الأحكام العامة للوساطة الاتفاقية في ضوء القانون 95.17 الباحثة : نسرين قرموش تحت إشراف الاستاذة : سعاد التيالي

[]

 

الأحكام العامة للوساطة الاتفاقية في ضوء القانون 95.17

General provisions for mediation agreements in light of the law 95.17

الباحثة : نسرين قرموش

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

تحت إشراف الاستاذة : سعاد التيالي

أستاذة التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس

 

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

الأحكام العامة للوساطة الاتفاقية في ضوء القانون 95.17

General provisions for mediation agreements in light of the law 95.17

الباحثة : نسرين قرموش

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

تحت إشراف الاستاذة : سعاد التيالي

أستاذة التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس

ملخص

تعد الوساطة الاتفاقية إحدى الوسائل الجديدة التي أدخلها المشرع المغربي في مجال تسوية النزاعات، ويقوم الوسيط بدور أساسي في تسهيل إبرام صلح ينهي النزاع بين الطرفين أو بين الأطراف، فهي تعتبر من أهم الطرق في تسوية النزاعات خاصة التجارية وذلك بسبب كثرة الاستثمارات الأجنبية بالمغرب، الأمر الذي يدفع بالمستثمرين إلى إيجاد حلول سريعة وغير مكلفة وتوافقية بين أطراف العلاقة التعاقدية بعيدا عن أروقة المحاكم، حيث نص عليها المشرع المغربي الوساطة الاتفاقية في بادئ الأمر في قانون المسطرة المدنية بمقتضى القانون 08.05 في إطار الفصول من 55-327 الى 69-327، ثم عاد ونظمها من خلال القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية بهدف فصل المقتضيات المنظمة للتحكيم والوساطة الاتفاقية عن قانون المسطرة المدنية.

الكلمات المفتاحية:

الوساطة الاتفاقية – الوسيط – النزاع

Summary

Conventional mediation is one of the new methods introduced by the Moroccan legislator in the field of dispute settlement. The mediator plays an essential role in facilitating the conclusion of a reconciliation that ends the dispute between the parties or between the parties. It is considered one of the most important methods in settling disputes, especially commercial ones, due to the large number of foreign investments in Morocco, which… It pushes investors to find quick, inexpensive and consensual solutions between the parties to the contractual relationship away from the corridors of the courts, as the Moroccan legislator stipulated the mediation agreement initially in the Code of Civil Procedure under Law 08.05 in the framework of Chapters 327-55 to 327-69, and then came back and regulated it. Through Law 95.17 regarding Conventional Arbitration and Mediation with the aim of separating the requirements regulating Conventional arbitration and mediation from the Code of Civil Procedure.

Key words

Conventional mediation The mediatordispute

مقدمـــة :

إن المعضلة الأساسية التي يواجهها القضاء منذ أمد بعيد، في مختلف الأنظمة القضائية عبر العالم، تتجلى في تراكم أعداد هائلة من القضايا و التي تنتظر دورها للفصل فيها، بسبب التأخر في إصدار الأحكام والبطء في حسم النزاعات وتعدد أوجه الطعن عبر مختلف أوجه درجات التقاضي زيادة على اتسام إجراءات التبليغ و التنفيذ بالتعقيد و افتقارها للسرعة والفعالية، واعتبارا للتطور الهائل في مجال المعاملات، وما نتج عن ذلك من كثرة الروابط التي نجم عنها كثرة الدعاوي، برزت على السطح، الحاجة إلى وجود السرعة وفعالية البث في المخالفات، ومن هنا نشأت الحاجة لوجود آليات قانونية، يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل و فعال. هذا، وقد أصبح اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات في وقتنا الحالي أمرا حديثا والتي لم تعد المحاكم قادرة على التصدي لها بشكل منفرد، فمع التطور المستمر في التجارة والخدمات وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات التجارية والحاجة إلى السرعة والفاعلية في بث المخالفات، وتخصيصه من قبل من ينظر في هذه الخلافات أو يساهم في حلها، نشأت الحاجة إلى وجود آليات قانونية بديلة يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفعال مع منحهم مرونة وحرية التوفر .

وفي الوقت الراهن تظهر الحاجة الملحة في لجوء أطراف النزاع للوساطة الاتفاقية لما تتميز به من سرعة وسرية وقلة التكاليف، ولما تمنحه للأطراف من مرونة وحرية لا تتوفر المساطر القضائية، فهذه الطرق البديلة تعتبر آليات يلجأ إليها الأطراف لحل منازعاتهم بواسطة شخص محايد ودون اللجوء إلى المحاكم أو الهيئات القضائية الرسمية، بحيث يتم تنفيذ هذه الوسائل البديلة في إطار مبادئ الاستقلالية وشفافية المساطر الفعالية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوساطة تتعدد مجالات تطبيقها، بحيث تشمل مختلف ميادين النزاعات سواء منها المرتبطة بالنزاعات المدنية، الإدارية والتجارية ، هذه الأخيرة

بدورها تتعدد فيها النزاعات التي يمكن تطبيق الوساطة عليها .

والوساطة في اللغة تعني ” الوسط والتوسط ” بمعنى الاعتدال في القول والفعل والفكر

وأوسط الشيء أفضله وخياره ، والوسيط في القوم حسيبهم .

والوساطة من الناحية القانونية بالرجوع إلى التشريع المغربي وخاصة القانون رقم 95.17 المعدل والمتمم لقانون 08.05. نجد المشرع لم يضع تعريفا خاصا بالوساطة، لكننا نجده عرف اتفاق الوساطة حيث جاء في المادة 87 أن اتفاق الوساطة هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشا أو قد ينشأ فيما بعد والجدير بالذكر أن القانون 08.05 لم يسلم من أسهم الانتقاد التي أبرزت بعض النواقص التي تشوبه، الأمر الذي فرض إعادة النظر في عدة مقتضيات، ونتيجة لذلك صدر القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.

