التزامات طرفي عقد الشغل ووسائل إثباته – الدكتور : مبارك قاسم

[]

التزامات طرفي عقد الشغل ووسائل إثباته

Obligations of the parties to the employment contract and means of proving it

الدكتور : مبارك قاسم

أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر أيت ملول.

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

التزامات طرفي عقد الشغل ووسائل إثباته

Obligations of the parties to the employment contract and means of proving it

الدكتور : مبارك قاسم

أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر أيت ملول.

ملخص:

تبرز مكانة الشغل في حياة الفرد من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي من جهة، ومكانة الأجير وأهميته داخل المقاولة لضمان ممارسة نشاطها من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي من جهة أخرى، وبفعل تلك التطورات التي يشهدها العالم تأثر ميدان العلاقات الشغلية، الأمر الذي دفع بالمشرع المغربي بالتدخل لتنظيم هاته العلاقات عن طريق عقد ينظم أوجه العلاقة الرابطة بين المشغل والأجير باعتبار هذين الأخيرين هما أطراف ذلك العقد، على اعتبار أن تنفيذ عقد الشغل هو المرجعية الأساسية لتحديد وضبط دائرة أطراف عقد الشغل لما تحتله علاقة الأجير بالمشغل من مكانة خاصة مقارنة مع باقي العقود، فعلاقات الشغل كغيرها من الروابط القانونية يمكن أن تنشأ عنها نزاعات فردية أو جماعية نتيجة خلاف بين الأجير والمؤاجر حول تطبيق بند من بنود عقد الشغل المبرم بينهما، في مثل هذه الحالة نكون أمام إدعائين قانونيين متعارضين بحيث كل طرف من الطرفين يدعي أن الحق بجانبه.

الكلمات المفاتيح:

عقد الشغل – وسائل الإثبات – الأجير – المشغل – مدونة الشغل – الالتزامات.

Summary:

The status of work in the life of the individual is highlighted in order to achieve social stability on the one hand, and the status and importance of the employee within the enterprise to ensure the practice of its activity in order to achieve economic prosperity on the other hand. Due to these developments witnessed by the world, the field of labor relations has been affected, which prompted the Moroccan legislator to intervene to regulate these relations through a contract that regulates the aspects of the relationship between the employer and the employee, considering that the latter two are the parties to that contract, given that the implementation of the employment contract is the basic reference for determining and controlling the circle of parties to the employment contract, given the special status of the employee-employer relationship compared to other contracts. Labor relations, like other legal ties, can result in individual or collective disputes resulting from a disagreement between the employee and the employer regarding the application of a clause of the employment contract concluded between them. In such a case, we are faced with two conflicting legal claims, with each party claiming that the right is on its side.

Keywords:

Employment contract – means of proof – employee – employer – Labor Code – obligations.

مقدمة:

تعتبر العلاقة الشغلية ظاهرة بارزة وذلك لما يترتب عليها من نتائج اجتماعية واقتصادية، على اعتبار أن كل طرف في حاجة إلى الطرف الآخر، كما أن طبيعة العلاقة التعاقدية بين الأجير والمشغل تفرض أن يمثل أولهما الحلقة الأقوى والثاني الحلقة الأضعف ومن هنا نشأت علاقات الشغل، ولقد عملت مختلف التشريعات المقارنة على تنظيم علاقات الشغل بموجب قوانين خاصة سميت فيما بعد بالقوانين الاجتماعية.

فعلاقات الشغل في المغرب منظمة بالعديد من النصوص القانونية المتفرقة والتي على رأسها قانون الالتزامات والعقود وعدة ظهائر قانونية أخرى، حيث عملت الحكومات المتعاقبة في المغرب منذ فجر الاستقلال على صياغة عدة مشاريع قوانين وعيا منها بأن أهم تحد يواجه المغرب بمختلف مكوناته والذي يعرقل تنمية البلاد ، والوضع الذي تعيش في ظله الطبقة العاملة المغربية، التي تعاني من مختلف أشكال الاستغلال والحرمان من أبسط الحقوق، مما يجعل هذا معضلة ذات طابع اجتماعي واقتصادي تستوجب التدخل العاجل لمواجهتها بكل الآليات المتاحة والممكنة ، خاصة وأن ما تقوم به هذه الطبقة يكتسي أهمية بالغة ، هذه الغاية لابد من أن يتوفر لها جو العمل وأن تطمئن على حقوقها ضمانا للاستقرار المادي والمعنوي، والتي لم يكتب لها الخروج إلى حيز الوجود إلى أن تم طرح مشروع قانون 99.65، هذا وقد طبع المدونة التأسيس للعولمة وخلق التوازن بين أطراف عالقة الشغل والاقتصاد الوطني.

لذلك فالمشرع المغربي لم يحدد مفهوم عقد الشغل وأبقى على التعريف الذي جاء به قانون الالتزامات والعقود في الفصل 723، هذا العقد كغيره من العقود يخضع لنظرية العقد، وبالتالي العقد الذي يبرم بين الأجير والمشغل يعتبر بمثابة قانون ثاني ينظم العلاقة القائمة بينهما وبالتالي بمجرد إبرام عقد الشغل وفق الضوابط العامة الإبرام العقود واحترام خصوصيات هذا العقد كما جاءت بها مدونة الشغل.

إشكالية الموضوع:

انطلاقا مما سبق يمكن استخلاص الإشكال الذي يطرحه الموضوع على الشكل التالي:

فإلى أي حد استطاع المشرع المغربي ضمان إثبات عقد الشغل من خلال تحديد التزامات كل من طرفيه ؟

للإجابة عن هذا التساؤل ارتأيت تقسيم الموضوع على الشكل التالي:

المطلب الأول: التزامات الأطراف أثناء تنفيذ عقد الشغل

المطلب الثاني: وسائل إثبات عقد الشغل

المطلب الأول: التزامات الأطراف أثناء تنفيذ عقد الشغل.

