أفراد المجتمع.

.2يبين أن تحريم الاحتكار في الشريعة الإسلامية جاء لحماية مصالح الإنسان، ورفع المشقة والضرر عنه، وتحقيق العدالة الاجتماعية والوئام بين أفراد المجتمع.

.3 يساعد البحث على فهم الشروط والضوابط الفقهية للاحتكار، بما يتيح الوقاية من هذه الظاهرة أو الحد من آثارها السلبية.

.4 يبرز دور الدولة والمجتمع في مكافحة الاحتكار، ويؤكد ضرورة التعاون بين الأفراد والجهات المختلفة لمنع انتشاره حفاظًا على الأمن والاستقرار المجتمعي.

أسباب اختيار الموضوع

1. يميل الباحث إلى تناول الموضوعات ذات الصلة بالمالية الإسلامية، لما تمثله من أهمية متزايدة في النظم الاقتصادية المعاصرة، ولما تتضمنه من أبعاد شرعية وتنظيمية تسهم في تحقيق العدالة الاقتصادية وفق مقاصد الشريعة.

2. تُعد ظاهرة الاحتكار من الظواهر الملحوظة في كثير من المعاملات المالية في عصرنا الحاضر، حيث تنتشر في مختلف صور التعاملات اليومية، سواء في الأسواق أو في مراكز البيع الكبرى والصغرى، مما يستدعي الوقوف على هذه الظاهرة بالتحليل والدراسة.

3. تنبع أهمية البحث أيضًا من الحاجة إلى معرفة أقسام الاحتكار، والتمييز بين المحرّم وغير المحرّم منه، مع بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بكل نوع؛ وذلك لتوجيه التعاملات المالية بما يتوافق مع الضوابط الشرعية، ويحدّ من الممارسات الاقتصادية الجائرة.

منهج البحث

اتبعت في هذا المقال منهجًا استقرائيًا تحليليًا يعتمد على تتبع الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة المتعلقة بالموضوع، واستقراء وجمع أقوال الفقهاء والعلماء في مسائل الاحتكار.

مشكلة البحث

ما هو الاحتكار في الفقه الإسلامي؟ هل يقتصر الاحتكار على السلع التموينية، أم يشمل جميع مناحي الحياة وأنواع التعاملات المالية اليومية الفردية والجماعية؟ وهل الاحتكار محرم بإطلاق، أم أن هناك قيودًا لتحريمه في الفقه الإسلامي؟

خطة البحث

التمهيد: تعريف الاحتكار لغة واصطلاحاً

المبحث الأول: حكم الاحتكار في الفقه الإسلامي

المبحث الثاني: شروط وضوابط الاحتكار المحرم

المبحث الثالث: ما يجري فيه الاحتكار عند الفقهاء

المبحث الرابع : مسائل في الاحتكار

‌‌الحكمة في تحريم الاحتكار

مدة الاحتكار

شروط تحقق الاحتكار

الخاتمة توصيات وتوجيهات

الدراسات السابقة

1.الاحتكار والرأسمالية والإجراءات الوقائية في الشريعة الإسلامية د. عبدالله بن يوسف الأحمد تاريخ الإضافة: 29/1/2023 ميلادي – 8/7/1444 هجري

2.حكم الاحتكار في التشريع الإسلامي د. محمود أبو زيد الصوصو 20أبريل 2018

3.الاحتكار فى ميزان الشريعة وأثره فى الاقتصاد والمجتمع للدكتور أسامة عبد السميع ، طبعة دار الجامعة الجديدة .

4. الاحتكار دراسة فقهية مقارنة بحث للدكتور ماجد أبورخية ضمن كتاب بحوث فقهية فى قضايا اقتصادية معاصرة ، طبعة دار النفائس بالأردن .

الاحتكار دراسة فقهية مقارنة بحث لأستاذنا الدكتور محمد حلمى عيسى ، منشور بمجلة كلية الشريعة والقانون بالقاهرة العدد الثامن عشر .

5.الاحتكار والتسعير الجبرى للدكتور محمد عبد الستار الجبالى ، طبعة مكتبة الغد .