أما في عصرنا الحالي فإن الوساطة باتت تعرف شعبية وانتشار واسعين نظرا لما تتميز به من مميزات دفعت العديد من الدول إلى تبنيها إلى جانب مؤسسة القضاء خلال العقدين الأخيرين، وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية السابقة إلى الأخذ بها في بداية التسعينات وبعدها بريطانيا، أما الدول العربية فلم تأخذ بها إلى مؤخرا، كمصر سنة 2004 والأردن سنة 2006، أما بالنسبة للمغرب فإنه لم يأخذ بها على المستوى الرسمي إلا سنة 2007 بمقتضى القانون رقم 08.05، جلالة الملك في عدة خطابات إلى تفعيل الوسائل البديلة لحل النزاعات، وتطبيقا لهذا صدر القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم وبعد ذلك دعى جلالة الملك في عدة خطابات إلى تفعيل الوسائل البديلة لحل المنازعات، وتطبيقا لهذا صدر القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية بتاريخ 2022/05/24 والذي فصل مقتضيات التحكيم والوساطة الإتفاقية عن قانون المسطرة المدنية كما جاء بمجموعة من التعديلات.

ولهذا الموضوع أهمية بالغة سواء على المستوى العملي أو النظري، وتظهر الأهمية العملية في الدور الذي تقوم به الوساطة الاتفاقية في حل المنازعات بعيدا عن تعقيدات المساطر القضائية، بل البعد حتى عن أنظمة التحكيم، وذلك نظرا لما تتميز به هذه الوسيلة من خصوصيات تأمن لأطراف النزاع الحماية السريعة وغير مكلفة.

أما الأهمية النظرية لهذا الموضوع تتجلى فيما حظيت به الوساطة الاتفاقية من تأطير قانوني وانتقالها من مجال غير رسمي إلى المجال الرسمي والتنظيمي بداية من خلال القانون رقم 08.05. في ظل ق.م.م ، والدليل على الأهمية التي تحظى بها الوساطة الاتفاقية هو أن المشرع المغربي نظمها في قانون مستقل عن مقتضيات قانون المسطرة المدنية، يتعلق الأمر بقانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة.

ولمعالجة هذا الموضوع يقتضي بناء الإشكالية التالية:

إلى أي حد استطاع المشرع المغربي ابراز استقلال الوساطة الاتفاقية عن قانون المسطرة المدنية؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤلات الفرعية تتمثل في :

  • ماهي الأحكام العامة للوساطة الإتفاقية على ضوء القانون 95.17 ؟
  • ماهي إجراءات الوساطة الاتفاقية، وما هي أثارها على ضوء القانون رقم 95.17 ؟

للإجابة عن هذه الإشكالية الرئيسية وكذا الأسئلة الفرعية ستتبع خطوات المنهج التحليلي

لتحليل المقتضيات الجديدة للوساطة الاتفاقية التي جاء بها قانون رقم 95.17 وذلك من خلال اتباع خطة البحث الآتية:

  • المبحث الأول: الأحكام العامة للوساطة الاتفاقية على ضوء القانون رقم 95.17
  • المبحث الثاني : الضوابط القانونية للوساطة الاتفاقية وأثارها على ضوء القانون رقم95.17
  • المبحث الأول: الأحكام العامة للوساطة الاتفاقية على ضوء القانون رقم95.17

إن آلية الوساطة أصبحت تحتل مكانة مهمة في جميع الأوساط نظرا للدور الفعال في فض المنازعات بشكل حبي، وذلك عن اختيار الأطراف وطواعيتهم في اختيار شخص ثالث يسمى الوسيط الذي يبقى دوره في مساعدة الأطراف في الوصول إلى حل توافقي عن طريق تقريب وجهات النظر، إذن سنحاول في هذا المبحث التطرق لماهية الوساطة (المطلب الأول) على أن نتعرض في المطلب الثاني) إلى شروط وأنواع الوساطة.

  • المطلب الأول: مفهوم الوساطة وخصائصها

في هذا المطلب سوف يتم تعريف الوساطة من خلال مفهومها اللغوي والاصطلاحي (الفقرة الأولى)، على أن يتم إبراز أهم خصائصها (الفقرة الثانية).

  • الفقرة الأولى: مفهوم الوساطة

الوساطة لغة مأخوذة من كلمة وسط “بفتح السين” ويقول وسط الشيء ما بين طرفيه مثل قول قبضت وسط الحبل، أما الوسط” بسكون السين” فهو ظرف لا اسم له ومن ذلك جلست وسط القوم أي بينهم، ويقال وسطت القوم أي توسطهم، ووسوط الشمس توسطها السماء والوسط “بفتح السين” من كل شيء أعدله ، ومنه قوله تعالى “وكذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لتَكُونُوا شُهَدَاء عَلى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَليْكُم شهيداً أي عدلاً.

أما اصطلاحا: وفي ظل غياب تعريف للوساطة، ذلك أن المشرع لا يضع تعريفا للمصطلحات القانونية إلا في الحالات الضرورية والتي يهدف المشرع من خلالها إزالة اللبس عن مصطلح قانوني معين، أو تحديد المعنى المقصود من هذا المصطلح في التطبيق العملي.

وقد ساهمت العديد من المؤلفات الفقهية في تعريف الوساطة كأحد الآليات البديلة لحل المنازعات، حيث عرفها الفقيه TOUZARD “بأنها تعني التفاوض بين المتخاصمين بحضور طرف ثالث محايد دوره هو تسهيل البحث عن حل للنزاع”.

كما عرفها الفقيه طلعت حسين القيس بأنها تدخل في نزاع أو عملية تفاوض يقبل الأطراف أن يقوم بها طرف ثالث من صفاته أن يكون غير منحاز، حيادي لا يملك السلطة أو القوة لصنع القرار، وكذلك مساعدتهم بطريقة تطوعية على الوصول الى اتفاق خاص بينهم ومقبول منهم”.

ومن كل ما سبق من هذه التعريفات الفقهية للوساطة والأهمية التي أصبحت تحظى بها على المستوى العالمي، فإنه يمكننا أن نقول بأنها ” طريقة طوعية يلجا لها الأطراف عن بيئة واختيار منهم وذلك بإشراك طرف ثالث يسمى وسيط يعمل على تسهيل الحوار وتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتخاصمين من أجل مساعدتهما على الوصول الى حل متوافق

عليه من الطرفين.

  • الفقرة الثانية خصائص الوساطة

إن اللجوء الى آلية الوساطة مرده إلى مجموعة من الخصائص التي تمتاز بها ، تتمثل في

الآتي:

الاختيارية : تعتبر الوساطة بطبيعتها اختيارية، أي يجب أن يقبل الأطراف اللجوء إليها عن طواعية، ما دامت تهدف الى الوصول إلى حل ودي ورضائي ومقبول من الطرفين .

