حماية المشترك في خدمات الاتصالات: دراسة في أوجه القصور التشريعي والعملي – الباحث: بنقاسم محمد – تحت إشراف ذ ة: بشرى النية،

[]

حماية المشترك في خدمات الاتصالات: دراسة في أوجه القصور التشريعي والعملي

Protection of Telecommunications Service Subscribers: A Study of Legislative and Practical Shortcomings

الباحث: بنقاسم محمد

باحث بسلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط.

تحت إشراف ذ ة: بشرى النية،

أستاذة التعليم العالي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، جامعة محمد الخامس الرباط.

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

 

حماية المشترك في خدمات الاتصالات: دراسة في أوجه القصور التشريعي والعملي

Protection of Telecommunications Service Subscribers: A Study of Legislative and Practical Shortcomings

الباحث: بنقاسم محمد

باحث بسلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط.

تحت إشراف ذ ة: بشرى النية،

أستاذة التعليم العالي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، جامعة محمد الخامس الرباط.

ملخص:

تعد الخدمات المقدمة من طرف شركات الاتصالات بمختلف أنواعها، من الخدمات الأساسية التي لا يمكن للأفراد الاستغناء عنها في حياتهم اليومية، مما دفعهم إلى ابرام عقود اشتراك بشأنها، لذلك حاول المشرع المغربي كباقي التشريعات المقارنة، تثبيت هذه الحماية بموجب مجموعة من النصوص القانونية، كالقانون المتعلق بالبريد والمواصلات والقانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك، اضافة إلى مجموعة من القوانين الأخرى، الا أن الإقبال الكبير على هذه الخدمات وانفراد شركات الاتصالات بتحرير عقود الاشتراك النموذجية، اثار إشكالية الحماية المقررة لفائدة المشتركين سواء على المستوى القانوني والقضائي أو المؤسساتي، خاصة وأن القضاء المغربي اعتبرها من عقود الإذعان.

وأمام هذه الحقيقة، كان لازما علينا تسليط الضوء على المشترك بصفته طرف ضعيف في العقد من خلال ابراز أهم الضمانات القانونية لحمايته، ومعرفة ما إذا كانت تلك القوانين والأنظمة المعمول بها كافية لتحقيق نوع من التوازن بين طرفي عقد الاشتراك، أم أن الامر يقتضي اصدار قوانين أخرى تكفل تلك الحماية في مواجهة الشركات.

واعتبارا لما سبق، فإن هذه الحماية اعترتها ثغرات كثيرة على مستوى التنظيم القانوني الأمر الذي يتطلب مواكبة تشريعية تساهم في الرقي بالقواعد المنظمة لها، وتكفل الحماية اللازمة لهذه الفئة وتعزيز ثقتهم في شركات الاتصالات.

الكلمات المفتاحية: شركات الاتصالات، عقود الاشتراك، حماية المستهلك، عقود الإذعان، التوازن العقدي.

Abstract

The services provided by telecommunications companies, in their various forms, constitute fundamental necessities that individuals rely upon in their daily lives, compelling them to enter into subscription agreements. Given this situation, the Moroccan legislator has sought to enshrine protections through a corpus of legal provisions, including the law regulating postal services and telecommunications, the consumer protection law, and other ancillary statutes. Nevertheless, the burgeoning demand for these services and the unilateral drafting of standard subscription contracts by telecommunications providers have engendered significant legal and institutional challenges concerning the protections afforded to subscribers, particularly as the Moroccan judiciary has classified such agreements as contracts of adhesion. In this context, it becomes essential to examine the subscriber’s position as the weaker party in the contractual relationship, elucidating the principal legal safeguards designed for their protection and evaluating whether the extant legal framework achieves a reasonable equilibrium between the parties to the subscription agreement. Alternatively, it must be assessed whether the promulgation of supplementary legislative instruments is necessary to afford subscribers more robust protection against telecommunications companies. Given the foregoing, the current protective regime is marred by significant lacunae within its legal architecture, necessitating legislative interventions to enhance the regulatory framework, ensure the effective protection of subscribers, and reinforce their trust in telecommunications service providers.

keywords: Telecommunication companies, subscription contracts, consumer protection, adhesion contracts, contractual balance.

مقدمة

عرف قطاع الاتصالات والخدمات الأساسية اتساعا على غرار ما يجري في باقي بلدان العالم، خاصة بعد تحرير قطاع الاتصالات وفتحه التدريجي أمام المنافسة، وتطور الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بهذا القطاع. وهكذا أصبح إحداث أو استغلال الشبكات العامة للاتصالات أو هما معا يتم وفق شروط المنافسة المشروعة في إطار احترام متعهدي الشبكات العامة لمبدأ المساواة بين المستفيدين، كما أن ولوج هذه الشبكات العامة من لدن المستفيدين ينبغي أن يتم طبقا لشروط الموضوعية والشفافية وبدون تفضيل. ويتكون الفضاء الجديد لخدمة الاتصالات في المغرب من العديد من الخدمات يقدمها متعهد الشبكات العامة للمواصلات في إطار الضوابط القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، ومنها: خدمات الهاتف الثابت، والهاتف النقال وخدمات الانترنيت.

ومما لا شك فيه، أن وسائل الاتصال الحديثة لها حسناتها إذ ساهمت في تيسير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، فأصبحت تقرب البعيد وتسهل الصعب، وأصبح من الممكن إبرام الصفقات التجارية من خلالها وكذلك التسوق عبر الإنترنت بسهولة ويسر، ونفس الأمر يقال بالنسبة للحياة الاجتماعية للأشخاص إذ أصبح التواصل بينهم أمراً سهلاً وصار بالصوت والصورة، الأمر الذي دعانا إلى دراسة هذا الموضوع بدقة وتفصيل للوقوف على تعريف العقد الذي يجهل الكثيرون منا ماهيته وطبيعته، بالرغم من شيوعه بيننا وتعاملنا معه دون أن نعرف الكثير عن طبيعته القانونية ومميزاته والالتزامات المترتبة عليه، وكذلك للوقوف على حقوق العميل تجاه شركات الاتصالات والشروط التعسفية الواردة في العقد.