تعريف الاحتكار لغة واصطلاحا

الاحتكار لغة :

الحكر: الظلم والتنقص وسوء العشرة. يقال: فلان يحكر فلانا إذا أدخل عليه مشقة ومضرة في معاشرته ومعايشته، والنعت ‌حكر. قال ثعلب عن ابن الأعرابي: الحكر: اللجاجة. والحكر: ادخار الطعام للتربص. وقال الليث: الحكر: ما احتكرت من طعام ونحوه مما يؤكل. ومعناه الجمع. وصاحبه محتكر وهو احتباسه انتظار الغلاء

الحكر: الظلم وسوء العشرة. وفلان يحكر فلانا، وهو ‌حكر. والحكر: ما احتكرت من طعام أو نحوه مما يؤكل، وصاحبه: محتكر، والحكر والحكرة مثله

تعريف الاحتكار في اصطلاح الفقهاء:

لا يختلف معنى الاحتكار الشرعي الاصطلاحي عن معناه اللغوي، وقد عرف عند الفقهاء بتعريفات متقاربة في المعاني والألفاظ.

الحنفية :

الاحتكار أن يبتاع طعامَا من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر ويحبسه إلى وقت الغلاء، وشرطه أن يكون مصرا يضر به الاحتكار لأنه تعلق به حق العامة، وشرط بعضهم الشراء في وقت الغلاء وينتظر زيادة الغلاء والكل مكروه

المالكية :

قال الامام مالك: والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره، فما كان احتكاره يضر بالناس منع محتكره من الحكرة، وإن لم يضر ذلك بالأسواق فلا بأس به.

جاء في روضة المستبين في شرح كتاب التلقين : وحقيقة الاحتكار: هو إدخار المبيع وطلب الربح فيه بانتقال الأسواق. واللحكرة حالتان: يمنع في إحداهما وهي إذا كانت في وقت الضيق والضرورة فيمنع المحتكر (من الشراء) حينئذ من السوق، وإذا أضر ذلك (بالناس) إلا في مقدار قوته، فإنه مضطر إليه فلا يمنع منه، وتجوز في حال الكثرة، والسعة، وروى ابن المواز عن مالك أنه سئل عن التربص بالطعام وغيره رجاء الغلاء فقال: ما علما فيه نهى، ولا أعلم به بأساً يحبس إذا شاء، ويبيعه إذا شاء، ويخرجه إلى أي البلاد شاء، وقيل: لمالك فيمن يبتاع الطعام، فيجب غلاءه قال: ما من أحد يبتاع طعاماً أو غيره إلا ويجب غلاءه، قال مالك: ومما يعيبه من مضى ويرونه ظلماً منع الاحتكار إلا لم يكن مضراً بالناس ولا بأسواقه، وذلك سواء عندنا في الطعام وغيره. وروى ابن حبيب عن مالك أن احتكار الطعام يمنع في وقت الضيق والسعة، وهذا فيمن صار إليه الطعام.

الشافعية:

‌جاء في روضة المستبين في شرح كتاب التلقين» الاحتكار أن يشتريَ ‌القوت في وقت الغلاء، وَيمتنعَ من بيعه في الحال لانتظار زيادة الغلاء، وإذا اشترى في وقت الرخاء وانتظر به الغلاء لا يكون ذلك احتكارًا، ولا يفسق به -أيضًا- ولا تُرد شهادتُه والله أعلم .

جاء في النجم الوهاج في شرح المنهاج (‌الاحتكار): أن يشتري ‌القوت وقت الغلاء ليبيعه فيه بأزيد مما اشتراه به، ولا بأس أن يشتري به وقت رخصه ليبيعه وقت الغلاء، ولا أن يمسك غلة ضيعته ليبيعها وقت الغلاء، لكن الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته، فإن كان بالناس ضرورة وعنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله سنة .. وجب عليه بيع الفضل، فإن لم يفعل .. أجبر عليه

الحنابلة:

جاء في المغني لابن قدامة

والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط؛ أحدها، أن يشتري، فلو جلب شيئا، أو أدخل من غلته شيئا، فادخره، لم يكن محتكرا. روي [عن] الحسن ومالك وقال الأوزاعي الجالب ليس بمحتكر؛ لقوله: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون» ولأن الجالب لا يضيق على أحد، ولا يضر به، بل ينفع، فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبيع، كان ذلك أطيب لقلوبهم من عدمه. الثاني، أن يكون المشترى قوتا.