وبالرجوع إلى مضمون المادة 85 من القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية فهي تنص على أنه يجوز للأطراف. .. مما يعني أن المشرع ترك للأطراف عند وقوع نزاع بينهم فى اختيار اللجوء إلى هذه الآلية من أجل تسويتها، وذلك باستعماله عبارة “يجوز ” ما يعنى حرية الاختيار، وذلك أن الوساطة مهمتها هي المساعدة على الوصول إلى حل توافقي يرضى الطرفين.

المرونة: تتميز الوساطة بكونها غير مرتبطة بأصول المحاكمات و الشكليات الطويلة والمعقدة، بل إنها وسيلة سهلة ومرنة تهدف للوصول إلى نتائج ودية ومنصفة للنزاع وترضي جميع الأطراف، إذ ليس هناك قانون معين أو شكليات محددة يجب احترامها بل هناك حوار جدي وعرض كل طرف لموقفه، وذلك للسعي إلى تحقيق حلول ملائمة وفعالة، فالإطار غير الرسمي وقلة الشكليات هو الميزة الأساسية للوساطة.

السرية: ذلك أنه في كل المجالات تعتبر سرية الوساطة شرطا أساسيا لعدالة الحل المقترح

ونجاحه، وهو ما أكدته المادة 95 من قانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية حيث جاء فيها ” تتسم أعمال الوساطة بالسرية ، ولا يمكن الاحتجاج بما راج بها وما تم فيها من تنازلات لأطراف النزاع أمام المحاكم أو أي جهة أخرى مالم يتفق الأطراف على خلاف ذلك”.

وذلك بهدف تشجيع الأطراف بالإدلاء ببعض المعلومات والوثائق التي يتخوفون من تقديمها بأن تتخذ ضدهم في حالة فشل الوساطة وإحالة النزاع أمام القضاء، إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، وعليه ينبغي أن تحترم سرية كل ما راج في الوساطة .

كما انه يجب على الوسيط ألا يفشي المعلومات التي يقدمها أحد الأطراف سواء كان ذلك في لقاء مشترك أو منفرد إلا في حالة الموافقة الصريحة للطرف المعني تحت طائلة تطبيق العقوبات المنصوص عليا في القانون الجنائي المتعلقة بالسر المهني.

السرعة : إن خاصية السرعة في الوساطة يرجع إلى عامل الوقت في حل أي نزاع في وقت قياسي وفي ظرف وجيز، حيث نجد المادة 94 من القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية تنص على ” إن الأطراف يحددون مهمة الوسيط أول الأمر دون تجاوز أجل ثلاثة أشهر من التاريخ الذي قبل فيه الوسيط مهمته …… وذلك ما عليه القضاء العادي الذي تتسم إجراءاته ومساطره المعقدة بالبطء، حيث تستغرق مدد طويلة في الفصل في النزاع، مما يعرض الأطراف إلى تفاقم الأضرار التي تنجم عن تحصيل الحقوق وكذا ضياعها الناتج عن طول المدة، ومن هنا تبرز أهمية هذه الخاصية في حسم النزاع في أجل معقول وأحيانا في إطار جلسة واحدة من جلسات الوساطة.

  • المطلب الثاني: أشكال الوساطة وشروطها

إن المشرع المغربي أرسى في قانون 17-95 أرضية تشريعية للوساطة الإتفاقية في غياب شبه تام للوساطة القضائية، سنتطرق في هذا المطلب إلى أشكال الوساطة ( الفقرة الأولى ) إلى أن يتم الإنتقال إلى شروطها ( الفقرة الثانية).

  • الفقرة الأولى : أشكال الوساطة الاتفاقية
  • الوساطة الاتفاقية

تتخذ الوساطة الاتفاقية في التشريع المغربي صورتين إما شرط الوساطة أو عقد الوساطة، وهذا ما نصت عليه المادة 90 من القانون 17-95 بقولها ” لا يمكن إبرام إتفاق الوساطة

بعد نشوء النزاع ويسمى عقد الوساطة قبل نشوء النزاع بالتنصيص عليه في العقد الأصلي أو في عقد يحيل على هذا العقد ويسمى شرط الوساطة. من خلال هذا النص يتضح أن الوساطة الإتفاقية هي وسيلة اختيارية غير إلزامية تم اللجوء إليها برغبة الأطراف خلال أي مرحلة من مراحل النزاع ويحتاجون خلالها إجراءات وأسلوب بالوساطة، من أجل فهم موضوع النزاع ووضع الحلول المناسبة له لأنهم أسياد القرار النهائي فلا يمكن فرض الحل عليهم.

إن الوساطة لا يمكن افتراضها بمعنى أنه لا يمكن أن نفترض أن الأطراف قد اتفقوا على الوساطة، إذ يجب أن يكون إتفاقهما صريحا. وإتفاق الوساطة قد يتخذ شكل عقد الوساطة أو شرط الوساطة، وهذا ليس فيه أية غرابة مادام الأمر يتعلق بوساطة إتفاقية لا قانونية، فعقد الوساطة يبرم بعد نشوء النزاع ويمكن إبرامه ولو أثناء المسطرة جارية أمام المحكمة حيث يتعين إعلام المحكمة به داخل أقرب الآجال من إبرامه، ويترتب عليه وقف المسطرة أمام المحكمة إلى حين تبين ماَل المسطرة. أما شرط الوساطة فيتم النص عليه في الإتفاق الأصلي ويلتزم بمقتضاه الأطراف أن يعرضوا على الوسيط النزاعات التي قد تنشأ عن الاتفاق المذكور.

  • الوساطة القضائية

أرسى القانون 17-95 أحكام الوساطة الإتفاقية في غياب شبه تام للوساطة القضائية، لكن يعتبر البعض أن الوساطة القضائية أو الإجبارية كانت مقررة سلفا من طرف المشرع المغربي بناء على ما نص عليه من إجبارية مسطرة الصلح في مجموعة من القضايا من قبيل المادة 433 من قانون – بمثابة مدونة التجارة في باب عقد الإئتمان الإيجاري ومن القوانين الأخرى التي تستلزم سلوك مساطر خاصة لإنهاء النزاع سواء تحت إشراف القضاء أو خارج إطار هذا الإشراف تذكر القوانين الثلاثة:

قانون التحفيظ العقاري (الفصل 31 من ظهير 25 غشت 1955)

قانون المحاماة (المادة 29 منه ظهير 1955 المنظم للكراء التجاري (الفصول 27-32) وغيرها من القوانين.