وقد أصدر المشرع المغربي العديد من النصوص القانوني المتعلقة بخدمات الاتصالات منها القانون 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات، بحيث أحدث بموجبه الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات باعتباره جهة إدارية تقوم بضبط وتقنين المواصلات، وبإصدار مذكرة التوجيهات العامة لتحرير قطاع الاتصالات خلال الفترة ما بين 2004 و2008، يكون الإطار القانوني قد تكيف مع تطورات السوق والتكنولوجيات الحديثة واستراتيجيات الفاعلين. وفي نونبر 2004 تم إصدار القانون رقم 55.01 المتمم والمعدل للقانون رقم 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات. ويهدف هذا القانون إلى تعزيز آلية التقنين في القطاع من خلال منح مزيد من الصلاحيات للوكالة التي أصبحت تشرف على احترام المنافسة وتبث في النزاعات المرتبطة بها. وهكذا، وعلاوة على الاختصاصات الموكلة إليها فيما يخص تحضير القطاع لمنافسة سليمة وتيسير دخول فاعلين جدد، فإن القانون 55.01 عزز اختصاصات الوكالة في مجال احترام مبادئ المنافسة، بموجب القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

ونظرا لضعف الضمانات الحمائية المقررة للمشترك من خلال التشريع المغربي وقصور الرقابة الإدارية للوكالة الوطنية. عمد المشرع إلى إصدار القانون رقم 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلكين بصفة عامة، ومستهلكي خدمات الاتصالات بصفة خاصة، حيث جاء القانون بضمانات مهمة كان لها الفضل في تقوية مكانة المشترك في عقود الاشتراك وتجاوز الموقف الضعيف الذي يتواجد فيه المشترك مقارنة بشركات الاتصال>ات، خاصة ما يتعلق بالمقتضيات الحمائية المخصصة لمواجهة الشروط التعسفية، ودور جمعيات حماية المستهلك. إلا أنه بالرغم من كل هذه المجهودات، لازالت القوانين السالف ذكرها تعتريها مجموعة من الثغرات القانونية التي استغلتها شركات الاتصالات، مما ادى بها إلى فرض شروط تعسفية تخدم مصالحها الخاصة دونما مراعات لمصلحة المشتركين.

ولمحاولة فهم ومقاربة الموضوع ستنصب دراستنا حول “المشترك”، باعتباره طرفا ضعيفا في العقد، من خلال البحث عن أهم الاليات القانونية والقضائية والمؤسساتية الكفيلة بضمان حقوق المستهلك، سواء على مستوى قانون الالتزامات والعقود باعتباره يشكل الإطار العام للعقود، أو من خلال القانون المتعلق بالبريد والمواصلات، أو من خلال قانون حماية المستهلك، أو غيره من القوانين. كما تهدف هذه الدراسة إلى تبيان مظاهر قصور الحماية القانونية والمؤسساتية للمشترك، سواء على المستوى القانوني أو العملي.

أهمية الموضوع:

إن دراسة الموضوع تقتضي منا إبراز أهميته على مستوى الواقع العلمي أو العملي: فعلى المستوى العلمي تتجلى في أن عقود الاشتراك من العقود غير المسماة، أي أن المشرع المغربي لم يخصص لها قواعد خاصة بها بالرغم من شيوعها، باستثناء القانون رقم 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات، ومن الطبيعي أن غياب إطار قانوني خاص بهذا النوع من العقود، سوف تكون له أثار سلبية في مواجهة المشتركين، وسوف يؤدي إلى طرح مجموعة من المشاكل والنزاعات على مستوى الواقع.

أما على المستوى العملي، فتتجلى أهمية موضوع هذه الدراسة، في كون الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات، أصبحت من الخدمات الأساسية التي لا يمكن للأفراد الاستغناء عنها في حياتهم، نظرا لارتباطها بحياتهم اليومية، والعائلة، والمهنية. كما أصبح اعتماد الاشخاص على خدمات الاتصالات المتطورة والأكثر جودة معيار للتقدم، الا أن رغبة الافراد وحاجتهم لخدمات الاتصالات أثر عليهم بشكل سلبي وأدى بهم إلى القبول بمختلف الشروط التي لا تخدم مصالحهم.

إشكالية الموضوع:

إن الحديث عن موضوع الدراسة يقتضي تحديد الجوانب القانونية للعقود المنظمة للعلاقة بين المشترك وشركات الاتصالات من خلال القانون المغربي والمقارن، خاصة بعدما أدى انتشارها واختلاف أنواعها، إلى اختلال التوازن في العلاقة العقدية بين اطرافه وإثارة مجموعة من الإشكالات القانونية التي يجب الإجابة عنها، بتحديد الالتزامات المتبادلة بينهما ومدى احترام كل منهما بالالتزامات المفروضة عليه، لذلك اخترت للموضوع إشكالية محورية تمثلت في:

مدى كفاية النصوص القانونية المنظمة لخدمات الاتصالات في تحقيق الحماية اللازمة للمشترك وضمان التوازن العقدي؟

في ضوء الإشكالية المطروحة يفترض أن الإطار التشريعي والتنظيمي الحالي لا يرقى إلى مستوى التحديات التقنية والنفية التي يعرفها قطاع الاتصالات والخدمات الاساسية، وانطلاقا من ذلك يتأسس هذا البحث على مجموعة من الفرضيات الفرعية، حيث تتمثل الفرضية الاولى في كون النصوص القانونية لا توفر الحماية الكافية لحقوق المشترك بسبب هيمنة عقود الإذعان والشروط التعسفية، أما الفرضية الثانية فتتجلى في ضعف الدور الرقابة للهيات الإدارية المتدخلة في قطاع الاتصالات.