فأما الإدام، والحلواء، والعسل، والزيت، وأعلاف البهائم، فليس فيها احتكار محرم. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل، عن أي شيء الاحتكار؟ قال: إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره. وهذا قول عبد الله بن عمرو. وكان سعيد بن المسيب وهو راوي حديث الاحتكار – يحتكر الزيت. قال أبو داود: كان يحتكر النوى، والخيط، والبزر ولأن هذه الأشياء مما لا تعم الحاجة إليها، فأشبهت الثياب، والحيوانات. الثالث، أن يضيق على الناس بشرائه. ولا يحصل ذلك إلا بأمرين؛ أحدهما، يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار، كالحرمين، والثغور. قال أحمد: الاحتكار في مثل مكة والمدينة، والثغور. فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد، والبصرة ومصر، لا يحرم فيها الاحتكار؛ لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبا. الثاني، أن يكون في حال الضيق، بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها، ويضيقون على الناس. فأما إن اشتراه في حال الاتساع والرخص، على وجه لا يضيق على أحد فليس بمحرم

 

المبحث الأول: حكم الاحتكار في الفقه الإسلامي

اختلف العلماء في ‌حكم ‌الاحتكار على قولين

‌‌القول الأول

يحرم، وهو قول الجمهور

الأدلة التي اعتمدوها

ما رواه مسلم من طريق محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد ابن المسيب،

عن معمر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا يحتكر إلا خاطئ.

ورواه مسلم من طريق يحيى بن سعيد، قال: كان سعيد بن المسيب يحدث،

أن معمرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر فهو خاطئ

الدليل الثاني

ما رواه ابن ماجه، من طريق أبي أحمد، ثنا إسرائيل، عن علي ابن سالم بن ثوبان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب،

عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون.

الدليل الثالث

ما رواه الدارقطني من طريق عثمان بن محمد بن عثمان ابن ربيعة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه،

عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شق الله عليه .

‌‌وجه الاستدلال:

الحديث نص في النهي عن ارتكاب ما يضر بالغير، سواء كان هذا الغير فردا، أو جماعة، ولا يشك عاقل في أن الاحتكار يلحق الضرر في عامة المسلمين حيث يعتبر الاحتكار من أعظم أسباب ارتفاع الأسعار، وانعدام السلع من الأسواق.

الاحتكار فيه ظلم للناس، وظلم للسوق، وظلم للتجار

أما الظلم على المستهلكين فلما يقع فيه من التضييق عليهم في أرزاقهم، ورفع الأسعار عليهم

وأما الظلم على التجار فلأن السلع تكون فقط في يد المحتكر دون بقية التجار، وفي ذلك إهدار لحرية التجارة والصناعة، وعدم التكافؤ في الفرص

وظلم للسوق حيث ينتج من الاحتكار عدم توفر السلع في السوق، فالعقل دال على تحريم مثل هذا الفعل لما فيه من الظلم

وعبر الحنفية بالكراهة، والمقصود بها كراهة التحريم

المبحث الثاني: شروط وضوابط الاحتكار المحرم

شروط تحريم الاحتكار عند المذاهب

الحنفية

جاء في شرح مختصر الطحاوي للجصاص: و يكره ‌الاحتكار، والتلقي في الموضع الذي يضر ذلك بأهله، ولا نرى به بأسا في موضع لا يضر ذلك بأهله. وذلك لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في “النهي عن الحكرة، وعن تلقي الركبان”. وهذا محمول على حال يضر فيها ذلك بأهله. وإذا لم يضر بأهله: فلا حق لأحد فيه، ولا يكره، لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: “دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض”. فأباح الربح في ذلك، والبيع بما يريد من الثمن إذا لم يضر بأهل البلد.

‌جاء في التعليل «الاختيار لتعليل المختار» : والاحتكار أن يبتاع طعاما من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر ويحبسه إلى وقت الغلاء، وشرطه أن يكون مصرا يضر به ‌الاحتكار لأنه تعلق به حق العامة، وشرط بعضهم ‌الشراء في وقت الغلاء وينتظر زيادة الغلاء والكل مكروه.