يعتبر عقد الشغل من العقود التي ترتب التزامات متبادلة في مواجهة كل من المشغل والأجير، فبمجرد إبرامه تترتب عنه مجموعة من الآثار منها ما يتعلق بالمشغل والمتمثلة في مجموعة من الالتزامات الملقاة على عاتقه والسلطات التي خولها له المشرع، بالإضافة إلى مجموعة من الآثار التي تتعلق بالأجير.

ويترتب عن عقود الشغل التزامات يجب على كل من الأجير والمشغل احترام تنفيذها بحسن نية، إلى جانب احترامهما للقواعد الآمرة التي وضعها المشرع في مصلحة الأجير كحد أدنى من الحقوق، وتجدر الإشارة إلى أن أطراف عقد الشغل لهم كامل الحرية في تحديد الآثار التي تترتب عن تعاقدهم، شريطة أن تنضبط إلى المقتضيات القانونية المتعلقة بالنظام العام الاجتماعي.

إن تنفيذ عقد الشغل يقتضي القيام بكل ما يفرضه من التزامات على طرفيه، فما يلتزم به الأجير يعد حقا لمشغله، وما يلتزم به هذا الأخير يعد حقا للأجير، بالإضافة إلى التقيد بالمقتضيات القانونية الآمرة، حيث يقع على المشغل الالتزام بالوفاء بالأجر ومنح إجرائه الراحة الأسبوعية والراحة في أيام العطل وكذا العطل السنوية المؤدى عنها، فضلا عن التزامه بضمان الصحة والسلامة داخل أماكن العمل، مقابل التزام الأجير بأداء العمل مع احترامه لجملة من الالتزامات.

في هذا الإطار يبرز دور كل من المشغل والأجير في تنفيذ عقد الشغل بناءا على مجموعة من العناصر التي يقوم عليها، حيث يرتب عقد الشغل على طرفيه مجموعة من الالتزامات يتعين عليهما احترامها، حيث يقع على عاتق المشغل الالتزام بالوفاء بالأجر ومنح أجرائه الراحة الأسبوعية والراحة في أيام العطل وكذا العطل السنوية المؤدى عنها، فضلا عن التزامه بضمان الصحة والسلامة داخل أماكن العمل مقابل التزام الأجير بأداء العمل مع احترامه لجملة من الالتزامات. كما أن عقد الشغل ينصرف بالأساس لحرص الأجير على تنفيذ جانبه من الالتزامات إضافة لتنفيذ المشغل لجانبه من الالتزامات، وكل منهما بحسن نية.

الفقرة الأولى: التزامات وسلطات المشغل أثناء تنفيذ عقد الشغل

تعتبر التزامات المشغل حقوقا ثابتة للأجراء بمقتضى قانون الشغل وتكون هذه الالتزامات إما شاملة لجميع الأجراء المؤسسة الشغيلة، وإما خاصة ببعضهم دون الآخر بالنظر إلى سنهم أو جنسهم أو قدراتهم الجسدية، حيث لا يقف دور المشغل عند مراقبة الأجير والإشراف عليه أثناء عمله، إنه بدوره مطالب بالتقيد بمجموعة من الالتزامات تمثل حقوقا للأجير.

أولا: الإلتزامات المشغل أثناء تنفيذ عقد الشغل

تبدأ هذه الالتزامات حتى قبل الدخول إلى العمل من حيث عدم التمييز بين الأجراء في الدخول إلى العمل، وكذا تكافؤ الفرص، لتمتد أثناء حياة العقد وتنفيذه:

  • الالتزام بالتشبث بمكارم الأخلاق: في إطار المادة 24 من مدونة الشغل، لقد ألزم المشرع المغربي المشغل باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم وكرامتهم، لدى قيامهم بالأشغال التي يجزونها تحت إمرته، وربطها بوجوب السهر على مراعاة حسن السلوك والأخلاق الحميدة على استتباب الآداب العامة داخل المقاولة، وقد سبق النص على هذا المقتضى وجعله من التزامات الواجبة على المشغلين خلال ظهير 1926، وتم تأكيده في ظهير 2 يوليوز 1947.
  • الالتزام بعدم التمييز بين الأجراء: إن المبدأ هو أن المشغل حر في خلق مناصب الشغل داخل مؤسسته من عدمه، مراعيا ما تنص عليه المادة 507 من مدونة الشغل، كما أن المشغل يجب أن يلتزم بما تنص عليه المادة 9 من مدونة الشغل، التي منعت عليه كل تمييز بين الأجراء من حيث السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي … إلخ، وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه المادة 478 من نفس المدونة، وبالرجوع لمقتضيات المادة 346 من مدونة الشغل نجدها تأكد على منع التمييز في الأجر بين الجنسين، إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه.
  • الالتزام بحفظ صحة الأجراء وسلامتهم: أدى التطور الاقتصادي والصناعي واستعمال الآلات، إلى التأثير على صحة الأجراء ومردودية إنتاجياتهم نتيجة استخدام مود ضارة وأساليب تقنية جديدة، وهنا أصبح من الضروري تدخل المشرع المحاولة التخفيف من حدة الحوادث والأمراض، والرفع من مستوى أساليب الحماية، فالأصل أن المشغل هو الملزم الأول بتوفير الوسائل واحترام المقتضيات القانونية المتعلقة بحفظ صحة الأجراء وسلامتهم، وهكذا فالمشغل ملزم على التزام بنظافة أماكن العمل، والحرص على توفير شروط الوقاية الصحية، بهدف الحفاظ على صحة الأجراء كما تم النص عليه في المادة 281 من مدونة الشغل الوقاية من الحرائق، توفير الإنارة…. كما يلتزم المشغل بتجهيز أماكن الشغل بشكل يضمن سلامة الأجراء، كما يشترط أن يوفر المشغل الآلات وأجهزة التوصيل ووسائل التدفئة…
  • الالتزام بأداء المستحقات المالية للأجير: باعتبار أن الأجر هو العنصر الأساسي لقيام عقد الشغل الفردي، يلتزم المشغل بإعطاء الأجير كل المستحقات التي في ذمته، بالإضافة إلى التعويضات المستحقة عن اشتغاله ساعات إضافية خارج أوقات العمل أو في راحته الأسبوعية، أو أيام الأعياد المؤدى عنها والتي لم يستفد منها الأجير.