المنهج المعتمد:

لمعالجة هذا الموضوع، اعتمدنا على مجموعة من المناهج العالمية التي أسهمت في تناول جوانبه المختلفة من بينها: المنهج الوصفي والتحليلي، بالإضافة إلى المنهج المقارن، بحيث اعتمدنا المنهج الوصفي في التعريفات والمفاهيم الخاصة بمجالات عقود الاشتراك في خدمات الاتصالات، في حين اعتمدنا المنهج التحليلي لدراسة مختلف الأثار القانونية لعقود الاشتراك، ثم المنهج المقارن بإجراء مقارنة بين التشريعات الوطنية، ومقارنتها ببعض التشريعات الدولية المقارنة كالتشريع الفرنسي والتشريع المصري.

المبحث الاول: التحديات ذات الطبيعة القانونية

المبحث الثاني: التحديات ذات الطبيعة التقنية والفنية

 

المبحث الاول: التحديات ذات الطبيعة القانونية

تتمثل أهم الصعوبات القانونية التي تحول دون تحقيق حماية فعالة للمشترك في خدمات شركات الاتصالات على مستوى القانون المغربي، في غياب نص قانوني خاص ومستقل لحماية حقوق مستهلكي خدمات شركات الاتصالات، مقارنة ببعض التشريعات التي نظمت عقود الاشتراك في منظومتها القانونية، وحددت الالتزامات المتبادلة المفروضة على طرفي العقد، (المطلب الأول) بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بضعف الدور الرقابي للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، وضعف تدخل جمعيات حماية المستهلك (المطلب الثاني)

المطلب الأول: غياب نص قانوني مستقل لحماية حقوق مشتركي خدمات الاتصالات

من خلال استقراء مختلف النصوص القانونية التي تناولت تنظيم العلاقة بين المشترك وشركات الاتصالات، يتبين أن المشرع لم يخصص لها إطارا قانونيا مستقلا ينظم هذه العلاقة بشكل شامل، بل تم تنظيمها ضمن نصوص قانونية متفرقة ومتنوعة، ما بين القانون 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات، ومختلف المراسيم المنظمة لقطاع الاتصالات، ثم قانون حماية المستهلك، وقانون الالتزامات والعقود. بالإضافة إلى مجموعة من القوانين الأخرى كالقانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، تم القانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتين تجاه المعالجة الالية للمعطيات، الذي يلزم أيضا شركات الاتصالات، وكذلك قرارات الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات (ANRT)، وغيرها من النصوص الأخرى.

وفي الوقت الذي لا زال فيه المشرع المغربي عاجزا عن وضع نظام قانوني مستقل وخاص بعقود الاتصالات، بادرت مجموعة من التشريعات المقارنة منذ زمن بعيد إلى تنظيم هذا النوع من العقود، كما هو في التشريع الفرنسي الذي خصص لعقود الاشتراك في خدمات الاتصالات بابا خاصا في قانون حماية المستهلك، ونفس التوجه أقر به المشرع المصري.

فعدم تخصيص مستهلك خدمات الاتصالات بحماية قانونية خاصة بصفته متعاقدا مع شركة الاتصالات، يجعله يستفيد فقط من مقتضيات الحماية المقررة للمتعاقدين وفقا للقواعد العامة (قانون الالتزامات والعقود) أو الحماية المخصصة للمستهلكين بوجه عام (قانون حماية المستهلك).

وبناء على ما سبق، فإن غياب نص قانوني مستقل لعقود الاشتراك في خدمات شركات الاتصالات، سوف يترتب عنه مجموعة من الأثار، ويطرح مجموعة من المشاكل على مستوى الواقع. فمن جهة سيؤدي تعدد النصوص القانونية إلى جعل المستهلك في حيرة من أمره في اختيار النص القانوني الذي يجب الاطلاع عليه لمعرفة حقوقه وواجباته تجاه الشركة المقدمة للخدمة، هل القانون المتعلق بالبريد والمواصلات؟ أم قانون حماية المستهلك؟ أو غيره من القوانين، وكذلك هل البنود التي ضمنتها الشركة في العقد كافية لإثبات حقوقه أم لا؟ ومن جهة أخرى، سيثقل كاهل القضاء أثناء البحث عن التكييف القانوني السليم والمناسب لهذه العقود من أجل إيجاد القواعد القانونية الواجبة التطبيق على العقد في حالة نزاع.

ومن أجل معالجة الوضعية المترتبة عن غياب نص قانوني خاص بعقود الاشتراك، وتجاوز الموقف الضعيف للمشترك، يجب اصدار نصوص قانونية خاصة بمشتركي خدمات شركات الاتصالات تتسم بالوضوح والتحديد، كما فعلت مختلف التشريعات المقارنة، إما بإعداد قانون خاص بها، أو تخصيص جزء أو باب من قانون حماية المستهلك لحماية مشترك خدمات الاتصالات، لأن غياب إطار قانوني واضح وشفاف خاص بعقود الاشتراك يمنح للشركات الاتصالات مجالا واسعا في فرض قوتها ومكانتها الاقتصادية على المشترك بصفته طرف ضعيف في عقد الاشتراك.

وعليه، فإن تدخل المشرع المغربي لتنظيم عقد الاشتراك ووضع العديد من القواعد الآمرة التي تتعدى نطاق القواعد المكملة، إنما يهدف من وراء ذلك تجاوز الموقف الضعيف الذي يتواجد فيه المشترك مقارنة بشركات الاتصالات نتيجة اختلال التوازن الاقتصادي بين أطراف العلاقة التعاقدية، خاصة بعد إقرار المشرع المغربي بعدم كفاية القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود في تحقيق حماية للفئات الضعيفة، وذلك حينما أصدر القانون المتعلق بحماية المستهلك، لذلك فالنصوص القانونية الحالية التي يمكن للقاضي الرجوع إليها بمناسبة تكييفه لهذا العقد، لا يمكنها أن تحقق غاية المشترك، بالنظر لما تعرفه من قصور.

