إنهاء علاقة تشغيل السجناء لأسباب غير تأديبية في التشريع المغربي والفرنسي الدكتور : نورالدين الحافظي

[]

إنهاء علاقة تشغيل السجناء لأسباب غير تأديبية في التشريع المغربي والفرنسي

الدكتور : نورالدين الحافظي

دكتور في القانون الخاص إطار بوزارة الاقتصاد والمالية

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

إنهاء علاقة تشغيل السجناء لأسباب غير تأديبية في التشريع المغربي والفرنسي

الدكتور : نورالدين الحافظي

دكتور في القانون الخاص إطار بوزارة الاقتصاد والمالية

ملخص:

إن علاقة الشغل الناتجة عن تشغيل السجناء باعتباره وسيلة معاملة مقررة لفائدتهم، يمكن أن تنتهي لأسباب تأديبية كما يمكن أن تنتهي لأسباب غير تأديبية؛ أي دون ما يرتكب السجين أي خطأ مهني يستدعي توقيع جزاء تأديبي عليه،كحالة العجز والقوة القاهرة والأسباب الاقتصادية والأمنية، أو كحالة الإسالة والاتفاق على الإنهاء بمبادرة من السجين أو بمبادرة من مشغله، أو كحالة التدابير الاحترازية المقررة لمصلحة السجين مثل الوضع في الزنزانة أو الحبس الانفرادي، أو كحالة نقل السجين إلى مؤسسة سجنية أخرى أو الإفراج عليه.وهي أسباب يوافق بعض منها أسباب إنهاء علاقة عمل الأجير، مع اختلاف ظاهر من حيث الضمانات والمسطرة المعتمد في ذلك، وبعض منها يخالف قواعد قانون الشغل. بل يبقى غير منظم في التشريع المغربي وفي معظم التشريعات المقارنة إذا ما استثنينا بعض التشريعات، كالتشريع الفرنسي الذي نظم أغلب أسباب إنهاء عقد العمل السجني المذكورة أعلاه.

Termination of the employment relationship of prisoners for non-disciplinary reasons in Moroccan and French legislation

DR : Noureddine El Hafedy

Doctor of Private Law Senior at the Ministry of Economy and Finance

Abstract:

The employment relationship resulting from the employment of prisoners as a means of treatment prescribed for their benefit can be terminated for disciplinary reasons as well as for non-disciplinary reasons; that is, without the prisoner committing any professional fault that requires the imposition of a disciplinary sanction, such as the case of disability, force majeure, economic and security reasons, or the case of resignation and agreement on termination on the initiative of the prisoner or his employer, or the case of precautionary measures prescribed for the prisoner’s benefit, such as cell placement or solitary confinement, or the transfer to another prison institution or release. Some of these reasons coincide with the reasons for the termination of the employment relationship of the employee, with apparent differences in terms of the guarantees and procedures adopted in this regard, and some of them are contrary to the rules of the Labor Code. It remains unregulated in Moroccan legislation and in most comparative legislation, with the exception of some legislation, such as the French legislation, which has regulated most of the reasons for termination of the employment contract Genie mentioned above.

معلوم أن أسباب إنهاء علاقة الشغل -عقد الشغل في العالم الحر، تنقسم في أغلب قوانين الشغل إلى ثلاثة أنواع: أسباب عامة أو مشتركة بين جميع عقود الشغل، وأسباب خاصة بإنهاء عقود الشغل محددة المدة، وأسباب خاصة بإنهاء عقود الشغل غير محددة المدة، فضلا على إمكانية إنهاء عقد الشغل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية تهم المؤسسة المشغلة.

لكن، إذا كان إنهاء عقد الشغل المبرم بين الأجير ومشغله منظم بشكل جيد من الناحية القانونية بمقتضى قانون الشغل، فإن الأمر مختلف تماما بالنسبة لإنهاء علاقة تشغيل السجين باعتباره وسيلة معاملة مقرر لفائدة السجناء قصد تأهيلهم وإعادة إدماجهم في المجتمع، وذلك نتيجة غياب إطار قانوني خاص يحدد أسباب إنهاء علاقة تشغيل السجين وينظم شروط وأساليب هذا الإنهاء.

لذلك تولد من الناحية العملية عن الغياب المذكور أعلاه، تعدد في أسباب إنهاء علاقة تشغيل السجين واختلاف طرقه وشروطه من دولة إلى أخرى -أو من مؤسسة سجنية إلى أخرى داخل نفس البلد، على الرغم من أن بعض الدول تؤطر فيها علاقة تشغيل السجين ببعض الروابط القانونية؛ -عقد الشغل -إيطاليا-، أو إطار قانوني خاص -إسبانيا– أو عقد العمل السجني –فرنسا-، وعلى الرغم من أن بعض قوانين هذه الدول تنظم نظريا إنهاء هذه العلاقة أو الرابطة؛ كقانون السجون الفرنسة لسنة 2022 وقانونه التنظيمي بنفس السنة–على عكس القانون المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية بالمغرب-؛ إذ على سبيل المثال نص المشرع الفرنسي في الفصل L412-9 على أن التعيين في منصب العمل ينتهي بانتهاء عقد العمل السجني وفقا لمقتضيات الفصل L412-17.

وعموما يمكننا القول رغم عدم توفر معظم الدول-كالمغرب مثلا- على قانون خاص بتشغيل السجناء، فإن أسباب إنهاء علاقة تشغيل السجين خارج نطاق ما هو تأديبي، أي دون ما يرتكب أي خطأ مهني يستدعي توقيع جزاء تأديبي عليه، تبقى من الناحية العملية قريبة إلى حد ما من أسباب إنهاء علاقة عمل الأجير، مع اختلاف ظاهر من حيث الضمانات والمسطرة المعتمد في ذلك، على إعتبار أنه يمكن إنهاء علاقة تشغيل السجين في بعض الدول- إلى جانب بعض الأسباب التي نص عليها المشرع الفرنسي، كالعجز وكالقوة القاهرة و كالأسباب الاقتصادية أو كأسباب تتعلق باحتياجات الخدمة أو في حالة وقف النشاط المنتج_، بمبادرة من السجين أو بمبادرة من مشغله أو نتيجة أسباب أمنية أو نتيجة تدابير احترازية -ليست عقابية- كالوضع في الزنزانة أو الحبس الانفرادي لمصلحة السجين أو نقل السجين أو الإفراج عليه.