ثانيا: سلطة المشغل أثناء تنفيذ عقد الشغل وحدودها

منح المشرع للمشغل صلاحية تؤمن السير العادي للمقاولة وحفظها من كل ما من شأنه عرقلتها، وذلك بواسطة السلطة التأديبية المخولة له خاصة أثناء تنفيذ عقد الشغل غير أن هذه السلطة الممنوحة لرئيس المقاولة ليست على إطلاقها، بل يتدخل القضاء لفرض قيود عليها من خلال الرقابة التي يمارسها عليها وفي حالة تمادي المشغل وتعسفه في ممارسة سلطته التأديبية على أجرائه يكون محل مساءلة قانونية تصل الدرجة المساءلة الجنائية أحيانا

  • السلطة التأديبية للمشغل أثناء تنفيذ عقد الشغل: هي سلطة قانونية موضوعها فرض قاعدة سلوكية على الأجراء الذين يشتغلون في مشروع من المشاريع، وذلك عن طريق جزاءات محددة توقع على المخل بهذه القاعدة التي تتبلور في شكل أوامر وتعليمات للمشغل، قد تكون عامة موجهة لجميع الأجراء أو للبعض منهم وقد تكون موجهة إلى أجير بعينه فقط.
  • سلطة المشغل في تكييف الأخطاء: إذا كان الخطأ التأديبي هو كل مخالفة غير مبررة لأوامر وتعليمات المشغل، فالملاحظ أن المشرع لم يتطرق إلى بيان ماهية الخطأ التأديبي الذي إن اقترفه الأجير تحرك في مواجهته السلطة التأديبية للمشغل، كما أنه لم يتناول تحديد الأخطاء التأديبية، وإنما ترك ذلك إلى السلطة التقديرية للمشغل تحت مراقبة القضاء. فلم يتطرق المشرع المغربي إلى الأخطاء التي إن اقترفها الأجير تعتبر أخطاء تأديبية تحرك في مواجهته السلطة التأديبية للمشغل، وإنما قام بتحديد بعض الأخطاء التي اعتبرها جسيمة تخول المشغل طرد الأجير بدون أي تعويض من ضمنها المادة 39 من مدونة الشغل.
  • العقوبات التأديبية من طرف المشغل: تناول المشرع تحديدها وتدرجها بحسب جسامة المخالفة المقترفة، حيث أن الواقع العملي يستشف منه أن المشغلين كثيرا ما يلجؤون تحت مراقبة القضاء إلى عقوبات تأديبية غير تلك المنصوص عليها قانونا، وقد حدد المشرع العقوبات التأديبية من خلال الفصل 37 وحسب المادة 38، يجب على المشغل مراعاة التدرج في العقوبات التأديبية المتخذة من طرفه بحيث لا يمكن أن يوقع العقوبة الأشد إلا بعد استنفاذ العقوبة الأخف.

الفقرة الثانية: التزامات الأجير أثناء تنفيذ عقد الشغل

من أهم الالتزامات الأجير أثناء تنفيذ عقد المشغل، الالتزام بأداء العمل المتفق عليه، والامتثال لأوامر المشغل، ثم المحافظة على أدوات ووسائل العمل.

  • الالتزام بأداء العمل المتفق عليه : الالتزام بأداء العمل من قبل الأجير يعتبر عنصرا جوهريا في عقد الشغل، حيث لا يمكن تصور تنفيذ عقد الشغل دون القيام الأجير بالعمل المتعاقد بشأنه لصالح المؤسسة الشغيلة أو المشغل. ولا يلزم الأجير أداء العمل فعال بل يكفي تواجده في مكان العمل واستعداده للقيام بعمله لاعتبار العقد قائما ولو لم يؤديه لسبب خارج عن إرادته. ولكي يعتد بالالتزام بأداء العمل المتفق عليه باعتباره عنصر من عناصر عقد الشغل يجب على الأجير الالتزام بأدائه بشكل شخصي دون أن ينيب غيره في ذلك، لأن شخصية الأجير وكفاءته وخبرته هي التي دفعت المشغل للتعاقد معه، وأن يتم أداء العمل بمقاولة خاضعة لأحكام قانون الشغل رقم 99.65، وأن يؤدى في إطار الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الأجير .
  • الامتثال لأوامر المشغل :يميز عقد الشغل عن غيره من العقود المدنية الأخرى بعلاقة التبعية، ويقصد بها امتثال الأجير لتعليمات وتوجيهات المشغل ، ويجد هذا الالتزام سنده ضمن فقرات المادة 21 من مدونة الشغل التي نصت صراحة على ما يلي: “يمتثل الأجير لأوامر المشغل في نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية أو عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو التنظيم الداخلي “.وعند تطبيق للمقتضيات المذكورة في هذه المادة الأخيرة يجب على الأجير أن ينفذ توجيهات وتعليمات مشغله، وإلا اعتبر قد ارتكب خطأ جسيما حسب مقتضيات المادة 39 من مدونة الشغل.
  • الالتزام بالمحافظة على أدوات ووسائل العمل المقدمة للأجير: يقوم المشغل بتهييء الظروف المناسبة لأداء العمل من قبل الأجير، من خلال توفير الوسائل والأدوات والتجهيزات والآلات، كالحاسوب أو سيارة العمل أو لوحات الكترونية حديثة، والتي تساعد على أداء العمل المنوط به وانجازه على أكمل وجه، وبالمقابل يكون على الأجير المحافظة على الأشياء والأدوات المقدمة له للقيام بعمله بالتمام والكمال، طبقا لمقتضيات المادة 22 من مدونة الشغل ، كما يجب عليه كذلك ردها سليمة بدون عيب فيها بعد انتهائه منها، وهو ما يؤكده قانون الالتزامات والعقود في فصله 740 لذلك فهو يسأل عن ضياعها أو تلفها، إذا ظهر أن التلف أو الضياع ناتجان عن خطأ الأجير.
  • عدم إفشاء السر المهني أو الاحتفاظ بأسرار الشغل : هو ما ينص عليه في ظهير الالتزامات والعقود ويحث على تنفيذ الالتزامات والتعهدات بحسن نية، فكثيرا من الحالات يكون فيها المشغل ملزما بتمكين الأجير من كل أو بعض أسرار العمل من أجل تسهيل القيام بمهامه المنوطة به ، فإذا أفشى أسرار الشغل إلى مقاولات أخرى، ونتج عن ذلك ضرر للمقاولة في هذه الحالة يكون قد ارتكب خطأ جسيما يؤدي إلى فصله دون تمتيعه بأجل للإخطار، بحيث يعتبر فصله في هذه الوضعية مبررا ومشروعا.
  • الالتزام بعدم منافسة المشغل : يمكن القول أن مسؤولية الأجير في ميدان المنافسة غير المشروعة هي مسؤولية مصدرها اتفاق الطرفين للعلاقة الشغلية أي مسؤولية عقدية؛ بحيث إذا لم يتفق الأطراف على إدراج شرط عدم منافسة المشغل في صلب عقد الشغل لا يمكن للمشغل في هذه الحالة أن يطالب الأجير بأي تعويض، ذلك إن مدونة الشغل عند تعدادها للأخطاء الجسيمة في المادة 39 منها لم تتطرق في مقتضياتها إلى شرط عدم منافسة المشغل كخطأ جسيم يبرر فصل الأجير دون تعويض يذكر.