وختاما تجب الإشارة إلى أنه رغم أن اللجوء إلى الوساطة القضائية يكون إجباريا عن طريق القضاء، فإن تنفيذ مضمون إتفاق الوساطة لا يمكن أن يكون إجباريا، على أساس أن من الخصائص الأساسية والتي لا تختلف فيها الوساطة عموما سواء كانت إتفاقية أو إجبارية هو رضائية التنفيذ، عكس ما هو عليه الأمر في الحكم القضائي الذي يقوم عليه التنفيذ الجبري.

  • الفقرة الثانية: شروط الوساطة الاتفاقية

باعتبار الوساطة وسيلة خاصة لتسوية المنازعات فإن المشرع المغربي حرص في تنظيمها على إدراج مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية، لابد من توافرها أثناء سير مسطرة

الوساطة.

أولا : الشروط الشكلية

حرص المشرع المغربي على تنظيم الوساطة باعتبارها وسيلة من الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، فحدد مجموعة من الشروط الشكلية التي لابد من توافرها وهي إتفاق الوساطة كتابة (أ)، واحترام الوسيط لأجل الوساطة (ب)، مع التقيد بأحكام السر المهني أثناء عملية الوساطة (ج).

أ- الكتابة

أوجب القانون رقم 17-95 أن يبرم إتفاق الوساطة دوما كتابة، حيث نصت المادة 91 بقولها “يجب تحت طائلة البطلان أن يحرر شرط الوساطة كتابة في الإتفاق الأصلي أو في وثيقة

تحيل إليه”، يتضح من هذا الفصل أنه سواء تعلق الأمر بإتفاق الوساطة في صورة عقد الوساطة أو شرط الوساطة أوجب المشرع المغربي أن يبرم هذا الإتفاق كتابة إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام المحكمة إذا كان النزاع جاريا أمامها، فإمكانية اللجوء إلى الوساطة تبقى قائمة ولو أثناء عرض النزاع على المحكمة، وقد تساهل المشرع المغربي في هذا الشأن مع الأطراف وذلك بتوسع دائرة الكتابة التي تعتبر صحيحة لإبرام إتفاق الوساطة، حيث اعتبر توفر شرط الكتابة إذ ورد في وثيقة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو إتصال بالتلكس أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال والتي تعد بمثابة الإتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدع فيها أحد الطرفين بوجود إتفاق الوساطة دون أن ينازعه الطرف الاَخر في ذلك والشيء الجديد الذي أتى به المشرع المغربي في هذا القانون أنه أخد بالرسائل الإلكترونية لإثبات وجود اتفاق الوساطة وهذا لم يكن موجود من قبل، فاستثناء على مبدأ الرضائية يلاحظ أن اشتراط المشرع المغربي للكتابة كان كشرط للإثبات و ليس للانعقاد.

ب – احترام الوسيط الآجال القانونية

على غرار المعمول به عالميا في التشريعات المقارنة ذهب المشرع المغربي إلى أن للأطراف أن يحددوا للوسيط مدة مهمته دون أن تتجاوز ثلاثة أشهر تحسب ابتداء من تاريخ قبوله لمهمة الوساطة، وللأطراف تمديد الآجال المذكور بإتفاق يبرم وفق نفس الشروط المعتمدة لإبرام إتفاق الوساطة، وهذا ما جاء في المادة 94 من القانون 17-95 بقولها « يحدد الأطراف مدة مهمة الوسيط في أول الأمر دون أن تتجاوز ثلاثة أشهر من التاريخ الذي قبل فيه الوسيط مهمته، غير أن للأطراف تمديد الأجل المذكور باتفاق يبرم وفق نفس الشروط المعتمدة لإبرام اتفاق الوساطة بموجبه” ، ” ما يعاب على المشرع المغربي في هذه النقطة أنه لم يحدد عدد المرات التي يجوز بموجبه للأطراف تمديد مهمة الوسيط مما قد تطيل أمد الوساطة و يفرغها من محتواها كأداة لربح الوقت والفصل في النزاع بسرعة، وهذا قد يؤدي إلى ضرب أهم خصائص الوساطة المتمثلة في سرعة الفصل في النزاع و ذلك خلافا للتشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي الذي حددها مرة واحدة، وكذلك التشريع الجزائري.

ت- التزام الوسيط بالسر المهني

من أهم الخصائص التي تنفرد بها الوساطة عن القضاء الرسمي أنها سرية، ولضمان هذه الميزة نص المشرع المغربي في المادتين 95 و 96 من القانون رقم 17-95 على أن الوساطة تعتبر سرية ولا يجوز الاحتجاج بما راج بها من تنازلات لأطراف النزاع أمام المحاكم أو أي جهة أخرى ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، حيث يلزم الوسيط بكتمان السر المهني تحت طائلة البطلان تطبيق المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي. والتزام الوسيط بحفظ السر إزاء الغير بموجب هذا النص هو التزام بامتناع حيث يحضر عليه بموجبه تسريب أي وقائع أو معلومات إلى الغير بما في ذلك النتائج التي تم التوصل إليها والقرارات المقدمة و التي وصل علمه إليها بموجب مهمة الوساطة التي أجراها.

لكن من بين الإغفالات التي وقع فيها المشرع المغربي بعدم ذكره مسؤولية الأطراف في حالة كشف أحدهم عن الملاحظات والتصاريح المدلى بها في إطار الوساطة، فرغم أن نص المادة 97 جاء مانعا الوسيط من إفشاء أي شيء إلا انه من جهة ثانية سمح للأطراف بخلاف ذلك أي سمح لهم بإخراج ما تم الاتفاق عليه في السر إلى العلن بشرط إتفاقهم على ذلك.