ودرءا لأي لبس قد يتبادر لذهن القارئ عند الوهلة الأولى، نشير إلى أن موضوع دراستنا يخص إنهاء علاقة تشغيل السجين باعتبار التشغيل وسيلة معاملة مقررة للسجناء قصد تأهيلهم وإعادة إدماجهم في المجتمع. وبالتالي لا تندرج ضمن نطاقه إنهاء علاقة تشغيل السجين الناتجة على عقوبة الأشغال الشاقة ،أو الناتجة عن الشغل القسري أو السخرة le travail forcé” “، أو عن شغل أو عمل السجناء لفائدة المنفعة العامة..

علاوة على ذلك، لا يدخل ضمن زمرة دراستنا، إنهاء علاقة تشغيل السجين لأسباب تأديبه مرتبطة بتنفيذ الشغل الذي أسند للسجين؛ كالخطأ المهني ورفض العمل والتغيب غير المبرر وعدم احترام التعليمات وانعدام الكفاءة. وهي أسباب ستكون موضوع ورقة بحثية مستقلة.

ولموضوع إنهاء علاقة تشغيل السجين لأسباب غير تأديبية، أهمية كبيرة يمكن اختزالها في ما لإنهاء العلاقة المذكورة من أثار على البعد الاجتماعية والاقتصادية والتأهيلية. لكون تشغيل السجناء يعد عاملا مهما في تغيير التمثلات الاجتماعية على السجن والسجين، ويجعل المؤسسات السجنية تحتل مكانة ضمن إطار المصلحة الاقتصادية العامة. فضلا على أن التشغيل يعتبر وسيلة معاملة لإصلاح سلوك السجناء ويساعدهم على العودة للاندماج في الحياة الطبيعية، وبعبارة أخرى فإن التشغيل في السجون يمثل أسلوبا للتنشئة الاجتماعية المستمرة لذلك يجب توفيره والحرص على استمرار علاقته.

وتبعا لما ذكر يمكننا التساؤل عن ما هي الأسباب غير التأديبة التي تتأثر بها علاقة تشغيل السجناء وتعصف بها إما قانونا أو واقعا وتؤدي إلى إنهائها بعيدا عن الجزاءات التأديبية التي تقتضيها ضرورة الحفاظ على أمن ونظام المؤسسة السجنية؟

وفي سياق الجواب على هذا التساؤل سنعتمد منهجا تحليليا مقارنا، وخطة علمية نقتصر فيها على التطرق إلى إنهاء علاقة تشغيل السجين بمبادرة منه أو لأسباب أمنية أو اقتصادية (المطلب الأول)، وإلى إنهاء علاقة تشغيل السجين لأسباب احترازية مقررة لصالح السجين(المطلب الثاني). وذلك لارتباط هذه الحالات بجزء كبير بالإرادة المفردة لكل من السجين والمشغل ولما لذلك من تأثير على الجانب التأهيل الذي يعد حقا للسجين وواجبا على المؤسسة السجنية، خاصة في ظل التجاذب القائم في مجال تنفيذ العقوبة السالبة للحرية بين الجانب الأمني والجانب الحقوقي، نظرا لصعوبة التوفيق بينهما من الناحية الواقعية.

في ظل ما تقتضيه عملية تأهيل السجناء وعملية ضبط أمن ونظام المؤسسات السجنية من تدخل وحرص وحزم، نتساءل عن ما إذا كان يمكن للسجين إنهاء علاقة تشغيله باتفاق مع مشغله أو بمبادرة منه عن طريق الاستقالة (الفقرة الأولى)؟ وعن ما إذا كان يحق للجهة المشغلة للسجين إنهاء علاقة تشغيله عند توفر أسباب أمنية أو اقتصادية تجعل البقاء على هذه العلاقة أمرا يقوض أمنها وموازنتها (الفقرة ثانية)؟

الفقرة الأولى: إنهاء علاقة تشغيل السجين بمبادرة منه

إن إنهاء علاقة تشغيل السجين بالاتفاق مع مشغله أو بمبادرة منه ليس مطلقا؛ فإذا كان السجين حرا في ذلك من حيث المبدأ (أولا)، فإنه مقيد باحترام بعض الشكليات كالإخطار مثلا(ثانيا)، خاصة أن الممارسة العملية تؤكد في كلتا الحالتين أن إنهاء علاقة تشغيل السجين لا يكون إلا بموافقة الجهة المشغلة عليه.

أولا: مبدأ حرية السجين في إنهاء علاقة تشغيله

إن مبدأ حرية السجين في إنهاء علاقة تشغيله بمبادرة منه عن طريق الاستقالة أو الاتفاق مع مشغله، لا تعترف به بشكل صريح إلا نظم سجنية قليلة؛ كإيطاليا في بعض المناطق، وإسبانيا، وفرنسا.

لكن فعلى الرغم من عدم وجود نص صريح في بعض التشريعات -منها التشريع المغربي – يتحدث عن حرية السجين في إنهاء علاقة تشغيله بمبادرة منه، فإن الممارسة العملية تأكد على أن السجين يحتفظ بالحق في إنهاء علاقة تشغيله بالاتفاق مع مشغله أو عن طريق الاستقالة مهما كانت المؤسسة السجنية التي يسجن فيهاـ وأن هذه الاستقالة تستلزم مبدئيا الاستجابة لها من طرف الإدارة السجنية. “وإن كان بعض مسؤولي المؤسسات السجنية في فرنسا قبل صدور قانون السجون الجديد سنة 2022 لا يترددون -متناسين إلغاء العمل الإجباري- بالقول أن السجين ليس له الحق في تقديم الاستقالة من عمله. وذلك على عكس ما يرى أحد مسؤولي مؤسساتنا السجنية.