المطلب الثاني: وسائل إثبات عقد الشغل

يعتبر الإثبات تأكيد حق متنازع فيه له أثار قانوني بالدليل الذي أقره القانون لإثبات ذلك الحق، بمعنى إقامة الدليل أمام القضاء أو هيئة تحكيمية، بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية تترتب أثارها، لذلك لا شك أن سماح المشرع المغربي بإمكانية إثبات عقد الشغل بكافة وسائل الإثبات، يعني أنه سمح للأطراف العلاقة الشغلية إثبات عقد الشغل أو انقضائه بكل وسائل الإثبات الواردة في قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية.

حسب المادة 18 من مدونة الشغل، يحق للأجير إثبات علاقة الشغل بينه وبين مشغله باستعمال العديد من وسائل الإثبات المنصوص عليها سواء في ظهير الالتزامات والعقود المغربي أو في قانون المسطرة المدنية باعتبارها قواعد إثبات عامة (الفقرة الأولى) أو في مدونة الشغل باعتبارها وسائل إثبات خاصة بعقد الشغل دون غيره من العقود (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: وسائل إثبات العقد وفق القواعد العامة

قد نص المشرع المغربي على مجموعة من الوسائل القانونية للإثبات في القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود لكونها قواعد موضوعية، وفي المسطرة المدنية باعتبارها قواعد إثبات مسطريه أو إجرائية ودورها في مجال الإثبات لاسيما في نزاعات الشغل.

أولا: وسائل الإثبات الموضوعية

أقام المشرع مبدأ حرية الإثبات لعقود الشغل حيث أن الأصل في قانون الشغل هو حرية الإثبات، مما يعني أنه بالاستناد للمادة 18 من مدونة الشغل المغربية يمكن إثبات عقد الشغل بكافة وسائل الإثبات، الأمر الذي يفهم منه أن الوسائل المدنية الواردة في الفصل 404 من ظ إ ع لها قوة إثباتية في عقد الشغل.

واستنادا إلى الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود يمكن إثبات عقد الشغل عن طريق: الإقرار – شهادة الشهود – القرائن – واليمين والنكول عنها.

  • الإقرار: نظم المشرع المغربي الإقرار كآلية من آليات الإثبات بمقتضى الفصول من 405 إلى 415 من ظهير الالتزامات والعقود، كأول وسيلة للإثبات اعتمدها هذا الظهير، ويعرف بأنه اعتراف شخص بحق عليه لأخر سواء قصد ترتيب هذا الحق أو لم يقصد ذلك، و يعتبر الإقرار وسيلة إثبات احتياطية يلجأ لها في حالة توفر شروطها المحددة قانونا سواء بالنسبة بالإقرار نفسه أو بالمقر، هذا وقد يكون الإقرار صريحا كما في حالة اعتراف المشغل بوجود العلاقة الشغلية بينه وبين الأجير وكمثال لذلك ما أكدته المحكمة الابتدائية ببركان . في قرار لها وفق التالي ” العلاقة الشغلية بين الطرفين بإقرار الجهة المدعى عليها نفسها.

كما قد يكون الإقرار ضمنيا حيث يستخلص من مواقف المشغل في حالة عدم منازعته في علاقته بالأجير أو تصريحه بأن الأجير هو من قام بمغادرة العمل من تلقاء نفسه أو تم طرده لارتكابه خطأ جسيما، كما جاء في حكم ابتدائية الحسيمة بأنه “علاقة الشغل بين الطرفين ثابتة بإقرار المدعى عليها التي دفعت بارتكاب المدعى لأخطاء جسيمة“.

  • شهادة الشهود: تعرف الشهادة بأنها “إخبار الإنسان في مجلس القضاء بواقعة صدرت من غيره يترتب عليها حق لغيره، ويجب أن يكون الشاهد قد أدرك شخصيا بحواسه الواقعة التي يشهد بها”، وتعتبر إحدى أهم وسائل الإثبات في القانون المدني المغربي كما يمكننا الجزم بأنها الأكثر استعمالا في هذا المجال، وقد تم التنصيص عليها في ظهير الإلتزامات و العقود وبالضبط في الفصل 404 وتناول المشرع أحكامها بتفصيل كثير.