المطلب الثاني: ضعف دور الأجهزة المؤسساتية في حماية المشترك

إذا كان المشرع المغربي حرص على إحداث بعض المؤسسات القانونية لضمان مواكبة حماية المشتركين، باعتبارها أجهزة تتدخل في تنظيم العلاقة بين شركات الاتصالات والمستهلك، فإنه قد أسند إلى هذه المؤسسات عدة وظائف فنية وتقنية نظرا لارتباطها بمجال تقني وفني معقد يتطلب مؤهلات وكفاءات عالية، وقد ظل دور هذا المؤسسات قاصرا لعدة أسباب، يعود بعضها إلى المشرع نفسه من خلال قصور النصوص القانونية المنظمة لعملها، بينما يرجع البعض الأخر إلى ضعف الرقابة من قبل هذه المؤسسات، وعموما فإن الامر يقتضي إبراز مظاهر محدودية الوكالة والوطنية في تقنين الاتصالات (الفقرة الأولى) وكذلك جمعيات حماية المستهلك (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: محدودبة دور الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات

تعتبر الوكالة الوطنية لتقينين المواصلات مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري، تحدث لدى رئيس الحكومة، ويكون الغرض منها تقييد الأجهزة المختصة للوكالة بأحكام القانون 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات، وخاصة كل ما يتعلق بالمهام المسندة اليها.

وتخضع الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لمراقبة الدولة المالية من طرف لجنة تتألف من خبراء وعون محاسب يعينهم جميعا الوزير المكلف بالمالية، وتتمثل مهمة هذه اللجنة النظر في مطابقة إدارة هذه المؤسسة للمهمة المنوطة بها والأهداف المرسومة لها، وفي طاقاتها التقنية والمالية وصحة أعمال الإدارة التي يقوم بها المدير.

وبالنظر لأهمية الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في تنظيم العلاقة بين أطراف عقد الاشتراك، فإن المشرع اناط بها مجموعة من المهام القانونية، والتقنية، نظمها القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات في المادة 29 وما يليها بحيث تجلت فيما يلي:

  • إعداد وتحيين نصوص دفاتر التحملات التي تحدد حقوق وواجبات متعهدي الشبكات العامة بتعاون مع المصالح الوزارية المعنية والجهات المسؤولة عن الأمن العام.
  • إعداد الاقتراحات الرامية إلى تنظيم الإطار القانوني، والاقتصادي، والأمني، الذي تمارس فيه أنشطة المواصلات إما بطلب من السلطة الحكومية المختصة أو بمبادرة من الوكالة، وبهذه الصفة تقوم الوكالة بتحضير مشاريع القوانين والمراسيم والقرارات الوزارية المتعلقة بنظام مختلف أنشطة المتعهدين المتدخلين في قطاع المواصلات؛
  • والسهر على التقيد ببنود التراخيص الممنوحة لمختلف المتعهدين أو لأي متدخل آخر في القطاع.
  • دراسة طلبات الترخيص وإعداد ومتابعة إجراءات منح التراخيص بواسطة الإعلانات عن المنافسة وكذلك بتسلم التصاريح المسبقة المتعلقة بأنشطة المواصلات المرتبطة بنظام التراخيص ودفاتر التحملات المرتبطة بها.

بعد الاطلاع على مختلف الاختصاصات المسندة إلى الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، يتضح أنه يغلب على اختصاصها طابع ضبط المنافسة، وتنظيم السوق، وتوفير خدمة الاتصال كسياسة عمومية، مما يوحي أنها غير قادرة على فرض سيطرتها على بعض الجوانب المضرة بالمشتركين. خصوصا في المجال التعاقدي، فهي لم تكن لها صلاحيات تقرير الجزاء على موردي الاتصالات في حالة اخلال شركات الاتصالات بالتزاماتها، لأنها تقتصر على التأكد من وجود تلك البنود في عقود الاشتراك، دون أن تكون للوكالة سلطة تعديلها حتى لو كانت تلك البنود مجحفة في حق الزبون.

بالإضافة إلى ضعف دورها في مجال الاتصالات وافتقادها لوسائل العمل الضرورية، مما نجم عنه تدخل الوكالة في صلب اختصاصات مجلس المنافسة، الذي لم يتمكن من إثبات ذاتيته كجهاز لضبط ميكانيزمات المنافسة وحماية السوق الحر.

لذلك فالطبيعة الخاصة لتجهيزات قطاع الاتصالات، والسمة التجارية لخدماته وسرعة التحولات التي يعرفها، والتي حطمت الفوارق بين القطاعات تحتم على الوكالة الوطنية تطوير مجال عملها، وتدخلها، وذلك من أجل التمكن من تحديد المواصفات التقنية، والصناعية، والشروط الإدارية للموافقة على المعدات الطرفية والتجهيزات الراديو كهربائية وتحديد الضوابط التقنية والفنية وكذا البروتوكولات والتدابير الشكلية لإقامة واستغلال الشبكات وتقاسم البنيات التحتية وتبادل الخدمات، كيفما كانت طبيعتها ودعاماتها وحماية هذه الفئة المستضعفة من المشتركين.

وذلك على خلاف ما هو معمول به في بعض التشريعات المقارنة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يتم الاستماع إلى جميع الأطراف بما فيهم زبناء مستغلي شبكات الاتصال قبل اتخاذ أي قرار في الموضوع، لأن ذلك يساعد المستهلكين في الدفاع عن مصالحهم، وأن تعارض مصالح الأطراف يفرض على هذه السلطة عدم اتخاذ أي قرار إلا بعد القيام بالبحث والتحري والاستماع إلى جميع الأطراف المعنية، على اعتبار أن قرار سلطة الضبط شبيه بما تقوم به المحاكم من إجراءات قبل النطق بالأحكام.