وفي هذا المنوال، نشير إلى أن مكنة إنها السجين لعلاقة تشغيله المسموح بها قانونا أو ممارسة عملية، وجدت لأسباب متنوعة، فقد يرغب بصفة عامة السجين المعني في مقاطعة نشاطه المهني –التشغيل- إما بسب المرض أو للتحضير لمحاكمة مستقبلية عندما يكون معتقلا احتياطيا، أو لكونه ليس على ما يرام في عمله، أو استعدادا للإفراج عنه. لذلك نجد بعض السجناء يستحسنون مرونة النظام الذي يسمح لهم بالحرية في التوقف عن العمل أو إنهاء علاقته في أي لحظة ممكنة.

ثانيا: شكلية إنهاء علاقة تشغيل السجين بمبادرة منه

لقد سبق لنا القول بأن حرية السجين في إنهاء علاقة تشغيله مجرد مبدأ عام وليست قاعدة مطلقة، ومن ثم فإن غالبية النظم السجنية التي تعطي للسجين حرية في إنهاء علاقة تشغيله تقرن ذلك–وكما هو معمول به في قانون الشغل- بضرورة احترام بعض الشكليات ولاسيما إخطار الطرف الآخر بالرغبة في إنهاء علاقة التشغيل هاته. ففي بعض الدول يكون آجال هذا الإخطار محددا ضمن بنود العقد الذي يوثق علاقة تشغيل السجين، كما هو الحال في التشريع الفرنسي الذي ينص في الفصل R412-25 من القانون التنظيمي لقانون السجون الفرنسية لسنة 2022، على أن عقد العمل السجني يجب أن يتضمن كيفية وقفه و إنهائه. ولا شك أن هذه الكيفية تتضمن الإخطار وآجاله. لذلك نجد من الناحية العملية في فرنسا حتى قبل صدور قانون السجون الجديد سنة 2022، كانت تنص بعض عقود تشغيل السجناء على أنه بعد فترة الاختبار يجب على السجين احترام أجال الإخطار المحدد في 15 يوما في حالة التشغيل المعتمد في مراكز الحبس الاحتياطي، و 30 يوما في حالة التشغيل المتعمد في مراكز الاحتجاز.

وتأكيدا على ضرورة إخطار الطرف الآخر بالرغبة في إنهاء علاقة التشغيل–عقد العمل السجني في فرنسا- نص المشرع الفرنسي في الفقرة الأولى من الفصلR412-37 من قانون التنظيمي لقانون السجون لسنة 2022، على أنه ينبغي على السجين أو المشغل الراغب في إنهاء عقد العمل السجني أن يخطر الطرف الآخر عن طريق توجيه طلب كتابي له يحدد فيه الأسباب التي تبرر فسخ هذا العقد.

وتبعا لمقتضيات الفقرة الثانية والثالثة من الفصل المذكور أعلاه، أن في حالة الموافقة على طلب إنهاء علاقة تشغيل السجين، يتم الاتفاق على شروط وأحكام الإنهاء في اتفاق ودي موقع من قبل الطرفين ويتسلم كل طرف نسخة منه. وفي حالة عدم الموافقة على طلب الإنهاء يقوم السجين بتوجيه رسالة الفسخ المبكر لعقد العمل السجني إلى مشغله.

يلاحظ أن المشرع الفرنسي، نص على حالة إنهاء علاقة تشغيل السجين بمبادرة منه ونظم مسطرتها، في حين أن المواثيق الدولية وأغلب التشريعات منها التشريع المغربي لم تسير في نفس الاتجاه، لذلك نرى إلى جانب أحد الفقهاء الفرنسيين أن هذا الغياب يمكن أن يضر بتنظيم التشغيل في السجن ويجعله بعيدا عن تحقيق غايته الأساسية وعن واقع العمل خارج أسوار السجن. في حين أن الإلزام بشكليات إنهاء علاقة تشغيل السجين خاصة احترام أجال الإخطار بالإنهاء سيقرب وضع السجين العامل لوضع الأجير وسيعطي مصداقية للتشغيل في السجن خاصة لدى أصحاب الامتياز المحتملين.

الفقرة الثانية: إنهاء علاقة تشغيل السجين لأسباب اقتصادية أو أمنية

فإلى جانب إنهاء علاقة تشغيل السجين بمبادرة منه إما عن طريق اتفاق مع الجهة المشغلة أو عن طريق تقديم استقالة من العمل المسند له، فإن هذه العلاقة يمكن أن تنتهي أيضا أو تتوقف لفترة من الزمن-التشريع الفرنسي- لأسباب اقتصادية (أولا)، أو لأسباب أمنية (ثانيا).

أولا: إنهاء علاقة تشغيل السجين لأسباب اقتصادية

تتمثل الأسباب الاقتصادية في الصعوبات المالية أو الاقتصادية الطارئة التي قد تمر منها المؤسسة السجنية أو المقاولة المشغلة، فتؤثر على نشاطها العادي، وتجعلها غير قادرة على الاستمرار فيه، إلا بالتقليص من نفقاتها وأعبائها عن طريق إعفاء كلي أو جزئي لعمالها قصد تقويم وضعها المالي والاقتصادي، وتجاوز أزمتها، ومواصلة نشاطها.

والسبب الاقتصادي الذي يمكن أن يؤدي إلى إنهاء عقد العمل السجني حسب المشرع الفرنسي، هو كل سبب غير مرتبط بالسجين، وغير ناتج عن توقيف أو نقل العمل أو تغييره، أو رفض السجين المعني تنفيذ عنصر مهم في عقد عمله السجني. وإنما هو ذلك السب الذي ينتج عن صعوبات اقتصادية تتميز بالتغير الكبير في مؤشر اقتصادي واحد على الأقل؛ مثل الانخفاض الدائم في الطلبات أو أرقام المعاملات أو فقدان التشغيل أو تدهور التدفق النقدي أو فائض التشغيل الإجمالي، أو ينتج عن أي عنصر آخر من الطبيعي أن يبرر هذه الصعوبة الاقتصادية. أو هو الذي ينتج عن التغيرات التكنولوجية أو عن ضرورة إعادة تنظيم وهيكلة الخدمة أو الشركة تعزيزا لقدرتها التنافسية والمحافظة عليها. أو هو الذي قد ينتج كذلك عن توقف نشاط المصلحة أو المقاولة أو الهيكل المسؤول عن نشاط العمل.