غالبا ما يكون اعتماد الشهادة كوسيلة إثبات لعقد الشغل أو نفيه وللقضاء في ذلك كامل السلطة التقديرية، كما يمكن للمحكمة الاكتفاء بشهادة واحد من الشهود لإثبات عقد الشغل في غياب أي نص قانوني يمنع ذلك وهذا ما كرسه المجلس الأعلى في أحد قراراته الذي جاء فيه ” لا يوجد ما في القانون ما يمنع الأخذ بشهادة الواحد لإثبات هذه العلاقة من غير بيان الأساس القانوني لذلك يكون ناقص التعليل …رغم أن المشرع المغربي قد منع قبول الشهادة التي يكون الهدف منها إثبات مبلغ يقل عن 10.000 درهم، لكن بالرجوع للعمل القضائي نجد القضاء المغربي يأخذ بهده الوسيلة وذلك من خلال حكم محكمة الاستئناف بالرباط في حكم لها حيث ذهبت فيه إلى أنه ” وحيت من وثائق الملف يتضح أن المحكمة الابتدائية اعتمدت في حكمها إثبات علاقة الشغل بالاعتماد على شهادة شاهد “، كذلك الأمر بالنسبة للشهود الدين يكونون أجراء عند نفس المشغل فلقد أكد القضاء في نفس ب على أنه لا يوجد أي مانع قانوني من الاستماع إليهم على أساس كونهم شهود سواء كانت شهادتهم ترجح كفة المشغل أو الأجير.

  • القرائن: تعرف القرائن بكونها الصلة الضرورية التي يقيمها القانون بين واقعة معينة لاستخلاص نتيجة لن تكن معروفة من واقعة معروفة؛ فالقرائن تشكل الصلة القانونية الضرورية التي يقيمها القانون بين وقائع معينة لاستخلاص نتيجة لم تكن معروفة منم واقعة معروفة، وقد نص المشرع القرائن كوسيلة من وسائل الإثبات بالفصول من 449 إلى 459 من قانون الالتزامات والعقود، وعرفها من خلال الفصل 449 من القانون أعلاه بأنها دلائل يستخلص منها القانون أو القاضي وجود وقائع مجهولة.

وبالمقارنة مع وسائل الإثبات الأخرى يتضح أن القرائن هي وسيلة إثبات غير مباشرة وهي إما موضوعية أو قانونية يستعان بها لاستخراج الحقيقة منها ، لذلك يتعين على القاضي أن يكون حذرا أو متبصرا في الأخذ بها أو عدم الأخذ به نظرا للطابع الاحتمالي الذي يكتنفها. باعتماد بعض القرائن يمكن للأجير إثبات علاقة الشغل الرابطة بينه وبين مشغله، فمثلا حيازة الأجير لبدلة العمل التي كتب عليها اسم الشركة أو إذا كان للأجير سكن وظيفي، أو حيازته لدراجة نارية يتنقل بها توجد في ملكية مشغله، وبالتالي تقام هذه الحيازة على كونها قرينة لإثبات علاقة الشغل بينه وبين المشغل، كل هذه قرائن يمكن للأجير الاعتماد عليها في إثبات علاقة الشغل بينه وبين الأجير، باعتباره هو الطرف الضعيف في هذه الحالة فيمكنه الاستناد في كل القرائن التي من شأنها أن تثبت قيام العلاقة الشغلية بينه وبين مشغله.

  • اليمين والنكول عنها: خصص المشرع المغربي لليمين الفصول من 85 إلى 88 من قانون المسطرة المدنية، ويقصد باليمين إشهاد الله تعالى على صدق ما يخبر به الحالف، وتؤدى بالصيغة التالية ” أقسم بالله العظيم” حسب الفقرة الأخيرة من الفصل 85 من قانون السالف الذكر، وتعتبر اليمين من وسائل الإثبات التي يمكن للأجير الاستناد إليها لإثبات علاقة الشغل بينه وبين مشغله، وفي هذا السياق نص الفصل 85 من قانون المسطرة المدنية على أنه “إذا وجه أحد الأطراف اليمين إلى خصمه لإثبات إدعاءات أو ردها هذا الأخير لحسم النزاع نهائيا إن الخصم يؤدي اليمين في الجلسة بحضور الطرف الآخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية ويؤدي الطرف اليمين بالعبارة التالية: أقسم بالله العظيم، وتسجل المحكمة تأديته لليمين”، ويوضح هذا الفصل بأننا في يمين حاسمة تكون في ملك الخصم – دون المحكمة لتوجيهها إلى الخصم الآخر.

وبالتالي لكي يثبت الأجير العلاقة الشغلية بينه وبين المشغل يمكن أن يوجه اليمين كوسيلة إثبات لخصمه الذي هو مشغله على أنه أجير عنده ، لكن الوضع ينقلب إذا رد المشغل باليمين فيحلف بأنه لا وجود لعلاقة الشغل بينه وبين الأجير وبالتالي يحسم النزاع لصالحه ويخسر الأجير الدعوى، لكن في حالة نكوله عن اليمين وتوجسه من أدائها فإن هذا يعتبر بمثابة إقرار ضمني بالعلاقة الشغلية وبالتالي يرجح الكفة لصالح الأجير.

أما اليمين المتممة فهي التي توجهها المحكمة إلى أحد الأطراف المتنازعة لإتمام وتعزيز إدعاءاته، فتقع بطلب من المحكمة إذا اعتبرت بأن أحد الأطراف لم يعزز ادعائه بالحجة الكافية للإثبات، فاليمين المتممة تؤدى بنفس الإجراءات التي تؤدى بها اليمين الحاسمة غير أنها لا تقيد المحكمة بنتيجتها، وقد ورد بشأنها في الفصل 24 من القانون المذكور أنه “إذا اعتبرت المحكمة أن أحد الأطراف لم يعزز ادعاءاته بالحجة الكافية أمكن لها تلقائيا أن توجه اليمين إلى هذا الطرف بحكم يبين الوقائع التي ستتلقى اليمين بشأنها.” وبالتالي يتضح جليا أن المحكمة يمكنها توجيه اليمين المتتمة للأجير عندما ترى بأنه لم يقدم الحجج الكافية بإثبات علاقة الشغل بينه وبين مشغله.