ثانيا- الشروط الموضوعية

الشروط الموضوعية في عقد الوساطة هي الشروط المتطلبة عموما في العقود، وهي الرضا والسبب والمحل، وهي تتعلق أساسا ببعض البيانات الواجب توافرها في شرط الوساطة أو عقد الوساطة، والمجالات التي يمكن إعمال الوساطة الاتفاقية فيها.

أ : البيانات الواجب توافرها

البيانات الواجب توافرها في عقد الوساطة: إن عقد الوساطة باعتباره اتفاقا مبرما بعد نشوء النزاع بين طرفيه، فإن المشرع المغربي ألزم تحت طائلة البطلان أن يتحدد في هذا العقد موضوع النزاع، تعيين الوسيط أو طريقة تعيينه؛ والغاية من تحديد موضوع النزاع هي تبيان ما إذا كان هذا الأخير يدخل ضمن نطاق القضايا التي تجوز فيها الوساطة أم لا.

ب- البيانات الواجب توافرها في شرط الوساطة :

بالإضافة للكتابة و تضمين شرط الوساطة في العقد الأصلي أو في وثيقة تحال إليه بشكل لا لبس فيه أوجب المشرع المغربي تحت طائلة البطلان أن يتضمن شرط الوساطة تعيين الوسيط أو الوسطاء أو التنصيص على طريقة تعيينهم. وعلى خلاف ما أوجبه المشرع في عقد الوساطة لم يشترط في شرط الوساطة أن يتضمن موضوع النزاع و يرجع ذلك إلى أن النزاع لم يكن قد نشا بعد.

ج- المجالات المستثناة من الوساطة الاتفاقية

هي المسائل المستثناة من نطاق تطبيق الصلح، وذلك بالرجوع إلى المواد من 1099 إلى 1104 نجدها تبين المجالات التي لا تجوز فيها الوساطة استنادا للمبدأ القاتل أن الوساطة تجوز فيما يجوز فيه الصلح، ولا تحوز فيما لا يجوز فيه الصلح وتتمثل في الأتي:

  • قضايا الأهلية
  • قضايا النفقة.
  • قضايا الإرث.
  • القضايا التي لا يمكن إبرام الصلح بشأنها.
  • القضايا المتعلقة بالنزاعات والرهون العقارية.
  • القضايا المتعلقة بالجنسية و بالنظام العام.
  • المبحث الثاني : الضوابط القانونية للوساطة الاتفاقية وآثارها على ضوء القانون رقم 95.17

إذا كانت الوساطة الإتفاقية وسيلة من وسائل حل النزعات وتسويتها بين الأطراف، فإنها تمتاز بالضوابط القانونية تجعلها أبسط وأكثر سرعة من إجراءات المحاكمة العادية والتحكيم، وقد حدد المشرع المغربي عدة الضوابط القانونية حتى تكون هذه الوساطة صحيحة وغير معرضة للطعن بالكلام أو الإبطال فما هي إذن هذه الضوابط القانونية؟ (المطلب الأول) وما هو أثار هذه الوساطة الاتفاقية؟ (المطلب الثاني).

  • المطلب الأول: الضوابط القانونية للوساطة الإتفاقية

تتفرع عن الوساطة الإتفاقية مجموعة من الضوابط منها الضوابط الموضوعية والتي ستتم معالجتها في الفقرة الأولى ( وأيضا مجموعة من الضوابط الإجرائية والتي سيتم التطرق لها في الفقرة الثانية)

  • الفقرة الأولى: الضوابط الموضوعية للوساطة الإتفاقية

سيتم التطرق في هذه الفقرة إلى طريقة تعيين الوسيط والمهام التى يقوم بها الوسيط (أولا)، ثم الالتزامات التي تقع على هذا الأخير (ثانيا).

أولا: تعيين الوسيط ومهامه

1: تعين الوسيط

نص المشرع المغربي في مشروع قانون رقم 95.17 على ضرورة الإتفاق على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام الصلح والتعيين هنا يكون تعيين إسم الوسيط، كما لا يطرح هذا إشكالا بخصوص الوساطة المؤسساتية حيث يتم تعيين الوسطاء من طرف المؤسسة أو المركز الذي لجأ إليه الأطراف و هذا ما يسري كذلك على التحكيم المؤسساتي ، أو يكون ذا التعيين عبر العديد من العبارات لعل أبرزها: “وقد وقع اختيارنا على فلان كوسيط لحل هذا النزاع” وليس هناك مانع من ذكر صفتهم إذا كانت لهم كرئيس الغرفة الإجتماعية، وقد يتم تعين أحد الوسطاء باسمه والآخر بصفته.

2 : مهام الوسيط

يلعب الوسيط دورا محوريا في عملية الوساطة حيث يتمتع بالعديد من الصلاحيات هذا ما نستشفه بالإطلاع على مقتضيات المادة 98 نجدها تنص على أن للوسيط مهمتين أساسيتين:

أ: الاستماع إلى الأطراف: حيث يجوز للوسيط أن يستمع إلى طرفي النزاع إما مجتمعين أو منفردين قصد التمكن من معرفة أسباب النزاع الحقيقية ويمكن الاستماع إليهم في أي وقت يختاره مع مراعاة سكناهما، كما يجب عليه خلال مرحلة الإستماع أن يمنحهم الحرية الكاملة للتعبير عن أرائهم لإيجاد الحلول الكفيلة بفض النزاع، كما يقع على عاتق الأطراف واجب تزويد الوسيط بكل الوثائق والمعلومات التي ستساعده على أداء مهمته بالسعي إلى تقريب وجهات النظر لإيجاد حل للنزاع القائم بين الأطراف.

ب : الاستماع إلى الأغيار: لايقتصر الإستماع على الأطراف فقط بل يمتد ليشمل الأغيار حيث نصت المادة 98 من مشروع قانون رقم 95.17 على أنه “… يمكنه كذلك بعد موافقة الأطراف، ولما تستلزمه الوساطة، الإستماع إلى الأغيار الذين يقبلون ذلك، كما يمكن للوسيط وفق ذات المادة و إذا استدعى الأمر ذلك، الإستعانة بكل خبرة من شأنها توضيح النزاع، ويمكن تعريف الخبرة على أنها إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى، يقوم بها شخص يدعى الخبير للقيام بمهمة محددة تتعلق بواقعة أو وقائع مادية يستلزم بحثها أو إبداء الرأي فيها على معرفة فنية لا تتوفر في الوسيط أو في أي شخص عادي آخر و لقد قيد المشرع هذا الإجراء بضرورة حصول الوسيط على الأطراف طبقا للمادة 98 من نفس القانون.