وتبعا لذلك فإن المؤسسة السجنية أو المقاولة المشغلة للسجناء، قد تتعرض إلى أزمة مالية أو اقتصادية، تجعلها غير قادرة على توفير الشغل للسجناء العاملين، وبالتالي تضطر إلى إنهاء علاقة تشغيلهم لهذا السبب، أو في أحسن الأحوال توقيفها مؤقتا.

وفي هذا الاتجاه يذهب التشريع الفرنسي الذي يشير إلى إمكانية إنهاء عقد العمل السجني لأسباب اقتصادية، في الفقرة الثانية من الفصل L412-17 من قانون السجون الفرنسية لسنة 2022، وينظمه في الفصولR412-40 إلى R412-47 من القانون التنظيمي له. وتبعا لذلك يجب أن يكون أي إنهاء لعقد العمل السجني بسبب اقتصادي معلل بأسباب واقعية وحقيقية.

فعند تحقق شروط إنهاء عقد العمل السجني نتيجة سبب اقتصادي، فإن الإنهاء يتم حسب التشريع الفرنسي، بإتباع إجراءات شكلية محددة. ومن ثم يجب على الجهة المشغلة التي ترغب في الإنهاء الفردي أو الجماعي لعقد العمل السجني للسبب المذكور، أن تستدعي ،وقبل اتخاذ أي قرار، السجناء المعنيين إلى مقابلة أولية، بواسطة رسالة تشير فيها إلى موضوع المقابلة، والتي لا يمكن عقدها إلا بعد مرور يومين من تاريخ الاستدعاء المذكور، وخلال هذه المقابلة الأولية يشير المشغل إلى أسباب القرار المتصور اتخاذه ويجمع ملاحظات السجناء بشأنه.

وفي حالة اتخاذ قرار إنهاء عقد العمل السجني، يتم إخبار السجين المعني بهذا القرار في شكل رسالة معللة، وذلك بعد مدة خمسة أيام عمل على الأقل من تاريخ المقابلة الأولية. أما إذا تعلق الأمر بإنهاء عشرة عقود عمل سجنية أو أكثر خلال نفس فترة الثلاثين يوما، فإن هذه المدة تمدد إلى عشرة أيام من تاريخ إخطار السلطة الإدارية بمشروع الإنهاء وفق الشروط المنصوص عليها في الفصل R412-45 من القانون التنظيمي لقانون السجون الفرنسية. وعلى الجهة المشغلة التي قامت بإنهاء أقل من عشرة عقود عمل سجني خلال نفس فترة ثلاثين يوما، إخطار السلطة الإدارية المختصةبهذا الإنهاء عن طريق رسالة في الموضوع.

ورسالة الإخبار بإنهاء أقل من عشرة عقود عمل سجني الموجه للسلطة الإدارية المختصة، ينبغي أن تتضمن اسم وعنوان الجهة المشغلة، وطبيعة النشاط، والقوى العاملة في الخدمة، والمقاولة أو الهيكل المسؤول عن نشاط العمل، واسم ونسب ومنصب السجناء المعنيين بهذا الإجراء، وتاريخ إخطار السجناء المعنيين بإنهاء عقد العمل السجني.

وفي حالة ما إذا رغبة الجهة المشغلة إنهاء عشرة عقود عمل سجني أو أكثر لأسباب اقتصادية، يتعين عليها خلال نفس فترة ثلاثين يوما، إخبار السلطة الإدارية المختصة بمشروع هذا الإنهاء بواسطة رسالة كتابية، لتقوم هذه السلطة بمراقبة مدى قانونية المسطرة المتبعة. وفي حالة وجود مخالفة ما تراسل السلطة المذكور الجهة الراغبة في الإنهاء وتشعرها –عند الاقتضاء- بطبيعة المخالفات التي وقفت عليها وبملاحظاتها واقتراحاته، التي على الجهة المشغلة الاستجابة لها. وإذا وردت الاستجابة بعد المدة المنصوص عليها في الفصل R412-43 من القانون التنظيمي لقانون السجون الفرنسية، فإن رسائل الإخطار بإنهاء عقود العمل السجني لا يمكن أن توجه للسجناء المعنيين إلا من تاريخ إرسال الجواب للسلطة الإدارية المختصة.

ورسالة إخبار السلطة الإدارية المختصة بمشروع إنهاء عشرة عقود عمل سجني أو أكثر، ينبغي أن تتضمن اسم وعنوان الجهة المشغلة وطبيعة النشاط، والقوى العاملة في الخدمة، والمقاولة أو الهيكل المسؤول عن نشاط العمل، وعدد عملية الإنهاء المخطط لها، وعند الاقتضاء التغيرات التي ينبغي إدخالها على المعلومات المرسلة.

يلاحظ مما تم تسطيره أعلاه، أن المشرع الفرنسي، وعلى عكس المشرع المغربي والعديد من التشريعات الأخرى وكذا المواثيق الدولية بما فيها قواعد نيلسون مانديلا، قام بتعريف السبب الاقتصادي الذي يمكن أن يكون سببا في إنهاء عقد العمل السجني، ونظم مسطرة الإنهاء لهذا السبب. الأمر الذي يسمح لنا بالقول أن هذا المشرع قد أحاط إلى حد ما علاقة عمل السجين بالعديد من الضمانات القانونية ومنح السجين العامل الكثير من الحقوق التي تحافظ على علاقة تشغيله وتجعلها مستقرة بشكل قريب مما هو معمول به خارج أسوار المؤسسات السجنية.