ثانيا: وسائل الإثبات الإجرائية

إن التوجه الذي كرسته مدونة الشغل من خلال المادة 18 حول إثبات عقد الشغل بكافة وسائل الإثبات هو تحصيل حاصل للتوجه الذي سار عليه القضاء منذ مدة طويلة، بالرجوع إلى الباب الثالث من القسم الأول من قانون المسطرة المدنية نجده قد تطرق لوسائل الإثبات الإجرائية وذلك من المواد من 55 إلى 102 تحت عنوان إجراءات تحقيق الدعوى، هناك وسائل أخرى ذات طابع شكلي إجرائي مقبولة قانونا تتمثل أساسا في الكتابة والمعاينة والخبرة القضائية.

  • الخبرة: يقصد بالخبرة القضائية مجموع العمليات والتقارير التي يقوم بها الخبير المعين من طرف المحكمة للجواب على أسئلة علمية أو فنية وتقنية يتوقف عليها البث في النزاع، وهكذا تجد الخبرة حدودها القانونية في المسائل الفنية التي يصعب على المحكمة الإلمام بها بنفسها، كتحديد نسبة العجز المؤقت أو إجراء خبرة حسابية، حيث يطلع الخبير على سجلات المشغل وعدد الساعات التي اشتغلها الأجير لحساب الأجر والتعويض الذي يستحقه عن الأقدمية وعن الفصل من العمل، أو إجراء خبرة طبية في حالة وقوع حادثة شغل أو حادثة طريق للأجير.

وقد نظم المشرع المغربي أحكام الخبرة في المواد من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية وبالرجوع لكل هذه الفصول المذكورة فلا نجد للخبرة تعريفا محددا فقد وردت إشارة إلى الخبرة في الفصل 55 من نفس القانون إلى أنه “………. يمكن للقاضي بناءا على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا قبل البت في جوهر الدعوى أن يأمر بإجراء خبرة …..

فالخبرة مسألة يفرضها الواقع على القضاة ذلك أنهم لا يلجؤون لها إلا في حالة كانت طبيعة الدعوى تفرض عليهم ذلك ون أن موضوعها مثلا هو عبارة عن مسألة علمية أو فنية لا يمكن للمحكمة الإلمام بها فتلجأ إلى القيام بخيرة لتأكد هذه المسائل عن طريق إجرائها من طرف المختصين ذوي الاختصاص الفني أو العملي، وفي الميدان الاجتماعي فقد فالقضاء

  • المعاينة: تعتبر المعاينة ذات أهمية خاصة في عقود الشغل، ويمكن استخدامها لإثبات العديد من الحالات والوقائع، حيث يمكن للمحكمة أن تقوم بمعاينة مكان العمل للتأكد من وجود علاقة شغل فعلية بين الطرفين، حتى لو لم يكن هناك عقد مكتوب، وذلك من خلال ملاحظة وجود الأجير بصفة منتظمة، وممارسته لمهام محددة، وتلقيه لأوامر من المشغل، وغير ذلك من القرائن، حيث قدم المشرع المغربي المعاينة كإجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى في الفصول من 67 إلى 70 من قانون المسطرة المدنية، ومن ثم فإنه يمكن للقاضي الاجتماعي الاعتماد عليها، بحيث يمكنه أن يأمر تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف بالوقوف على عين المكان لمشاهدة موضوع النزاع وذلك بعد تحديده لليوم والساعة التي تتم فيها المعاينة، وذلك بحضور الأطراف الذين يتم استدعائهم بصفة قانونية، كما يمكن إشعار النيابة العامة إذا كان حضورها ضروريا في الجلسة.

ويتم تحرير محضر المعاينة حسب الأحوال من طرف رئيس هيئة الحكم التي قامت بالمعاينة وكاتب الضبط ويوضع هذا المحضر في المحكمة ليكون رهن إشارة الأطراف. وبالتالي يمكن للأجير الاعتماد على المعاينة كوسيلة لإثبات عقد الشغل وعالقة التبعية بينه وبين المشغل طالما أن الإثبات غير مقيد بوسيلة محددة وطالما أن المشرع أقر بمبدأ حرية الإثبات في المادة 18 من مدونة الشغل.

الفقرة الثانية: إثبات عقد الشغل في إطار مدونة الشغل

يسعى الإثبات في جوهره إلى إقناع المحكمة بادعاء أو دحض ادعاء الخصم، لأن القاعدة العامة في مجال الإثبات، حسب الفصل 399 من ق.ل.ع تقضي بأن البينة على المدعي، لذلك يرتكز الإثبات على إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق المحدد في القانون، وعلى بيان وجود حق متنازع عليه، مما يترتب عليه نتائج قانونية، وبالتالي فإن من الملاحظ أن المشرع المغربي تطرق لوسائل الإثبات في قانون الالتزامات ولعقود من خلال الفصل 404، كما أورد بعض قواعده في قانون المسطرة المدنية لكن مدونة الشغل كرست مبدأ الحرية في الإثبات من خلال مقتضيات المادة 18 من مدونة الشغل.