ثانيا: التزامات الوسيط

لقد ألزم المشرع المغربي الوسيط من خلال المادة 96 من نفس القانون بكتمان السر المهني، حيث يلتزم الوسيط بالحفاظ على سرية المعلومات التي تم تداولها داخل جلسات الوساطة، ولا يمكن الإحتجاج بما راج فيها أو ما تم فيها من تنازلات لأطراف النزاع أمام المحاكم أو أمام أي جهة أخرى ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، ولقد أوجب المشرع المغربي من خلال المادة 97 من نفس القانون أن يعلم الأطراف بقبوله للمهمة المسندة إليه كما نصت الفقرة الرابعة من المادة 97 صراحة على أنه يجب على الوسيط أن يلتزم بالاستقلالية والحياد والنزاهة والتجرد بالإضافة إلى هذه الإلتزامات، نصت الفقرة الخامسة من نفس الفصل على ضرورة التزام الوسيط بعدم التخلي عن مهمته إلا بإعفائه من قبل الأطراف، أو في حالة انصرام اَجال الوساطة دون التوصل إلى إبرام صلح أو بأمر من المحكمة في الحالات التي نصت عليها المادة 93 من نفس القانون .

  • الفقرة الثانية: الضوابط الإجرائية للوساطة الاتفاقية.

نظم المشرع المغربي في المواد 98 و 99 من مشروع قانون رقم 17-95 المراحل التي تمر منها عملية الوساطة والتي يمكن تصنيفها (أولا)، الإعداد للوساطة تم عقد جلسات الوساطة (ثانيا)، والتفاوض (ثالثا)، وتسوية النزاع (رابعا).

أولا: الإعداد للوساطة

تتم في هذه المرحلة عملية التعارف وربط الاتصال الأولى، وهي عملية ما إذا كان الأطراف على نية البدء بالوساطة، حيث يعمد الوسيط في هذه المرحلة على إلتزامات الأطراف، وتحدد الأهداف وبيان القواعد التي تحكم سير الجلسات وكذا مدى قابلية النزاع للحل عن طريق الوساطة مع وضع الأرضية الأساسية للعمل بتحديد مكان وزمان بدء الأشغال التحضيرية للوساطة والاجتماعات التمهيدية وتوفير المناخ المناسب للتفاوض.

ثانيا: عقد جلسات الوساطة

تشمل هاته المرحلة استقبال الأطراف وتوفير قاعات للإجتماع المنفرد والجماعي بهم هناك

جلستان يقوم بها الوسيط وهما:

1– الجلسة الأولى:

تعقد هذه الجلسة بشكل مشترك يحضرها جميع الأطراف ويستهلها الوسيط بتقديم فكرة عن مهمته كما يحث الطرفين على إلتزام الموضوعية والجدية والصراحة في بسط وجهات نظرهم واغتنام الفرصة للتوصل إلى حل متفق عليه للنزاع، ثم يطلب من الفريق المدعي إعطاء بيان مختصر عن وقائع الدعوى والوثائق التي يستند إليها والحقوق التي يطالب بها، بعد ذلك يطلب من المدعى عليه تقديم جوابه أو وجهة نظره في النزاع.

2 الجلسة الثانية :

يعقدها الوسيط بشكل منفرد كل طرف على حدة ويبدوها مع المدعى ولا تتجاوز مدتها نصف ساعة على الأكثر، يطلب من خلالها الوسيط من المدعي حصر الطلبات النهائية التي

سيعرضها على المدعى عليه في جلسة منفردة ليستمع فيها إلى رد المدعى عليه بعدها أن

يبلغها المدعي من جديد.

ثالثا : التفاوض

تتمثل هذه المرحلة في عقد إجتماعات سواء فردية أو إجتماعية يستمع من خلالها الوسيط إلى الأطراف في مفاوضات، يسعى فيها الوسيط إلى تقريب وجهات نظرهم قصد تمكينهم من إيجاد حل للنزاع القائم بينهم، كما يمكنه بعد موافقة الأطراف ولما تستلزمها الوساطة من الإستماع إلى الأغيار الذين يقبلون ذلك كما يجوز له بعد موافقة الأطراف الاستعانة بكل خبرة من شأنها توضيح النزاع.

رابعا: تسوية النزاع

يحرر الوسيط في هذه المرحلة عند انتهاء مهمته، مشروع الصلح في شكل وثيقة تتضمن وقائع النزاع وكيفية حله واتفاق الأطراف والحلول التي تم التوصل إليها كحل نهائي للنزاع المعروض عليه، يعرض هذا على الأطراف، يوقع الوسيط مع الأطراف وثيقة الصلح في حالة موافقته عليها ويسلمها لهم .

  • المطلب الثاني: آثار الوساطة الاتفاقية

يترتب على تطبيق مراحل الوساطة الإتفاقية مجموعة من الآثار التي سيتم التطرق إليها من خلال هذا المطلب حيث سيتم العمل على رصد نتائج الوساطة (الفقرة الأولى)، ثم التطرق لمدى حجية مقرر الصلح (الفقرة الثانية).

  • الفقرة الأولى: نتائج الوساطة الإتفاقية

يتم اللجوء للوساطة وتنفيذ إجراءاتها بناءا على إتفاق الأطراف، لكن رغم ذلك فإن مفاوضات الوساطة قد تنتهي إما بالفشل (أولا)، وقد تتوج بنجاح الأطراف الوصول لحل نهائي ودي (ثانيا).

أولا: فشل الوساطة الإتفاقية

يتجلى فشل الوساطة الإتفاقية في الحالة التي لا يتمكن فيها الوسيط من تسوية النزاع كليا أو جزئيا خلال المدة القانونية، وهذا راجع لعدة أسباب كحالة وصول المفاوضات إلى طريق مسدود لا يمكن للأطراف معه الاستمرار في النقاش، نظرا لعدم تقارب وجهات نظرهم حول النزاع، وكذلك بسبب تخلي الوسيط عن مهمته أو بسبب تغيب الخصوم وعدم متابعتهم لإجراءات الوساطة، ففي هذه الحالة يقوم الوسيط بإخبار الأطراف بهذا الفشل ويشعرهم بأن ما أدلوا به خلال مراحل الوساطة من تصريحات أو وثائق لا يمكن التمسك بها أمام جهة أخرى وتبقى محاطة بسرية تامة وعند الرجوع للمادة 99 من القانون رقم 95.17 ، فالوسيط يقوم بتسليم الأطراف وثيقة عدم وقوع الصلح موقعة من قبله. رغم فشل الوساطة فإن أطراف النزاع يمكن أن يكتسبوا منها عدة امتيازات من أهمها :

– تبادل المعلومات وتجنب الأحكام المسبقة.