وتبعا لذلك، يتعين على المشرع المغربي أن يسلك نفس المنحى لتطوير مجال عمل السجناء. إلا أن ما يلاحظ من خلال قانون السجون الجديد رقم 23-10 أن تشغيل السجناء يحتفظ له بصفة عامة بنفس التنظيم الذي كان سائدا قبل صدور القانون المذكور، على اعتبار أن هذا الأخير لا يتضمن أي جديد يشجع على القول بأن تشغيل السجناء بصفة عامة وتنظيم إنهاء علاقة هذا النوع من التشغيل بصفة خاصة، منظمان في التشريع المغربي وفق الشكل الذي يتماشى مع متطلبات تحقيق الغاية الأساسية من تشغيل السجناء أو وفق الشكل الذي يتماشى مع التنظيم الذي أخصهما به التشريع الفرنسي.

ثانيا: إنهاء علاقة تشغيل السجين لأسباب أمنية

إن خصوصية الفضاء السجني وطبيعة نزلائه، تجعل هذا الفضاء يعرف أحيانا أحداثا أمنية، تدفع بالجهات المسؤولة عنه إلى اتخاذ قرارات آنية وفورية، من قبيل تعليق أنشطة العمل أو إنهاء علاقته، قصد استعادة الأمن والانضباط في أماكن العمل والمؤسسة السجنية بشكل عام.

وفي هذا منوال نشير إلى أن الأسباب الأمنية لا تؤدي في غالب الأحيان إلى إنهاء علاقة تشغيل السجناء بصفة نهائية، وإنما تؤدي فقط إلى توقيفها لفترة من الزمن، وذلك إما بناء على قرار من إدارة مؤسسة السجن، أومن الشركة المشغلة، وهكذا نجد المشرع الفرنسي لم يجعل الأسباب الأمنية من ضمن أسباب انقضاء عقد العمل السجني المنصوص عليها في الفصل L412-16 و الفصل L412-17 من قانون السجون الفرنسية، وإنما اعتبرها من أسباب تعليق التعيين في العمل، وذلك وفقا للفقرة الأولى من الفصل L412-8 من نفس القانون.

علاوة على ذلك، أنه في حالة تعليق التعيين في العمل لأسباب أمنية، يتعين حسب التشريع الفرنسي، وفقا لمقتضيات الفصل R412-16 من القانون التنظيمي لقانون السجون الفرنسية، إخبار السجين المعني به كتابة، وبالتبعية يتم وفقا لمقتضيات الفصل L412-14 من نفس القانون وقف عقد العمل السجني تلقائيا.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه، إذا ما استثنينا بعض الدول القليل التي تنظم حالة تعليق نشاط السجين كإسبانيا، ومؤخرا فرنسا كما تم بسطه أعلاه، فإن إدارة السجن في معظم الدول كألمانيا، وانجلترا، وإيطاليا، تفرض تعليقا للنشاط دون الإشارة إلى أحكام قانونية معينة، بل إدارة السجن تحتفظ لنفساها في عقود الامتياز وغيرها من العقود، بالحق في تعليق عمل السجناء في حالة الطوارئ فيما يتعلق بممارسة مهامها أو في حالة عدم الامتثال للضوابط المتعلقة بصحة وسلامة الأشخاص أو المرافق. وهو ما كان معمولا به في فرنسا قبل صدور قانون السجون الجديد سنة 2022 . إذ كانت تنص الشروط والأحكام العامة لتشغيل السجناء لدى مقاولات الامتياز على إبرام عقد الامتياز لفترة غير محددة، مع إمكانية إنهاء هذا العقد في أي وقت ممكن شريطة احترام آجال الإخطار بالإنهاء، مدته ثلاثة أشهر إما من طرف صاحب الامتياز أو الإدارة، مع احتفاظ هذه الأخيرة بالحق في تعليق الامتياز دون أي إشعار في حالة الطوارئ المرتبطة بممارسة مهامها.

وغني على البيان أنه في أي دولة مهما كانت، فإن إدارة السجن تتفاعل بشكل عام مع أي فعل يقلق أمنها، مثل هجوم أو تمرد أو هروب أو تدهور البيئة الداخلية، وهذا التفاعل لا يجد سببه الرئيسي في تسيير نشاط السجناء، بل يجد أساسه بشكل أكثر تحديدا في إطار الضوابط الأمنية العامة للسجن بقصد فرض الانضباط أو تجنب الإنفلاتات الأمنية به. كما أن تعليق النشاط لأسباب أمنية غالبا ما يهم جميع السجناء العاملين في المؤسسة، سواء كان لديهم نصيب في المسؤولية أو لم يكن لهم أي نصيب فيها، فالجميع لن يعمل ويفقد جزءا من الدخل المتوقع من عمله.

ومن ناحية أخرى، فإنه بصرف النظر عن المسائل المتعلقة بفرض الانضباط داخل السجن، فإن إدارة السجن تلجأ إلى تعليق نشاط السجناء مؤقتا، في الحالات التي يتعذر عليها الإشراف على السجناء في العمل، (مثل حالة قيام حراس السجن بالإضراب، أو مثل غياب المقاولة المشرف عن العمل، أو في حالة عدم قدرتها على توفير العمل، مثل حالة نقص المواد الخام أو مشاكل التوريد أو عطب في آلات العمل).

وتجدر الإشارة إلى أن تعليق نشاط السجين لأسباب أمنية إذا ما استثنينا بعض الدول كفرنسا على النحو المبين أعلاه، وإسبانيا، لا يخضع في معظم الدول -ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا مثلا_ إلى إخطار أو تصريح كتابي، بل في الكثير من الدول كالمغرب على سبيل المثال لم يتم تنظيم تعليق نشاط السجناء أو توقيفه لأسباب أمنية بشكل واضح وصريح، وإنما تحكمه بشكل عام قواعد أمن المؤسسة السجنية، إذ يمكن لمدير المؤسسة السجنية أن يلجأ إليه بناء على الصلاحيات المخولة له في إطار الحفاظ على النظام والأمن.