بالإضافة إلى الوسائل المقررة بصفة عامة، والمنصوص عليها في الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود، نجد إلى جانبها وسائل خاصة جاءت بها مدونة الشغل، وهي متعددة ومختلفة،ومن بين الوسائل التي يمكن من خلالها إثبات النزاعات الناشئة عن العلاقة الشغلية، نجد بطاقة الشغل المنصوص عليها في المادة 23 من المدونة، وبطاقة الضمان المسلمة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

أولا: بطاقة الشغل

تعتبر بطاقة الشغل من أهم الوسائل إثبات عقد الشغل حينما يتعلق الأمر بنزاع بين الأجير والمشغل، والتي حظيت بالتنظيم من قبل المشرع في المادة 23 من مدونة الشغل، من خلال هذه المادة يتبين أن المشرع المغربي أوجد وسيلة فعالة من أجل إثبات العلاقة الشغلية، وذلك تجنبا للصعوبات التي قد تنتج عن مجرد الاكتفاء بالعقد الشفوي في العلاقة الشغلية، ولعل من أهم هذه الصعوبات تتمثل في إنكار العلاقة الشغلية من الأصل، مما يجعل الأجير في موقف صعب إذ يتعين عليه إثبات وجود العلاقة الشغلية، وتفاديا لهذه الصعوبة ألزم المشرع المغربي على ضرورة تسليم للأجير بطاقة الشغل، وأن تتضمن هذه البطاقة البيانات المحددة بمقتضى النص التنظيمي بمقتضى المادة 23 من مدونة الشغل خصوصا في فقرتها الثانية والثالثة والرابعة ، حيث أوجب على المشغل أن يسلم للأجير بطاقة الشغل يتم تجديدها كلما حدث تغيير في صفة الأجير المهنية أوفي مبلغ الأجر، ويجب أن تتضمن هذه البطاقة البيانات التي تم تحديدها بموجب مرسوم حيث تنص المادة الأولى منه:” يجب أن تتضمن بطاقة الشغل البيانات التالية: الاسم الاجتماعي للمقاولة والاسم الكامل للمشغل؛ رقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ المقر الاجتماعي للمقاولة أو عنوان المشغل؛ الاسم الشخصي والعائلي للأجير وتاريخ ازدياده وتاريخ دخوله إلى العمل، ووظيفته ومبلغ أجرته ورقم تسجيله بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ اسم شركة التأمين”.

وتكتسب البيانات أعلاه أهمية بالغة، حيث حلت الكثير من الإشكالات التي تقع فيها المحاكم نظرا للبيانات الضرورية الواجب تضمينها ببطاقة الشغل، مما يساعد القاضي على أخذ جميع العناصر من علاقة الشغل ومدة العمل وطبيعيته والأجرة، وهذا ما يجعل بطاقة الشغل وسيلة إثبات كافية تغنى عن غيرها من الوسائل، وبخصوص هذا الشأن ذهبت محكمة النقض حاليا في نازلة أثيرت بعد دخول مدونة الشغل حيز التطبيق إلى الإقرار بصلاحية بطاقة الشغل للتثبت من توصل الأجير بمكافأة الأقدمية ضمن الأجر، إذ يستند في إثباته على هذه البطاقة وهو خارج المقاولة عكس الملف الذي يكون بحيازة المشغل وليس الأجير، بحيث يمكن أن يقوم بإتلافه وبالتالي إنكاره للعلاقة الشغلية عندما يكون هذا الملف بمثابة الدليل الوحيد لدى الأجير لإثبات وجود هذه العلاقة.

والجدير بالذكر أن تسليم البطاقة الشغل للأجير، أصبحت إلزامية سواء كان عقد الشغل مكتوب أو شفوي.

ثانيا:شهادة العمل

تعتبر شهادة العمل من بين الالتزامات الملقاة على عاتق المشغل، والذي يجب عليه أداؤها للأجير عند انقضاء العمل أو عند احتياج هذا الأخير لها، فهي تؤكد العلاقة الشغلية التي قد يصعب إثباتها من طرف الأجير حالة إنكارها من المشغل أو عند منازعاته لمدة العمل أو الأجر. وقد نضمها المشرع المغربي في المادة 72 من مدونة الشغل حيث جاء فيها: ” يجب على المشغل، عند انتهاء عقد الشغل، تحت طائلة التعويض، أن يسلم الأجير شهادة الشغل داخل أجل أقصاه ثمانية أيام. يجب أن يقتصر في شهادة الشغل، على ذكر تاريخ التحاق الأجير بالمقاولة، وتاريخ مغادرته لها، ومناصب الشغل التي شغلها. غير أنه يمكن، بالاتفاق الطرفين تضمين شهادة الشغل بيانات تتعلق بالمؤهلات المهنية للأجير وبما أسدى من خدمات…”

يعاقب المشغل حسب المادة 72 من مدونة الشغل بغرامة مالية ما بين 300 و 500 درهم، في حالة عدم وضع شهادة الشغل المنصوص عليها في المادة السابقة الذكر رهن إشارة الأجير، أو عدم تضمينها بيانا من البيانات المنصوص عليها في نفس المادة، ونفس العقوبة تطبق في حالة عدم تجديدها، ذلك أن تسليم هذه الشهادة للأجير واجب يقع على عاتق المؤاجر كيفما كانت طبيعة عقد الشغل محدد المدة أو غير محدد المدة.

ثالثا: ورقة الأداء

ورقة الأداء هو عبارة عن وثيقة يسلمها المشغل في القطاعات الخاضعة لمدونة الشغل التي فيها نص المشرع عليها والتي يجب أن تتضمن العديد من البيانات الإلزامية التي حددها المشرع المغربي في المادة 370 من مدونة الشغل المغربية، ويشمل مجالها العديد من القطاعات الشغلية، حيث تشمل مختلف المقاولات الصناعية والتقليدية وعمال القطاع الفلاحي وكذا الأشخاص المرتبطين بعقد شغل لا يدخل شغلهم في نطاق أي نطاق من الأنشطة التي حددها المشرع في المادة الأولى من مدونة الشغل.

ويعتبر عنصر الكتابة مفترض منطقيا في ورقة الأداء وتكتسي هذه الورقة أهمية كبرى في إثبات العلاقة الشغلية وإثبات الأجر واثبات استمرارية العمل أو عدمها بالنظر إلى تواريخ العمل التي قضاها الأجير، وقد نصت المادة 370 من مدونة الشغل على أنه “يجب على كل مشغل أن يسلم أجراءه عند أداء أجورهم، وثيقة تسمى “ورقة الأداء”، وأن يضمنها وجوبا البيانات التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل”.