والحاصل أن يكون يضر بأهل تلك المدينة حتى لو كان مصرا كبيرا لا يضر بأهله فليس بمحتكر لأنه حبس ملكه ولا ضرر فيه بغيره، وعلى هذا التفصيل تلقي الجلب، لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عنه.

المالكية

«أما من جلب طعاما; فإن شاء باع وإن شاء احتكر، إلا إن نزلت حاجة فادحة، أو أمر ضروري بالمسلمين فيجب على من كان عنده ذلك أن يبيعه بسعر وقته; فإن لم يفعل أجبر على ذلك إحياء للمهج، وإبقاء للرمق. وأما إن كان اشتراه من الأسواق، واحتكر، وأضر بالناس، فيشترك فيه الناس بالسعر الذي اشتراه به».

الحنابلة

جاء في المغني لابن قدامة والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة ‌شروط؛

1.أن يشتري، فلو جلب شيئا، أو أدخل من غلته شيئا فادخره، لم يكن محتكرا ولأن الجالب لا يضيق على أحد، ولا يضر به. فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبيع، كان ذلك أطيب لقلوبهم من عدمه.

2. أن يكون المشترى أو البضاعة قوتا فأما الإدام، والحلواء، والعسل، والزيت، وأعلاف البهائم، فليس فيها احتكار محرم

3. أن يضيق على الناس بشرائه. ولا يحصل ذلك إلا بأمرين؛ أحدهما، يكون في بلد يضيق بأهله ‌الاحتكار، كالحرمين، والثغور. قال أحمد: ‌الاحتكار في مثل مكة والمدينة، والثغور.

فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد، والبصرة ومصر، لا يحرم فيها ‌الاحتكار؛ لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبا. الثاني، أن يكون في حال الضيق، بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها، ويضيقون على الناس. فأما إن اشتراه في حال الاتساع والرخص، على وجه لا يضيق على أحد فليس بمحرم

الشافعية

جاء في روضة الطالبين : الاحتكار، وهو حرام على الصحيح، وقيل: مكروه، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء، ولا يدعه للضعفاء، ويحبسه ليبيعه بأكثر عند اشتداد الحاجة. ولا بأس بالشراء في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء. ولا بأس بإمساك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء، ولكن الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته. وفي كراهة إمساكه وجهان. ثم تحريم ‌الاحتكار يختص بالأقوات. ومنها: التمر، والزبيب، ولا يعم جميع الأطعمة

يستنتج تحريم الاحتكار في الحالات الآتية:

1. استغلال المحتكر حاجة الناس للأشياء، وتربصه بالغلاء.

2. تملك المحتكر السلعة بالشراء.

3. شراء المحتكر القوت وقت الغلاء.

4. حبس السلعة لمدة محدودة.

5. وقوع الاحتكار وقت حاجة الناس للشيء المحتكر.

المبحث الثالث: ما يجري فيه الاحتكار عند الفقهاء

ما يجري فيه الاحتكار

أقوال الفقهاء في هذه المسألة وأدلتهم ،

اتفق الفقهاء على أن الاحتكار على وفق القيود التي ذكرها كل منهم محظور ؛ لما فيه من الإضرار بالناس والتضييق عليهم ، إلا أنهم اختلفوا فيما يجري فيه الاحتكار ، وعلى التفصيل الآتي :

القول الأول: يجري في قوت الآدمي وعلف البهائم، وهو مذهب أبي حنيفة، وصاحبه محمد بن الحسن.

‌‌الدليل الأول: ما رواه أبو داود الطيالسي من طريق أبي يحيى المكي [عن فروخ مولى عثمان] عن عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من احتكر على المسلمين طعامهم ابتلاه الله بالجذام، أو قال بالإفلاس.

‌‌الدليل الثاني: ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، قال: أخبرنا القاسم. عن أبي أمامة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتكر الطعام.

الدليل الثالث: أن الضرر في الأعم الأغلب إنما يلحق العامة بحبس القوت والعلف، فلا يتحقق الاحتكار إلا به.