وقبل ختم هذه النقطة، نشير إلى أنه بمجرد زوال سبب تعليق العمل أو نشاط السجين، يستأنف هذا الأخير عمله تلقائيا، خاصة في بعض الدول التي يوجد فيها عقد عمل يحكم علاقة التشغيل؛ كإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، أو في بعض الدول التي تكرس فيها الممارسة العملية ذلك؛ كألمانيا، على رغم من عدم توفر هذه الأخير على نفس الضمانات القانونية المتوفرة في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، أوفي بعض الدول الأخرى كإنجلترا التي يمكن للسجين فيها استئناف عمله السابق وعند الاقتضاء يسند له عمل جديد.

خلال فترة الاحتجاز قد تلزم بعض التدابر التي لا علاقة لها بالأخطاء التأديبية والجزاءات المقررة لها، بالتصريح بتوقيف السجين عن العمل وإنهاء علاقة تشغيله، مادامت هذه الأسباب تجعل السجين غير قادر على التوجه إلى أماكن العمل؛ كإخضاعه للتدبير العزلة من خلال الوضع في الزنزانة أو الوضع في الحبس الانفرادي (الفقرة الأولى)، أو كالنقل من مؤسسة إلى أخرى أو الإفراج عن السجين أو سحب الترخيص بالوضع في الخارج أو شبه الحرية (الفقرة ثانية). وهكذا يمكننا التساؤل عن كيف يمكن لهذه الأسباب أن تؤثر على علاقة تشغيل السجين وتقضي عليها؟

لكن، قبل الخوض في مناقشة هذا المطلب، نود التأكيد على أن المقصود بالوضع في العزلة، ليس باعتباره العقوبة التأديبية التي قد تصدر في حق السجين جراء ارتكابه بعض الأخطاء التأديبية الخاصة أو العامة التي سنتطرق لها في مقالة مستقلة تخص إنهاء علاقة تشغيل السجين لأسباب تأديبي. وإنما العزلة المقصودة هنا هي تلك العزلة التي تكون، إما بناء على طلب من السجين نفسه أو كإجراء أمني أو صحي مقرر لصالحه، تطبيقا لما ينص عليه المشرعين المغربي والفرنسي.

الفقرة الأولى: إنهاء علاقة تشغيل السجين بسبب تدبير العزلة

قد تستدعي ظروف اعتقال السجين إخضاعه لتدبير العزلة، وذلك إما بوضعه في زنزانة (أولا) أو حبس إنفرادي (ثانيا)، بناء على طلب منه أو كإجرائي احترازية أمني أو صحي أو قضائي، قصد حمايته أو حماية زملائه السجناء وموظفي المؤسسة السجنية التي تأويه.

أولا: إنهاء علاقة تشغيل السجين بسبب الوضع في الزنزانة

لأسباب غير مهنية، وغير تأديبية، يمكن أن تنفذ عزلة السجين من خلال وضعه في زنزانة فردية، قد تكون مدتها أحيانا طويلة أو قصيرة، ونتيجة ذلك قد لا يتمكن السجين المعني بالعزلة من إنجاز الشغل في المكان المخصص له. وبالتالي ففي غالب الأحيان وعلى ما يبدو من الناحية العملية، يتم الاعتماد على هذا التدبير للشروع في اتخاذ قرار التوقيف عن التشغيل وصولا إلى إنهاء علاقته وفقدان السجين لشغله، أو على الأقل البقاء في وضعية قريبة من الفقدان؛ بسبب تعليق علاقة التشغيل بسبب قرار من إدارة المؤسسة السجنية.

وهذا ما يجعل في الواقع، أسبابا غير مهنية وغير تأديبية تتدخل كعقوبات تخص أنشطة مهنية في غياب أي تنصيص على ذلك. وإن كان يبدو أن الوضع في الزنزانة لا يؤدي مباشرة إلى فقدان العمل وإنما يكون هذا الفقدان حسب ظرف ومدة الوضع في العزلة؛ ففي مراكز الاحتجاز بفرنسا على سبيل المثال، لا يؤدي الوضع في الزنزانة ولو كعقوبة تأديبية بشكل أوتوماتيكيا إلى توقيف السجين عن العمل. ومن جهة أخرى يبدو لنا أنه يمكن الحد من خطورة هذا التدبير على برنامج تشغيل السجناء، وذلك من خلال تأمين للسجين الخاضع لتدبير الوضع في الزنزانة نشاط مهني ذي طبيعة فردية يقوم به السجين في زنزانته، كالخياطة اليدوية أو الطرز إلخ.

ثانيا: إنهاء علاقة تشغيل السجين بسب الوضع في الحبس الانفرادي

إن الوضع في الحبس الانفرادي لا يكتسي دائما طابعا تأديبيا، بل يمكن أن يكون -كما سبقت الإشارة- لأسباب أمنية أو بطلب من المعتقل نفسه. وبغض النظر عن سبب هذا التدبير فإنه يشكل من الناحية العملية عائقا أمام إمكانية مواصلة السجين لشغله؛ إذ قد ينتج عنه توقيف السجين عن العمل، كما هو حال الوضع في الزنزانة. ففي بعض المؤسسات السجنية في فرنسا يبدو أن التوقيف عن العمل يكون تلقائيا، لأن مدة الوضع في الحبس الانفرادي القابلة للتجديد كل ثلاثة أشهر تكون دائما طويلة.

وعموما فإن الوضع في العزلة إما في الزنزانة أو الحبس الانفرادي بطلب من السجين أو كإجراء احترازي أمني أو صحي، يمكن أن يكون بالنظر إلى طبيعته وخصوصية تنفيذه سببا مباشرا أو غير مباشر لإنهاء علاقة تشغيل السجين خاصة في الأشغال ذات الطابع الجماعي. وهذا ما تؤكده-من حيث المبدأ- بشكل صريح نصوص بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي على سبيل المثال، وكذا تشريعنا المغربي، الذي كان ينص في الفقرة الأولى من المادة 39 من قانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الملغى على أنه.” يمكن أن تؤدي التدابير التأديبية وتدابير الوضع في العزلة المتخذة في حق المعتقلين إلى حرمانهم من العمل.” وهو ما حافظ عليه قانون السجون رقم 23-10 من خلال مادته 149.