وإذا كانت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لا تملك سلطة التدخل لإلغاء بنود العقود التي يبرمها مستغلو الشبكات العامة للمواصلات، فإن لها سلطة رقابة مدى مطابقة تلك العقود لدفتر التحملات؛ إلا أن واقع الممارسة يظهر أن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لا تمارس هذا الحق. إذ يبقى المستهلك تحت رحمة الشروط التي يفرضها المهني عليه. ومن ناحية أخرى، فإذا كانت الوكالة تهدف إلى تحقيق مصالح المستهلكين، فإن هؤلاء غير ممثلين في أجهزة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، بحيث أن المستهلكين يتأثرون سلبا أو إيجابا بالقرارات التي تتخذها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات والتي تفصل في النزاعات المرفوعة إليها من مستغلي شبكات الاتصالات.

إذا فتعزيز حماية المشتركين في خدمات الاتصالات رهين بتقوية دور الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بحيث تمتد سلطتها إلى تقرير بطلان بعض الشروط التعسفية، وضمان تمثيلية المشتركين في خدمات الاتصالات. وحبذا لو تم تطوير اختصاص الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بما يساعد على حماية المستهلكين المشتركين، خاصة مع تزايد عدد المستهلكين الذين أصبحوا تربطهم ملايين عقود الاشتراك مع المستهلكين.

الفقرة الثانية: محدودية دور جمعيات حماية المستهلك

وبالرجوع إلى المادة 152 من القانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك، نجد أن جمعيات حماية المستهلك تتولى الاعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك، وقد أكدت على ذلك المادة 157 من نفس القانون، بحيث نصت على أنه يمكن للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، أن ترفع دعوى قضائية أو أن تتدخل في دعوى جارية أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق للدفاع عن مصالح المستهلك، وتمارس كل الحقوق المخولة للطرف المدني والمتعلقة بالأفعال والتصرفات التي تلحق ضررا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين، بما فيهم مستهلكين خدمات الاتصالات.

إذا كان المشرع قد أعطى لجمعيات حماية المستهلك الحق في الدفاع عن حقوق المشتركين، فإن هذا لا يخلو من تحديات، خاصة عندما اشترط توفر الجمعية على صفة المنفعة العامة والاذن بالتقاضي، وبالنظر إلى الشروط التي تطلبها المشرع لتمتع الجمعيات بالمنفعة العامة، نجد أن هذا الشرط يشكل عائق في تأمين الحماية الواجب للمشترك في خدمات الاتصالات، ويقيد سلطتها في الدفاع عن المشتركين أمام القضاء. بالإضافة إلى ضعف دور جمعيات حماية المستهلك في مواجهة عقود الإذعان، وضعف دورها في توعية المشترك وتبصيره، على خلاف دور جمعيات حماية المستهلك في فرنسا والاتحاد الأوروبي، أو في الوليات المتحدة الامريكية، ففي فرنسا مثلا لها الحق في التقاضي نيابة عن جماعة المشتركين.

وعليه، فتحقيق الحماية المرجوة من الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، وجمعيات حماية المستهلك في قطاع الاتصالات، لابد من إعادة النظر في تشكيلة مجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، بحيث تضمن تمثيلية المشتركين بغية الدفاع عن حقوقهم، وكذا إعادة النظر في شروط تمثيل المستهلكين من طرف هذه الجمعيات أمام القضاء، وفي شروط المنفعة العامة التي تقيد من إمكانية لجوء الجمعية للدفاع عن مصالح المستهلك أمام القضاء. كما يجب تفعيل دور الجمعيات في التواصل مع المشتركين بكيفية دائمة ومستمرة مع توسيع نطاق اشتغالها بأن لا يبقى مقتصرا على مجال معين، بل أن تنفتح على مختلف مجالات الاستهلاك. بالإضافة إلى وجوب احتفاظها باستقلاليتها تجاه السلطات العمومية، حتى تكسب ثقة عامة المستهلكين لاسيما وأن من أهم واجبات جمعيات حماية المستهلك أن تعمل على ممارسة ضغوطات على السلطات العمومية وحملها على ضرورة اليقظة والمراقبة الدائمة .

المبحث الثاني: التحديات ذات الطبيعة التقنية والفنية

إذا كانت شركات الاتصالات على اختلافها تسعى إلى تطوير تقنيات الاتصالات والتواصل باعتباره فضاء واسعا تهدف من خلاله إلى تجويد خدماتها، فإن الطابع التقني والفني لازال يقف حائل أمام المشتركين، وبالرغم من محاولة المشرع تجاوز الوضعية بكفالة حق المشترك في الاعلام والتبصير، مع الإشارة إلى أن هذه الصعوبة في بعض الأحيان ترجع إلى ضعف المستوى المعرفي للمشترك ولا دخل لشركات الاتصالات فيه، ما دامت طبيعة الخدمة تفرض عليها استعمال مصطلحات ومفاهيم ذات طبيعة تقنية وفنية معقدة. بينما ترجع في بعض الأحيان الأخرى إلى افراط الشركات في استعمال المفاهيم الأكثر تعقيدا باللغة الفرنسية بالرغم من وجود بديل لها باللغة العربية، وهكذا، ويمكن أن تتجسد هذه الصعوبة في طريقة كتابة عقد الاشتراك عند تضمينه بعض المفاهيم والمصطلحات، وكذلك صعوبة معرفة هل البيانات المضمنة في العقد كافية أم يجب إضافة بيانات أخرى (المطلب الاول) هناك أيضا صعوبات تتعلق بالإثبات من طرف المشترك أمام القضاء في حالة وجود نزاع (المطلب الثاني)

المطلب الاول: صعوبات تتعلق بشكل كتابة عقد الاشتراك

بالرغم من تدخل المشرع المغربي لتتجاوز السلبيات التي كانت تعرفها طريقة وشكل كتابة العقود، عن طريق توقيف صحة عقد الاشتراك على كتابته بحروف بارزة ومقروءة، وكتابتها باللغة العربية، فإن أهمية هذه المقتضيات تبقى محدودة جدا نظرا للطابع التقني والمعقد للمفاهيم والمصطلحات المستعملة في تحرير عقود الاشتراك. إلا أنه بالرجوع إلى الواقع العملي والاطلاع على بعض نماذج عقود الاشتراك، يبدو أن العيوب التي تعتري هذه العقود المتمثلة بطباعة الأحرف بخط صغير لا يكاد المشترك يستطيع قراءته، تكون أحياناً على أكثر من ورقة وأحيانا على ظهر الورقة، بالإضافة لصعوبة فهم بعض الشروط وتعقيدها وبالتالي لا يكون أمام العميل سوى القبول.