القول الثاني : إن الاحتكار يجري في القوت خاصة

وهو مذهب الإمام الشافعي و الإمام احمد في الصحيح

واستدلوا على ذلك بالآتي :

  1. حديث عن أبي أمامة رضي الله عنه : ((أن النبي (صلى الله عليه و سلم) نهى أن يحتكر الطعام)) ،

وجه الدلالة :

جاء في البيان في مذهب الامام الشافعي : ويحرم احتكار الطعام، وهو: أن يشتري الإنسان من الطعام ما لا يحتاج إليه في حال ضيقه وغلائه على الناس، فيحبسه عنهم ليزداد في ثمنه، ومن أصحابنا من قال: هو مكروهٌ، وليس بمحرّم. والأول أصح؛ لما روى أبو أمامة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُحتكرَ الطعام»

قال الأثرم سئل أبو عبد الله عن أي شئ الاحتكار؟ قال إذا كان من قوت الناس فهذا الذي يكره وهذا قول عبد الله بن عمرو، وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت وهو راوي حديث الاحتكار، قال أبو داود وكان يحتكر النوى والخبط والبزر ولأن هذه الأشياء لاتعم الحاجة إليها أشبهت الثياب والحيوان

3.ولا يحرم عليه ‌احتكار غير ‌الأقوات؛ لـ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ‌احتكار الطعام» ، فخص الطعام، فدّل على: أن ‌احتكار غيره يجوز، ولأنه لا ضرر في ‌احتكار غير ‌الأقوات، فلم يحرم وأما غير ‌الاقوات فيجوز احتكاره، ولا يمنع من ‌احتكار الزيت، وما ليس بقوت، لأن سعيد بن المسيب راوي الحديث كان يحتكر الزيت ومن اشترى في حال الرخص على وجه لا يضيق على أحد، فليس بمحتكر، لأنه لا ضرر فيه، بل ربما كان نفعاً

القول الثاني : إن الاحتكار يجري في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون من حبسه ، من قوت وإدام ولباس وغير ذلك ،

وهذا ما ذهب إليه المالكية وأبو يوسف ،

واستدلوا على ذلك :

  1. بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( لاَ يحتَكر إلا خاطئ )) ،

وجه الدلالة :

1.وقال ابن رشد: لا خلاف أنه لا يجوز ‌احتكار شيء من الطعام ولا غيره في وقت يضر احتكاره فيه بالناس من طعام وغيره من كتان وحناء وعصفر

2. قال مالك والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره فما كان احتكاره يضر بالناس منع محتكره من الحكرة، وإن لم يضر ذلك بالناس ولا بالأسواق، فلا بأس به، قال القرطبي في شرح مسلم: «‌لا ‌يحتكر ‌إلا ‌خاطئ» هذا الحديث بحكم إطلاقه أو عمومه يدل على الاحتكار في كل شيء

القول الثالث : إن الاحتكار في القوت والثياب خاصة ،

وهذا القول هو رواية ثانية عن محمد صاحب أبي حنيفة (رحمه الله تعالى) ،

ودليله على ذلك :

إن كلا من القوت والثياب من الحاجات الضرورية ، فلذلك فإن احتكارهما يؤدي إلى الإضرار بالناس .

أولًا: تحقيق العدالة الاقتصادية ومكافحة الاحتكار
أوضح البحث أن الفقه الإسلامي يولي أهمية كبيرة لتحقيق العدالة الاقتصادية، من خلال تأكيده على ضرورة التوزيع العادل للثروات، ومنع أشكال التواطؤ الاقتصادي التي تؤدي إلى الاحتكار، لما لذلك من آثار سلبية على الفئات الضعيفة في المجتمع.

ثانيًا: التأصيل الشرعي لتحريم الاحتكار
اعتمدت الدراسة على جملة من الأدلة الشرعية المستقاة من القرآن الكريم والسنة النبوية، التي تُظهر بوضوح تحريم الاحتكار، وتؤكد على مبادئ التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع. وقد تبين من خلال البحث أن الاحتكار يمثل إخلالًا بمبدأ العدالة ويناقض مقاصد الشريعة في حفظ مصالح العباد.

ثالثًا: الحاجة إلى مواصلة البحث في قضايا الاقتصاد الإسلامي
سلط البحث الضوء على أهمية الاستمرار في إجراء الدراسات المتخصصة في مجال الاقتصاد الإسلامي، بهدف مواكبة التحديات الاقتصادية المعاصرة، وتقديم حلول عملية تتماشى مع القيم والمبادئ الإسلامية.