وفي هذا الصدد لا يتفق أحد الباحثينمع ما كان ينص عليه المشرع المغربي في الفقرة الأولى من المادة 39 أعلاه، معتبرا أن سلوك السجين خارج الشغل أو مع المسؤولين عن السجن ينبغي أن لا يؤثر على حقه في الشغل. فهذا الأخير ليست له وظيفة عقابية تأديبية، بقدر ما هو وسيلة تقويمية وإصلاحية. وبالتالي يتعين عدم اتخاذه وسيلة لتأديب السجناء.

ومن جانبنا، نؤيد هذا الرأي بخصوص الشق الأول المتعلق بالتدابير التأديبية، ونخالفه بخصوص تدابير الوضع في العزلة، لكون خصوصية هذا الأخير تؤدي بشكل تلقائي في غالب الأحيان إلى إنهاء علاقة تشغيل السجين ولو بشكل مؤقت وحرمان السجين من الشغل- باستثناء حالة توفير شغل للسجين بشكل منفرد في مكان عزلته، وهذا نادر إذ لم نقل منعدم- شأنه في ذلك شأن سحب الترخيص بالوضع في الخارج أو الاستفادة من الحرية النصفية.

الفقرة الثانية: إنهاء علاقة تشغيل السجين بسبب نقله إلى مؤسسة سجنية أخرى أو بسبب الإفراج عنه

تعتبر بعض القرارات المتخذة من طرف الإدارة السجنية في حق بعض السجناء سببا غير مباشر في إنهاء علاقة تشغيلهم. ومن هذه القرارات؛ قرار نقل السجين إلى مؤسسة سجنية أخرى( أولا)، وقرار الإفراج عنه(ثانيا)

أولا: إنهاء علاقة تشغيل السجين بسبب نقله إلى مؤسسة سجنية أخرى

في إطار تدبيرها لوضعية السجناء أو إعادة تصنيفهم بناء على معطيات ومعلومات جديد، تلجأ إدارة المؤسسات السجنية في بعض الأحيان، إلى نقل السجين من مؤسسة إلى أخرى كتدبير نظامي داخلي حسب مجلس الدولة الفرنسي، مادام هذا التوزيع الجديد لا يغير ظروف احتجاز السجين.

ومهما يكن من أمر، وبصرف النظر عن طبيعة هذا الإجراء، فالسجين الذي اتخذ في حقه الإجراء المذكور، لا يستطيع الذهاب إلى عمله الذي كان يزاوله بالمؤسسة التي تم نقله منها، مما ينتج عنه بالتبعية إنهاء علاقة تشغيله بشكل تلقائي ونهائي، بل قد ينتج عنه في غالب الأحيان فقدان العمل وما ينتجه عنه من دخل، الأمر الذي قد يؤثر على الأحوال المعيشية للسجين وعائلته. كما يؤكد ذلك أحد الفقهاء الفرنسيين في تعليقه على قرار مجلس الدولة الفرنسية أعلاه.

وفي هذا المنوال تجدر الإشارة إلى أنه، قصد الحفاظ للسجين بالحقوق التي كان يكتسبها في المؤسسة السجنية المتنقل منها، أضاف المشرع الفرنسي أنه في حالة نقل السجين من مؤسسة سجنية إلى أخرى يتعين الاحتفاظ له بمزايا التصنيف في العمل التي حصل عليها مسبقا، واتخاذ جميع التدابير الممكنة من أجل تعيينه في منصب عمل ذي طبيعة مماثلة، مع مراعاة فرص العمل المحلية.

ثانيا: إنهاء علاقة تشغيل السجين بسبب الإفراج عنه

وإلى جانب إنهاء علاقة تشغيل السجين جراء نقله إلى مؤسسة أخرى، يمكن كذلك أن تنتهي علاقة تشغيله بسبب تغيير في وضعيته القانوني نتيجة الإفراج المبكر عنه أو لانتهاء عقوبته السالبة للحرية؛ إذ ينتقل من شخص مسلوب الحرية إلى شخص حر لا علاقة له ببرامج المؤسسات السجنية، وبالتالي تنتهي علاقة تشغيله خاصة تلك التي لا يحكمها قانون الشغل.

وإنهاء علاقة تشغيل السجين -عقد العمل السجني- نتيجة نقله من مؤسسة سجنية إلى أخرى أو نتيجة الإفراج عنه، نص عليه المشرع الفرنسي بشكل صريح في الفصل L412-16 من قانون لسجون الفرنسية.

لكن، رغبة المشرع الفرنسي في التخفيف من الآثار السلبية لنقل السجين أو الإفراج عنه على علاقة تشغيله، جعلته ينص-على عكس العديد من التشريعات الأخرى- على أن الإفراج عن السجين لا يمنع من اتفاق السجين المفرج عنه ومشغله على إمكانية مواصلة العمل عن طريق إبرام عقد الشغل وفقا لمقتضيات قانون الشغل. ومن أجل تسهيل هذه المكنة، أجاز للمشغل أن يخبر السجين المراد الإفراج عنه بإمكانية الاشتغال في مصالحه أو مقاولاته أو هياكله، مع فحص إمكانية إبرام عقد شغل معه قصد السماح له بمواصلة ممارسة عمله بعد الإفراج عنه وفق أحكام قانون الشغل.

ويلاحظ أن المشرع الفرنسي يعي جيدا، مدى أهمية مواصلة السجين لعمله بعد نقله أو الإفراج عنه في عملية التأهيل وإعادة الإدماج، ويعي أيضا أن انقطاع السجين عن العمل من شأنه أن يقوض كل الجهود التي بذلت في سبيل تأهيل السجين خلال المرحلة السابقة عن نقله أو الإفراج عنه. لذلك نص على ضرورة المحافظة للسجين على المكاسب التي حققها خلال المرحلة المذكورة، قصد مساعدته على تطوير معارفه والاندماج في المجتمع بشكل سلس، خاصة أن تمكين السجين المفرج عنه من مواصلة عمله وفقا لمقتضيات قانون الشغل سيجعله يندمج بشكل سريع في المجتمع ويساعده أيضا على الابتعاد عن ارتكاب الجرائم .