إضافة إلى عدد من الإشكاليات الأخرى، من قبيل عدم تضمين عقود الاشتراك النموذجية البيانات اللازمة، بحيث تكتفي بعض شركات الاتصالات بتضمن العقد الشروط العامة للاشتراك دون تحديد الشروط الخاصة، وهو ما نلمسه في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش، حينما تقدمت شركة الاتصالات المغرب بمقال افتتاحي أمام نفس المحكمة تعرض فيه أنها سبق أن ابرمت مع المدعى عليه عقدة اشتراك في شبكة توزيع خدمات الهاتف الثابت، وأنه توقف عن اداء واجبات استغلال الهاتف مند شهر يوليوز 2005 إلى شهر فبراير 2007. الا أن المحكمة قضت بعدم قبول الطلب بدعوى أن عقد الاشتراك لا يتضمن الشروط الخاصة لعقدة الاشتراك، ونوع الخدمة والمدة. وهل يتعلق الامر بهاتف ثابت أم بهاتف نقال أم بخدمات الانترنيت، ولا عنوان المشتركـ ولا أية بيانات أخرى من شانها التدليل على وجود علاقة تعاقدية بين الطرفين، مما جعل معه صفة المدعى عليه غير ثابتة في النازلة.

نفس التوجه نجده في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، حينما قضت بإلغاء الحكم الابتدائي الصادر لفائدة شركة اتصالات المغرب، بدعوى أن الوثائق المدلى بها من طرف الشركة جاءت خالية من جميع البيانات التي تفيد وجود تراضي أو اتفاق الطرفين على العناصر الأساسية المكونة للالتزام وفق الفصل 19 من قانون الالتزامات والعقود. وأن عقد الاشتراك لم يشر إلى البيانات الكافية المتعلقة بهوية المشترك، ونوعية المشاركة، ورقم الاشتراك بالخط الهاتفي النقال وتاريخ إنشائه، وهوية موقعيه، وعدم توقيعه من طرف المتعاقدة شركة اتصالات المغرب، كما أن الوثيقة المسماة وقف الحساب لم تتضمن بيانات مفصلة ومعززة بفواتير تفيد الاستهلاك الحقيقي للمبالغ المطالب بها، مما تبقى معه مجردة من الحجية لإثبات المعاملة التجارية والمديونية موضوع الدعوى الجارية.

بناء على ما سبق، يظهر من خلال الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش والقرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، أن القضاء راعا التفوق المعرفي والتقني بين أطراف عقد الاشتراك، وذلك حينما جرد العقود من حجيتها الثبوتية ورتب مسؤوليتها عن عدم تضمين عقود الاشتراك البيانات اللازمة لمعرفة الخدمة المقدمة وشروطها، وموصفاتها، ومن الطبيعي أن هذا المقتضى سيؤدي إلى جعل شركات الاتصالات حريصة على تضمين عقد الاشتراك البيانات الضرورة لتثبت حقوها في مواجهة المشترك في حالة وجود نزاع من جهة، كما سوف ينعكس إيجابا على حقوق المشتركين ويساعد القضاء في فهم العقد بشكل وواضح من جهة ثانية.

المطلب الثاني: صعوبات الاثبات من طرف المشترك

إذا كانت القاعدة العامة في قانون الالتزامات والعقود حسب الفصل 399 تقضي أن “اثبات الالتزام على مدعيه”، فإن رغبة المشرع المغربي في توفير المزيد من الحماية للمستهلك بصفة عامة، أقر بخلاف القاعدة السابقة في القانون المتعلق بحماية المستهلك، بأن جعل عبء اثبات الالتزام في حالات خاصة على عاتق المورد.

تتمثل الحالة الأولى في الفقرة الأخيرة من المادة 18 من قانون حماية المستهلك، حيث جاء فيها أنه: “في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا، يجب على المورد الإدلاء بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع”، بينما تتمثل الحالة الثانية في المادة 34 من القانون المتعلق بحماية المستهلك، وقد نصت على أنه “في حالة حدوث نزاع بين المورد والمستهلك، يقع عبء الإثبات على المورد خاصة فيما يتعلق بالتقديم المسبق للمعلومات المنصوص عليها في المادة 29 وتأكيدها واحترام الأجال وكذا قبول المستهلك”.

من خلال المواد السابقة، يتضح أن المشرع المغربي حاول تحقيق الحماية اللازمة للمستهلكين، مما يعني أنه في حالة وجود نزاع بين المشترك وإحدى شركات الاتصالات بشأن الخدمات التي تقدمها، إذا تعلق الأمر بالشروط التعسفية أو العقود المبرمة عن بعد، فإن شركات الاتصالات باعتباره موردة يجب عليها إثبات ما تدعيه، وكذلك في الحالات الأخرى التي يكون فيها المشترك هو المدعي عليه، فإن شركات الاتصالات يجب عليها أيضا اثبات عكس ما يدعيه المشترك. وفي مقابل اعفاء المشترك من الاثبات في الحالات السابقة سواء كان مدعى او مدعى عليه، فإن صعوبة الاثبات تثور عندما يتعلق النزاع بغير هذه الحالات حيث يجب علية إقامة الدليل وتفنيد ما تدعيه شركات الاتصالات بمختلف وسائل الاثبات كما حددها الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود وهي إقرار الخصم، الحجة الكتابة، القرينة، الشهود، اليمين والنكول عنها.