– مساعدة الأطراف على التواصل وإعطاء الفرصة لكل طرف للاستماع لما يقوله الآخر.

– تسهيل رسم عملية التفاوض مستقبلا.

إن اللجوء للوساطة لا يقلص بأي شكل من الأشكال الحق في اللجوء للقضاء، وبما أن النزاع في هذه الحالة يبقى قائما فإن لأطرافه إمكانية رفعه إلى المحكمة المختصة لتسويته بحكم قضائي .

ثانيا : نجاح الوساطة

إن الوساطة تتوج بالنجاح من خلال إتفاق الأطراف فيما بينهم حول نقط الخلاف، الشيء الذي يتحقق من خلال إستماع الأطراف لبعضهم البعض، وكذلك في تنازلهم عن بعض حقوقهم، وإتفاق الأطراف قد يكون كليا من خلال إتفاقهم على كل نقاط الخلاف، أو جزئيا في حالة اختلافهم على بعضها . بالإطلاع على المادة 99 من القانون 95.17 فإن الوسيط يقوم بتحرير مشروع صلح في شكل وثيقة صلح تتضمن وقائع النزاع وكيفية حله، وإتفاق الأطراف والحلول التي تم التوصل إليها كحل للنزاع المعروض، ويعرضه على الأطراف يوقع الوسيط مع الأطراف على وثيقة الصلح في حالة موافقتهم عليه ويسلمها لهم.

عند توقيع الوسيط مع الأطراف وثيقة الصلح الذي تم التوصل إليه، تصبح هذه الوثيقة قائمة بذاتها وتكتسب قوة الشيء المقضي به فيما بين الأطراف بمجرد صدورها ويتوجب على أطراف ذلك الصلح تنفيذ مضمونه تنفيذا رضائيا، فإذا أخل أحدهم بإلتزام بموجبه يكون للطرف الآخر أن يطلب تنفيذه جبرا من خلال تقديم طلب لرئيس المحكمة المختصة للبت في موضوع النزاع من أجل تذييله بالصيغة التنفيذية.

ويخضع هذا الصلح لمقتضيات القسم التاسع من الكتاب الثاني لقانون الإلتزامات والعقود المنظم للصلح ، حيث نجد الفصل 1110 على أنه: “إذا لم ينفذ أحد الطرفين الإلتزامات التي تعهد بها بمقتضى الصلح، حق للطرف الآخر أن يطلب تنفيذ العقد، إن كان ممكنا، وإلا كان له الحق في طلب الفسخ مع عدم الإخلال بحقه في التعويض في كلتا الحالتين” ؛ فهذا الحكم الوارد على الصلح، يرد كذلك على الوساطة أخذا بمفهوم الموافقة، كما أن فسخ الصلح المبرم من الطرفين يعيدهما إلى الحالة التي كانا عليها قبل التوصل إلى هذا الصلح.

كما أنه يجوز الطعن في صلح الوساطة ولو بعد إكتسابه لقوة الشيء المقضي به، أو حتى بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، في حالة توفر أسباب إبطاله كالغلط في الواقع أو التدليس و الإكراه، كذلك في حالة عدم مشروعية المحل، أو عدم مشروعية السبب، ولكن لا يمكن التمسك بالبطلان إلا للمتعاقد الذي كان له حسن النية.

ويترتب عن الطعن إمكانية من له الحق في التوجه للقضاء، كما أن الطرفين يتم إرجاعهما للحالة التي كانا عليها قبل الصلح، ثم إن بطلان جزء من الصلح بين الطرفين يبطل الصلح بأكمله.

  • الفقرة الثانية : مدى حجية مقرر الوساطة

عندما يحوز إتفاق الصلح الناتج عن الوساطة قوة الشيء المقضي به، فإنه لا يمكن للأطراف القيام برفع دعوى أمام القضاء للنظر في نفس النزاع الذي فصلت فيه الوساطة وعليه فموضوع حجية مقرر الوسيط مرتبط أساسا بدور القضاء في مراقبة إتفاق التسوية الناتج عن الوساطة من خلال تشجيع القضاء على سلوك مسطرة الوساطة. وكذلك بتذييل اتفاق الصلح بالصيغة التنفيذية. ولهذا سيتم التطرق لدور القضاء قبل الوساطة (أولا)، ثم لدوره بعدها (ثانيا).

أولا: دور القضاء قبل الوساطة:

  • اللجوء إلى القضاء أثناء سريان مسطرة الوساطة هنا يجب على المحكمة المحال عليها النزاع في مسألة إبرام الأطراف في شأنها إتفاق وساطة أن تصرح بعدم قبول الدعوى إلى حين إستئناف مسطرة الوساطة أو بطلان اتفاق الوساطة، ويتعين أن يثير الطرف المعني الدفع بعدم القبول، ولا يجوز للمحكمة أن تصرح بعدم القبول تلقائيا دون إثارة الدفع من الأطراف.
  • اللجوء إلى القضاء قبل عرض النزاع على الوساطة: إذا كان النزاع لم يعرض بعد على الوسيط ورغم ذلك تم رفع القضية إلى القضاء، فإنه يجب على المحكمة أيضا أن تصرح بعدم قبول الدعوى، هذا ما لم يثبت للمحكمة كون إتفاق الوساطة باطلا بطلانا واضحا، فإنها تستمر أنذاك في نظر الدعوى لإنعدام موجب عدم القبول.

وحتى في هذه الحالة لا يجوز للمحكمة أن تصرح تلقائيا بعدم القبول. وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة تحظى بوظيفة إدارية تتمثل في تحرير محضر إتفاق الوساطة أمام المحكمة إذا كان النزاع جاريا أمامها، وما يجب الانتباه إليه هو الوظيفة التي أعطيت للمحكمة لا يمكن اعتبارها وساطة قضائية .