وفي الختام، فإن هذا البحث يُعد مساهمة علمية تسعى إلى تعزيز الفهم النظري والتطبيقي لمفهوم الاحتكار في إطار الفقه الإسلامي، مشددًا على الدور الأساسي الذي تضطلع به الشريعة الإسلامية في توجيه السلوك الاقتصادي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية العامة في المجتمع

المبحث الرابع الثالث مسائل في الاحتكار

‌‌الحكمة في تحريم الاحتكار:

– يتفق الفقهاء على أن الحكمة في تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس. ولذا فقد أجمع العلماء على أنه لو احتكر إنسان شيئا، واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره، أجبر على بيعه – على ما سيأتي بيانه – دفعا للضرر عن الناس، وتعاونا على حصول العيش . وهذا ما يستفاد مما نقل عن مالك من أن رفع الضرر عن الناس هو القصد من التحريم، إذ قال: إن كان ذلك لا يضر بالسوق فلا بأس وهو ما يفيده كلام الجميع .

شروط تحقق الاحتكار

‌‌ما يتحقق به الاحتكار: يتحقق الاحتكار في صور بعضها متفق على تحريمه وهي ما إذا اجتمع فيه كون الشيء المحتكر طعاما وأن يحوزه بطريق الشراء وأن يقصد الإغلاء على الناس وأن يترتب على ذلك الإضرار والتضييق عليهم.

مدة الاحتكار:

وهذا الأمر خاص بالحنفية حيث حددوا وقتا للاحتكار او لحرمة الاحتكار

جاء في المحيط البرهاني : وإذا قلت المدة لا يكون احتكاراً؛ لأن الناس لا يتضررون في ‌مدة قليلة، وإذا طالت المدة يكون احتكاراً؛ لأنهم يتضررون في ‌مدة طويلة فلا بد من حد فاصل بينهما. وفي الحديث قدر الطويل بأربعين فما دونه يكون قليلاً، وعن أصحابنا أنهم قدروا الطويلة بشهر فما دونه يكون في حكم القليل ثم يقع التفاوت في الاحتكار بين أن لا يتربص العشرة وبين أن يتربص، فوبال الثاني أعظم من وبال الأول. وفي الجملة التجارة في الطعام غير محمودة قال محمد رحمه الله: ويجبر المحتكر على البيع ولا يسعر.

جاء في تبيين الحقائق للشبلي :وقيل بالشهر لأن ما دونه قليل عاجل والشهر، وما فوقه كثير آجل، وقد مر في غير موضع، ويقع التفاوت في المأثم بين أن يتربص العزة وبين أن يتربص القحط والعياذ بالله، وقيل المدة للمعاقبة في الدنيا، وأما الإثم فيحصل، وإن قلت المدة فالحاصل أن التجارة في الطعام غير محمودة

 

الآثار السلبية للاحتكار في المجتمع الإسلامي

زيادة الأسعار: يؤدي الاحتكار إلى رفع أسعار السلع والخدمات، مما يثقل كاهل الفئات الضعيفة ويزيد من معاناتها الاقتصادية.

تقييد العرض: يقلل الاحتكار من كمية السلع المتاحة في السوق، مما يؤدي إلى نقص في المعروض وزيادة الطلب.

تراجع الجودة: قد يؤدي قلة المنافسة إلى تراجع جودة المنتجات والخدمات، حيث لا يكون هناك ضغط لتحسينها.

تزايد الفساد: قد يؤدي الاحتكار إلى زيادة الفساد نتيجة للجهود المبذولة للحفاظ على السيطرة على السوق بوسائل غير مشروعة.

تدهور الثقة المجتمعية: يؤدي الاحتكار إلى فقدان الثقة بين أفراد المجتمع والشركات، مما يضر بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

الخاتمة توصيات وتوجيهات

في ختام هذا البحث الذي تناول موضوع الاحتكار في الفقه الإسلامي، يمكن تلخيص أهم النتائج والنقاط الرئيسية كما يلي:

تحقيق العدالة الاقتصادية ومنع الاحتكار:

أكد الفقه الإسلامي على ضرورة توزيع الثروة بشكل عادل ومنع التواطؤ والاحتكار الذي يظلم الفقراء والمستضعفين.