واذا كانت القاعدة العامة في قانون الالتزامات والعقود تقتضي أن المشترك يمكنه إثبات حقوقه بمختلف وسائل الاثبات المقررة قانونا، فإن هذه القاعدة تبقى نسبية، خاصة عندما لا يعتد القضاء ببعض الوسائل لإثبات بعض الواقع، ففي القرار رقم 55 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس، “حيث تقدم المدعي بمقال عرض فيه أنه أبرم مع شركة اتصالات المغرب عقدا منذ سنة 2002 من أجل تزويد محله بخدمات الربط عبر الهاتف الثابت في سياق ما يعرف بالمخادع الهاتفية بعد أن أنفق مبالغ مالية مهمة من أجل تزويد محله بالمعدات اللازمة ووافقت المدعى عليها، وزودته بالخطوط الهاتفية، غير أنها بعد انطلاق المشروع أصبحت هذه الخطوط تتعرض لانقطاعات متكررة دون أن تفلح الشكايات والتظلمات في وضع حد لها، مما تسبب له في أضرار فادحة، وقد قضت المحكمة أنه كان يجب عليه أن يُثبت قيام عناصر هذه المسؤولية في مواجهتها، من خطا وضرر وعلاقة سببية بينهما، كما اعتبرت في نفس السياق أن الإدلاء بالشكايات الصادرة عنه لا يمكن اعتمادها كحجة للقول بمسؤولية شركة الاتصالات عن هذه الانقطاعات، ونفسه الأمر بالنسبة لشهادة الشهود حيث قضت المحكمة، أنه لا يمكن اعتمادها في هذه النازلة باعتبار أن الأمر يتعلق بمسألة فنية صرفة لا يمكن اثباتها إلا من طرف خبير مختص في مثل هذه الشؤون التقنية”.

ومن خلال هذا القرار يظهر أن الصعوبات التقنية التي تحول دون اثبات حق المشترك يمكن أن تتجسد في أكثر من صورة واحدة، فمنها ما يجعل المشترك ملزما بالإثبات ومنها ما يتعلق بمحدودية وسائل الاثبات المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، خاصة عندما يعتد القضاء ببعض الوسائل دون الاخرى، إضافة إلى عدم قبول الشكايات المقدمة لشركات الاتصالات كوسيلة لإثبات الضرر في ظل التقاعس عن التفاعل مع شكايات المشتركين.

لذلك يتعين على القضاة عند النظر في القضايا التي يكون أحد طرفيها مشترك في مواجهة مهني، أن يأخذوا بعين الاعتبار كون المشترك يتعاقد بشأن خدمة جديدة بالنسبة إليه وفي غير مجال اختصاصه، على خلاف شركات الاتصالات بصفتها مهني محترف في قطاع الاتصالات، كما يجب على المشرع المغربي توسيع نطاق الحالات المنصوص عليها في القانون المتعلق بحماية المستهلك، والتي تقضي بقلب عبء الاثبات إلى المهني عوض المستهلك، ونفس الشيء يجب على القضاة مدرعاته عن النظر في قضايا عقود الاشتراك.

وعموما، فإذا نظرنا إلى العصوبات ذات الطابع القانوني والتقني نجد أن تجاوزها يعني تقوية مكانة المشتركين في خدمات الاتصالات، لذلك يجب على جميع الفاعلين في قطاع الاتصالات العمل على تجاوز هذه التحديات بما يحقق التوازن بين أطراف عقد الاشتراك، بما في ذلك المشرع المغربي، وإن كان يتضح من خلال التعديلات المدخلة على القانون المتعلق بالبريد والمواصلات وإصدار القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك أن هناك رؤية استشرافية من طرفه فيما يتعلق بتقنين الاتصالات، وتعزيز حماية المشتركين.

خاتمة:

في ضوء ما سبق، حاولنا تسليط الضوء على اشكالية أساسية تمثلت في مدى كفاية النصوص القانونية المنظمة لقطاع الاتصالات في تحقيق الحماية اللازمة للمشتركين وتحقيق التوازن بين أطراف عقود الاشتراك، مراعيا في ذلك التشريع المغربي من ناحية وبعض التشريعات المقارنة من ناحية أخرى، وانطلقا من الفرضيات التي تم تبنيها في بداية البحث، قد تأكدت صحتها من خلال المعطيات السابقة لاسيما ما يتعلق بغياب نص قانوني مستقل خاص بعقود الاشتراك، وهينة الشروط التعسفية، التي تكرس التفوق التقني والمهني بين المشترك وشركات الاتصالات.

لذاك ركزت الدراسة، على ابراز أهم التحديات القانونية، والتقنية التي تحول دون تحقيق الحماية اللازمة للمشتركين على المستوى القانوني والعملي، وقد ظهر أن تجاوز هذه الصعوبات من شأنه أن يزيد من ثقة الزبناء في شركات الاتصالات ويزيد من إقبالهم على الخدمات التي تقدمها.

كما خلصنا إلى أن إبرام عقود الاشتراك مع مقدمي خدمات الاتصالات، أصبحت من العقود التي تعرف اقبالا كبيرا من طرف المشتركين، سواء كانوا اشخاص طبيعية أو اعتبارية، بغية تحقيق أغراضهم الشخصية أو العائلية أو المهنية، إلا أن الإقبال الكبير على خدمات الاتصالات أثر -بطريقة غير مباشرة- على الطريقة التقليدية التي يتم من خلالها إبرام العقود، مما ترتب عنه مجموعة من النزاعات على مستوى الواقع، ويعود ذلك إلى العديد من العوامل من بينها كونها عقود غير مسماة أو غير منظمة في التشريع المغربي، وضعف الرقابة الإدارية على قطاع الاتصالات، وهكذا، ففي ظل قصور الحماية المقررة للمشتركين، سواء على المستوى القانوني أو المؤسساتي، كان من الضروري البحث في المقتضيات الحمائية للمشتركين.