ونافلة القول نرى أن الأسباب غير المهنية التي تتولد عن خصوصية وضع السجين داخل الفضاء السجين، مثل العزل في الزنزانة أو الحبس الانفرادي أو نقل السجين إلى مؤسسة سجنية أخرى، أو سحب الترخيص بالوضع في الخارج أو الحرية النصفية، كلها أسباب قد تودي في الواقع، إلى إنهاء علاقة تشغيل السجين بشكل تلقائي ونهائي، لكون طبيعة تطبيقها لا تسمح للسجين بالذهاب إلى العمل لفترة معينة، مما يجعله يفقد عمله ويتم استبداله بسجين أخر، على الرغم من أن عملية التأهيل تستوجب أن يعود السجين إلى عمله بعد نهاية الإجراءات التي اتخذت في حقه، باستثناء فرضية نقله إلى مؤسسة أخرى.

كما نستنتج أن إنهاء علاقة تشغيل السجين يمكن أن يكون نتيجة أسباب أخرى منصوص عليها في قانون السجون، كما هو الحال في التشريع الفرنسي الذي نص على بعض حالات إنهاء علاقة عمل السجين ونظم مسطرتها، كحالة الإنهاء بمبادرة من السجين أو باتفاق بينه وبين المشغل، أو حالة الإنهاء لأسباب اقتصادي أو أمنية.

وفي ذات الصدد نستنتج أن عملية إنهاء علاقة تشغيل السجين، تخالف في معظمها قواعد قانون الشغل، وأنها غير منظمة في التشريع المغربي ولا توفر أي ضمانات للسجناء العاملين، وأن معظم التشريعات- إذا ما استثنينا بعض التشريعات كالتشريع الفرنسي الذي نظم مسطرة إنهاء عقد العمل السجني في بعض الحالات على النحو المبين أعلاه -لا تنص على مسطرة يتعين إتباعها أو آجال للإخطار يجب احترامها، أو على الأقل دفع تعويض عن هذا الإنهاء .

وتبعا لذلك تأكد لنا أن غياب إطار قانوني ينظم علاقة تشغيل السجناء وطرق إنهائها وحقوق كل طرف تجاه الأخر، يشكل مصدر انعدام الأمن ويساهم في جعل وضع السجين العامل أكثر عرضة للتعسف، حيث يمكن أن يفقد السجين عمله بين عشية وضحاها، ودون أي تعويض عن هذا الإنهاء، وعن البطالة. لذلك المشرع المغربي مدعو للتدخل في أقرب فرصة تتاح له قصد تنظيم تشغيل السجناء بشكل دقيق أو على الأقل تنظيمه وفق التنظيم الذي اعتمده المشرع الفرنسي في قانون السجون لسنة 2022.

المراجع باللغة العربية

-عبد اللطيف الخالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقة الشغل الفردية. المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، سنة 2004.

-عمار عباس الحسيني، الردع الخاص العقابي ونظم المعاملة الإصلاحية، دراسة مقارنة في فلسفة الإصلاح العقابي ونظم الوقاية من الجريمة، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، سنة 2013.

-فوزية عبد الستار، “مبادئ علم الإجرام وعلم العقاب”، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الخامسة، سنة 1985، ص211.

-عبد الجليل عينوسي، تشغيل السجناء في المغرب بين القانون والواقع، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، سنة 2012.

-نورالدين الحافظي، تشغيل السجناء في المواثيق الدولية والتشريع المغربي والمقارن، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة ابن زهر أكادير، السنة الجامعية 2023/2024.

-أبو لبابة العثماني، النظام القانوني لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة كبديل عن العقوبة السجنية، مجلة القضاء والتشريع، عدد 4 أبريل 2004.

المراجع باللغة الفرنسية

-Gean Pradel, droit pénal, CUJAS, paris, 4eme, 2004.

-Voltier, De la peine de mort, in Commentaire sur le livre des délits et des peines, 1767.

-Philippe Auvergnon, Caroline Guillemain, le travail pénitentiaire en question une approche juridique et comparative, recherche réalisée avec le soutien de la maison de recherche “Droit et Justice” Mars 2005.

-Catherine Oumalis, le droit des détenus au travail et à la sécurité sociale en Belgique, Master en droit, Université catholique de Louvain, Faculté de droit et de criminology, 2014/2015.

-Jean Christophe Gaven, le travail en prison dans la pensée pénitentiairiste du XIX siècle, Le colloque international qui s’est tenu à L’Universitaires de STRASBOURG les 7 et 8 janvier 2014, Le travail en prison, Mise en perspective d’une problématique contemporaine, Presses universitaires de STRASBOURG. 2015.

-Marta Peguera Poch, Le travail en prison à Nancy au XIX siècle, Le colloque international qui s’est tenu à L’Universitaires de STRASBOURG les 7 et 8 janvier 2014, Le travail en prison, Mise en perspective d’une problématique contemporaine, Presses universitaires de STRASBOURG. 2015.

-Philippe, Auvergnon, le travail pénitentiaire entre impératifs sécuritaires et droit commun, Dalloz, les cahiers de la justice , 2011/3 N°3.

-Philippe Auvergnon, le travail en prison dans quelques pays européens : du non droit au droit aménagé, bulletin de droit comparé du travail et de sécurité sociale, 2007.

-Rapport, Delarue, J-M, et Tavernost, N, Travail en prison : prépares (vraiment) l’après, de Institut Montaigne et de la Fondation M6, févriers 2018.



Source link

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لو تتكرم بدعمنا ، وقم بتعطيل إضافة مانع الإعلانات لتصفح المحتوى .