وهذه البيانات محددة في المادة الأولى من قرار وزير التشغيل والتكوين المهني عدد 05.346  بتاريخ 09 فبراير 2005 وهي: اسم المقاولة و مقرها الاجتماعي أو الاسم الشخصي و العائلي للمشغل ومقر عمله ومهنته وعنوانه وكذا رقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ الاسم الشخصي والعائلي للأجير ورقم تسجليه بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ الصنف المهني؛ تاريخ التشغيل؛ مدة الشغل المدفوعة الأجر مع بيان ساعات الشغل المؤدى أجرها بالسعر العادي، وعند الاقتضاء الساعات الإضافية ونسبة الزيادة المطبقة وكذا عدد الساعات التي تطابق الأجر المؤدى؛ عدد أيام العمل المطابقة للأجر المدفوع؛ نوعية و مبلغ مختلف العلاوات المضافة إلى الأساسي؛ قيمة المنافع العينية عند الاقتضاء؛ مبلغ الأجر الإجمالي للأجير؛ نوعية مبلغ ومختلف الاقتطاعات؛ مبلغ الأجر الصافي؛ تاريخ تسليم ورقة الأداء إذا كان الأجير يتقاضى أجره بالقطعة فإنه يجب علاوة على ما ذكر، تضمين ورقة الأداء كل البيانات التي تمكن من احتساب مختلف العناصر المكونة الأجر الصافي.

تقوم ورقة الأداء مقام عقد الشغل، حيث إن القضاء يسير في اتجاه تكريس الطابع الحمائي لقانون الشغل، والعمل كذلك على استقرار علاقة الشغل، وبالتالي فالبيانات التي تتضمنها و الموقع عليها من قبل الأجير لها قوة ثبوتبة في تحديد صفته في العمل ، إضافة إلى أنها تعتبر حجة براءة ذمة المشغل من أداء الأجر.

ومن خلال ما سبق يمكن القول أن ورقة الأداء هي وسيلة تعزز إثبات عقد الشغل الشفوي بصفة خاصة، إلى جانب باقي الوسائل التي تمت دراستها سابقا أو التي سيتم التطرق إليها فيما بعد.

خاتمة:

إلماماً بكل ما سبق يمكن القول أن الالتزامات المتبادلة الملقاة على عاتق طرفي العلاقة الشغلية المتمثلين في المشغل والأجير، وكذا أهم القواعد الموضوعية التي تحمي الأجير الذي يعد الحلقة الضعيفة في هذه الرابطة التعاقدية، هي استجابة من المشرع المغربي لمتطلبات الواقع من خلال مدونة الشغل، فقد عمل بشكل أساسي على ضمان تنفيذ عقد الشغل وكذا تحسين ظروف عمل الأجراء، وذلك من خلال تدابير الصحة والسلامة بالإضافة إلى تحسين ساعات العمل ومجمل العطل، وبالمقابل من ذلك فالأجير هو الأخر يلتزم تجاه مشغله بثلة التزامات من قبيل ذلك العمل تحت تبعيته والتقيد بتعليماته، لكن رغم تنظيم العلاقة الشغل بموجب مدونة خاصة فإن موضوع الإثبات ظل خاضعا لقانون الالتزامات والعقود إلى جانب مدونة الشغل، وهذا ما يتضح جليا في تنصيص المشرع في هذه الأخيرة على حرية إثبات النزاعات الشغلية من خلال عدم اشتراطه لكتابة عقود الشغل،.

وقد حاول المشرع المغربي إعادة نوع من التوازن في موضوع الإثبات الأطراف العلاقة الشغلية وذلك من خلال تمكينه للأجير إثبات عقد الشغل بكافة وسائل الإثبات الكتابي مثل شهادة العمل أو بطاقة العمل أو شهادة التسجيل، بل يجوز للأجير إثبات عقد الشغل حتى بوسائل الإثبات غير الكتابية مثل شهادة الشهود وغيرها.

لائحة المراجع:

مراجع بالعربية:

  • ادريس العلوي العبدلاوي، وسائل الإثبات في التشريع المغربي، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء
  • اشرف جنوي، المدخل لدراسة قانون الشغل المغربي، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2018
  • دنيا امباركة ، قضايا مدونة الشغل بين التشريع والقضاء ، منشورات مجلة الحقوق
  • صباح كوثو، دروس في القانون الاجتماعي، الطبعة الأولى 2019/2018.
  • عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في القانون المدني، الجزء الثاني، الاتبات دار احياء الترات العربي دون ذكر الطبعة أو السنة.
  • عبد العزيز فتحاوي، طرق الإثبات في ميدان الأحوال الشخصية والميراث، مطبعة فضالة، المحمدية 1996
  • عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، نشر مكتبة المعرفة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثامنة 2017.
  • عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول عالقات الشغل الفردية، الطبعة الأولى 2004.
  • عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني، (دون ذكر المطبعة)، الطبعة السادسة، 2018.
  • محمد جمال الدين زكي، الخبرة في المواد المدنية والتجارية، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع طبعة 1998.
  • المهدي المرابط، الإثبات في النزاعات الشغل الفردية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية، جامعة محمد السادس، كلية الحقوق أكدال، سنة 2011.
  • وفاء جوهر – قانون الشغل بالمغرب، نشر مكتبة المعرفة، الطبعة الثانية 2021.
  • وفاء جوهر قانون الشغل في المغرب – عقد الشغل الفردي بين النظرية والتطبيق، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2018.

مرجع بالفرنسية:

  • Omar AZZIMAN, Volume I. « Le contrat ». Imprimerie Najah El Jadida, Casablanca, 1995. P: 172-174.



Source link

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لو تتكرم بدعمنا ، وقم بتعطيل إضافة مانع الإعلانات لتصفح المحتوى .