ولأجل ما سبق، نقدم بعض المقترحات والحلول التي ربما تساهم في الحد من الوضعية الهشة التي يعاني منها المشتركين في خدمات شركات الاتصالات:

  • يجب على المشرع المغربي التدخل على مستوى عقود الاشتراك. واستحداث نصوص قانونية وتشريعية خاصة بقطاع الاتصالات، بحيث تراعي مصلحة المشترك بصفته طرفا ضعيفا في عقد الاشتراك، أو على الأقل تحديث القانون المتعلق بحماية المستهلك بأن يتضمن قسما خاصا بعقود الاشتراك وبشكل يتلاءم مع ما تعرفه هذه العقود من تعقيدات. إضافة إلى ما سبق فمن بين الأسباب التي توحي بضرورة تعديل القانون رقم 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات، انه تم تعديليه مرات عديدة منذ صدوره إلى سنة 2019، مما يعني أن قطاع الاتصالات من القطاعات الفنية والتقنية التي تحتاج المواكبة التشريعية المستمرة من أجل الإحاطة بمختلف هذه المستجدات.
  • إلزام شركات الاتصالات بتضمين عقود الاشتراك وفاتورات الأداء مزيدا من المعلومات والبيانات، حتى يتمكن المشترك من الإلمام بشروط الخدمة التي يستفيد منها بشكل يحقق الشفافية والوضوح.
  • التخفيف من حدة الشروط المفروضة على جمعيات حماية المستهلك حتى تتمتع بصفة المنفعة العامة والحق في تمثيل المشتركين أمام القضاء.
  • ضمان تمثيلية المشتركين في أجهزة ادرة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات.
  • تعزيز سلطة الوكالة الوطنية لتقينين المواصلات إلى إلغاء الشروط الغير العادلة بما في ذلك البنود التعسفية في عقود الاذعان.
  • ما دام أن العقود النموذجية تساهم في تكريس الطابع الاذعاني في عقود الاشتراك يجب تدخل المشرع المغربي لتحديد الشروط العامة التي يجب أن يتضمنها العقد النموذجي، او تعميم نموذج واحد لعقود الاشتراك تعتمد عليه شركات الاتصالات.
  • بما أن خدمات الاتصالات يطغى عليها الطابع التقني والفني فعادة ما يستعصي على المشترك اثبات حقوقه، لذلك يجب إعادة النظر في قواعد الاثبات سواء من خلال قانون الالتزامات والعقود أو قانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك، عن طريق جعل عبء الاثبات دائما على عاتق شركات الاتصالات عوض حصرها في حالات محددة.

لائحة المراجع:

المؤلفات:

أحمد عبد العزيز الشيخ، “الحماية القانونية لمشترك تكنلوجيا الاتصالات”، مطبعة دار الجامعة الجديدة لطباعة والنشر، لسنة 2022.

عبد الحكيم زروق، “التنظيم القانوني للمغرب الرقمي” مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2013.

عبد الرحمان الشرقاوي، عقد الاشتراك المائي بين مفهوم الملك العمومي المائي وهاجس حماية المستهلك”، دون ذكر المطبعة، الطبعة الأولى، 2017.

عبد القادر العرعاري، “مصادر الالتزام الكتاب الاول نظرية العقد” مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الاولى، 2018.

العربي محمد مياد”، عقود الإذعان بين التأصيل الفقهي والعمل القضائي”، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة 2018.

الاطاريح الجامعية:

  • – يوسف المومني، “الامن التعاقدي لمستهلكي الخدمات، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية 2022-2023.
  • – إسماعيل بلفقي، “البعد التنموي لحماية المستهلك الجانب الاقتصادي نموذجا” أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، بجامعة عبد الملك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2021- 2022.

حاسي جهاد، “الأحكام القانونية للعقود النموذجية” أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، بجامعة ابن خلدون تيارات، كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2019-2020.

محمد البقالي، “ضبط وحماية الاتصالات الإلكترونية بالمغرب”، اطروحة لنيل شهادة الدكتورة، جمعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدار البيضاء. الموسم الجامعي، 2010.2011. محمد العمارتي، “منازعات عقود الاشتراك في الخدمات على ضوء قانون 31.08” أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، السنة الجامعية 2018-2019.

المقالات:

– أحمد الكويسي، “ضبط العلاقة بين متعهدي الشبكات العامة للاتصالات وأثر ذلك على حقوق المستهلك”.

Formes et Institutions de régulation dans l’espace euro-méditerranéen: contributions au colloque du 15-16 avril 2005 et au forum de régulation du 9 décembre 2005, centre de droit des obligations et des contrats, faculté des droit, Imp. Oumaima. 2005.

– عبد الحميد أخريف، “ولوج المستهلك لخدمات الاتصالات بالمغرب”، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، العدد الأول، أكتوبر 2007.

علال فالي، “حماية المستهلك في عقود التأمين النموذجية”، التقرير السنوي لمحكمة النقض 2017، مركز النشر والتوثيق القضائي بمحكمة النقض، مطبعة الأمنية الرباط 2018، منشور على الموقع التالي:

– يوسف أحمد النوافلة، “النظام القانوني لعقود الاتصالات”، دراسة مقارنة بين القانونين الاماراتي والأردني، مقال منشور بمجلة جامعة العين للأعمال والقانون، الإصدار الأول، السنة الاولى2017.

التقارير:

– تقرير مجلس المنافسة، “دراسة حول المنافسة في قطاع الهاتف النقال”، تقرير تركيبي نسخة ماي 2011. منشور بالموقع التالي: https://tinyurl.com/4vc9967a

المراجع الأجنبية:



Source link

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لو تتكرم بدعمنا ، وقم بتعطيل إضافة مانع الإعلانات لتصفح المحتوى .