الأدلة الشرعية ضد الاحتكار:

استند البحث إلى الأدلة الشرعية التي تحرم الاحتكار، مستندة إلى مبادئ التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية. كما أوضح أن الاحتكار يتعارض مع مبادئ العدالة والتعاون المجتمعي في الإسلام.

أهمية استمرار البحث في الاقتصاد الإسلامي:

أشار البحث إلى ضرورة استمرار الدراسات والبحوث في مجال الاقتصاد الإسلامي لفهم أفضل للتحديات الحديثة وتقديم حلول متوافقة مع تعاليم الإسلام.

ختامًا، يساهم هذا البحث في تعزيز الفهم الأكاديمي والعملي لمفهوم الاحتكار في الفقه الإسلامي، مؤكدًا على الدور الحيوي للشريعة في توجيه السلوك الاقتصادي نحو تحقيق العدالة والرفاهية للمجتمع ككل.

المراجع و المصادر المعتمدة في البحث

«تهذيب اللغة» (4/ 60 الكتاب: تهذيب اللغة المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (ت 370هـ) المحقق: محمد عوض مرعب الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة: الأولى، 2001م عدد الأجزاء: 8.

«المحيط في اللغة» (2/ 378) الكتاب: المحيط في اللغة المؤلف: كافي الكفاة، الصاحب، إسماعيل بن عباد (٣٢٦ – ٣٨٥ هـ) المحقق: محمد حسن آل ياسين الناشر: عالم الكتب، بيروت الطبعة: الأولى، ١٤١٤ هـ – ١٩٩٤ م عدد الأجزاء: ١١

سنن ابن ماجه رقم الحديث 2153 كتاب التجارات باب الحكرة و الجلب الجزء الثاني رقم الصفحة 728. مسند الدرامي رقم الحديث 2586

(1) مسلم رقم (1605) في المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، والترمذي (1267) في البيوع، باب ما جاء في الاحتكار، وأبو داود رقم (3447) في الإجارة، باب النهي عن الحكرة

الاختيار لتعليل المختار» (4/ 161)

الجامع لمسائل المدونة» (13/ 1047)

روضة المستبين في شرح كتاب التلقين» (2/ 997)

«فتاوى النووي» (ص122)

«النجم الوهاج في شرح المنهاج» (4/ 100)

«المغني لابن قدامة – ط مكتبة القاهرة» (4/ 167)

«المُغني» لابن قدامة – ط مكتبة القاهرة (4/ 167)

«شرح مختصر الطحاوي» للجصاص (8/ 546)

«روضة الطالبين وعمدة المفتين» (3/ 413)

«الاختيار لتعليل المختار» (4/ 161)

«المحيط البرهاني» (7/ 145)

«تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي» (6/ 28)

«تكملة المطيعي الأولى على المجموع» (13/ 47 ط السلفية)

«تكملة المطيعي الأولى على المجموع» (13/ 48 ط السلفية)

التصحيح والترجيح على مختصر القدوري» (ص464)

«الموسوعة الفقهية الكويتية» (2/ 91)

«الموسوعة الفقهية الكويتية» (2/ 93)

– ينظر : اختلاف الأئمة العلماء : 1 / 413 ، الموسوعة الفقهية الكويتية : 2/91 .

– المعجم الكبير : 8 / 188 مسند الشاميين : 1 / 338 .

«البيان في مذهب الإمام الشافعي» (5/ 355)

«الشرح الكبير» (4/ 47 ط المنار)

«البيان في مذهب الإمام الشافعي» (5/ 357)

«تكملة المطيعي الأولى على المجموع» (13/ 44 ط السلفية)

«المغني» لابن قدامة (6/ 317 ت التركي)

«الكافي في فقه الإمام أحمد» (2/ 25)

«التاج والإكليل لمختصر خليل» (6/ 254)

«مواهب الجليل في شرح مختصر خليل» (4/ 227)

– ينظر : رد المحتار : 27 / 9 .



Source link

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لو تتكرم بدعمنا ، وقم بتعطيل إضافة مانع الإعلانات لتصفح المحتوى .