ثانيا: دور القضاء بعد مسطرة الوساطة

بعد استيفاء إتفاق الصلح لجميع عناصره من تحرير وثيقة الصلح والتوقيع عليها، تصبح هذه الوثيقة قائمة بذاتها، وتكتسب قوة الشيء المقضي به بمجرد صدورها إلا أنه لا يمكن تنفيذها جبرا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية لها.

وبالرجوع للمادة 100 من القانون رقم 95.17 فإن المشرع المغربي أوكل مهمة النظر في طلبات تذييل إتفاق الصلح الناتج عن الوساطة بالصيغة التنفيذية إلى رئيس المحكمة المختص محليا للبث في موضوع النزاع وذلك داخل أجل 7 أيام والمشرع المغربي من خلال مدونة التحكيم والوساطة أحسن عندما حدد أجل قصير لتذييل بالصيغة التنفيذية في 7 أيام على عكس قانون المسطرة المدنية التي لم تحدد أجل لذلك، وعليه نلاحظ توجه المشرع المغربي لتفعيل أهم خصائص الوساطة التي تتجلى في السرعة.

إن التذييل بالصيغة التنفيذية يخول ضمان مباشرة لإجراءات التنفيذ الجبري، وبهذا يختلف الصلح المعقود بين الأطراف في إطار عادي عن الصلح الذي يتم عبر وسيط طبقا للمقتضيات القانونية الخاصة بالوساطة الاتفاقية، حيث يمكن للصلح المبرم في هذا الإطار أن يذيل بالصيغة التنفيذية، وهو ما لا يتيحه الصلح المبرم في إطار عادي بين الطرفين تلقائيا ودون تدخل وسيط.

خاتمـــــــــة

ختاما إن الوساطة الإتفاقية داخل منظومة القانون المغربي جاءت تماشيا مع الفجوة الهائلة التي أحدثها حجم الاستثمارات الأجنبية، والتي يحاول أصحابها تفادي القضاء عند وقوع إشكال ما نظرا لما تتوفر عليه الألية من مميزات التي تشجع أطراف النزاع على اللجوء إليها.

ورغم كل ما تتميز به الوساطة الإتفاقية من مميزات فإنها تعتريها مجموعة من النواقص، لذلك أقترح على المشرع المغربي مايلي:

  • أن الوساطة الإتفاقية ليست متاحة في كافة النزاعات الأمر الذي يتطلب من المشرع المغربي، وكذا كل الفاعلين في مجال البحث العلمي القانوني البحث عن سبل تعميم هذه الآلية في كل النزاعات.
  • أن المشرع المغربي لم يبين بمقتضى نص قانوني الأشخاص الذين تتوفر فيهم شروط الوسيط، وهذا الأمر يقع حاجزا أمام نجاح الوساطة حيث أنه لا يمكن لكل شخص أن يقوم بالوساطة وهو لا يعلم تقنياتها لذلك نطلب المشرع المغربي بإعادة النظر في هذه المسألة.

لائحة المراجع:

  • المصادر:
  • القرآن الكريم
  • ابن منظور، لسان العرب
  • الكتب العامة والمتخصصة :

طلعت حسين القيس ، الشبكة اللبنانية لحل النزاعات الجزء الأول مهارات تطبيقية في حل النزاع، ط. الأولى ، ص 117 .

عبدالرحمان الشرقاوي، التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والحالة المكملة أو البديلة، الطبعة الرابعة مدار المعارف الجديدة الرباط 2018، ص 248.

محمد بابا، التحكيم الدولي في منازعات الملكية الصناعية رسالة نيل دبلوم الدراسات المعمقة، جامعة عيد السويسي، الرباط سنة 2004، ص 37.

محمد أطويف الطرق البديلة لتسوية نزاعات الشغل، دار النشر المعرفة الرباط ط 2016، ص 336.

الأطاريح والرسائل:

– الملودي العابد العمراني الوساطة في التشريع المغربي والمقارن، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، س 2012.2011، ص 27.

– حمد بابا، التحكيم الدولي في منازعات الملكية الصناعية رسالة نيل دبلوم الدراسات المعمقة، جامعة عيد السويسي، الرباط سنة 2004، ص 37.

– رشيد الوردي الوساطة الاتفاقية من خلال القانون 05/08 ، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والإقتصادية بفاس من 2008/2007 ص 75 إلى 77.

– محمد سلام، دور الطرق البديلة لحل النزاعات في إصلاح القضاء ، مجلة الملحق القضائي، العدد 37 ، سنة 2019، ص 04.

– أحمد أنور الناجي، مدى فعالية الوسائل البديلة لحل المنازعات و علاقتها بالقضاء، مقال منشور بالموقع الالكتروني .com www.rarocdroit تاريخ الاطلاع 08/01/2022 على الساعة 03 : 01 .

– الحسن اليوبي” دور المحتسب في حماية المستهلك” مجلة القانون والاقتصاد عدد 10 أشغال ندوة حماية المستهلك بالمغرب جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس.

– أديب اللجمي وآخرون معجم لسان العرب لابن منظور محمد بن مكرم بن علي النصاري، منشور عبر الموقع الإلكتروني : http//lexiconssakhr.com 7

– الحسن بويقين، مدى إمكانية تطبيق نظام الوساطة بالمغرب، مجلة المرافعة، عدد مزدوج 14،15 مطبعة النجاح الجديدة، دجنبر 2004، ص 16.

– الحسن بيهي الوساطة الإتفاقية في ضوء مشروع قانون 08.05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية ، مقال منشور بمجلة محاكمة العدد 1 شتنبر 2006، ص 56.

– لحسن بيهي، الوساطة الإتفاقية مقال منشور بمجلة محاكمة العدد 1 شتنبر 26 ص 54 لحسن اد الفقيه ص 410.

– علي ادريس حسن و عبد الحميد كميرو الوسائل البديلة افض النزاعات الصلح التحكيم الصلح الوساطة المجلة المغربية للمنشورات القانونية مطبعة امنية الرباط 2003 ص 33.



Source link

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لو تتكرم بدعمنا ، وقم بتعطيل إضافة مانع الإعلانات لتصفح المحتوى .