خصوصية المسؤولية العقدية للمهندس والمقاول في القانون المدني الأردني الدكتور : محمد علي أحمد العماوي
[]
خصوصية المسؤولية العقدية للمهندس والمقاول في القانون المدني الأردني
The Specific Nature of Contractual Liability of the Engineer and the Contractor under Jordanian Civil Law
الدكتور : محمد علي أحمد العماوي
أستاذ مساعد في جامعة عمان الأهلية/ الأردن
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
خصوصية المسؤولية العقدية للمهندس والمقاول في القانون المدني الأردني
The Specific Nature of Contractual Liability of the Engineer and the Contractor under Jordanian Civil Law
الدكتور : محمد علي أحمد العماوي
أستاذ مساعد في جامعة عمان الأهلية/ الأردن
ملخص
تتميّز المسؤولية العقدية لكل من المهندس والمقاول في عقود المقاولات بطبيعة خاصة تنبع من الخصوصية الفنية والعملية لهذا النوع من العقود؛ إذ يربط العقد ما بين مهنيين ذوي خبرة فنية (المهندس والمقاول) وصاحب عمل يفتقر للمعرفة الفنية، مما يفرض ضرورة توفير حماية قانونية لصاحب العمل كطرف ضعيف، كما أن الأضرار الناجمة عن العيوب في البناء لا تقتصر على صاحب العمل فحسب، بل تمتد لتشمل السلامة العامة، ما يضفي على هذه المسؤولية بُعدًا يتجاوز الإطار التعاقدي التقليدي.
ورغم استقلال العلاقة العقدية بين المهندس والمقاول من جهة، وصاحب العمل من جهة أخرى، إلا أن هناك تداخلاً وظيفيًا بين أعمال المهندس والمقاول، حيث يعمل المقاول تحت إشراف المهندس ووفقاً للتصميمات التي يضعها، مما يجعل الخطأ في التنفيذ في الغالب خطأً مشتركًا.
وقد كرّس المشرع الأردني ازدواجية المسؤولية العقدية لكل من المهندس والمقاول، حيث تخضع مسؤوليتهما للقواعد العامة قبل التسليم النهائي للعمل، بينما تنشأ مسؤولية عقدية خاصة – تُعرف بالضمان العشري – بعد التسليم النهائي، وتنقضي هذه المسؤولية بانقضاء مدة العشر سنوات ما لم يظهر خلالها عيب يهدد متانة البناء أو يؤدي إلى انهياره، لتعود بعد ذلك القواعد العامة للمسؤولية العقدية.
كلمات مفتاحية: مسؤولية معمارية، عقد مقاولة، مهندس، مقاول، ضمان عشري.
Abstract
The contractual liability of both the engineer and the contractor in construction contracts is characterized by a particular nature that stems from the technical and practical specificity of such agreements. These contracts typically bind professionals with specialized expertise (the engineer and the contractor) to an employer who lacks technical knowledge, thereby necessitating the provision of legal protection for the employer as the weaker party. Moreover, the damages resulting from construction defects are not limited to the employer alone but may also affect public safety, which gives this type of liability a dimension that extends beyond the traditional contractual framework.
Although the contractual relationship between the engineer and the contractor on the one hand, and the employer on the other, is formally independent, there exists a functional interdependence between their respective roles. The contractor performs the work under the supervision of the engineer and in accordance with the designs provided by the latter, which often renders liability for construction defects a shared fault.
The Jordanian legislator has established a dual regime of contractual liability for both the engineer and the contractor. Their liability is governed by the general rules of contract law prior to the final delivery of the construction work. However, following final delivery, a special contractual liability—referred to as decennial liability—arises. This liability remains in effect for ten years unless, during that period, a defect appears that threatens the structural integrity of the building or causes its total or partial collapse. In the absence of such a defect, general contractual liability rules reapply thereafter.
Keywords: Architectural liability, construction contract, engineer, contractor, decennial liability.
مقدمة
تستمد المسؤولية العقدية للمهندس والمقاول خصوصيتها من خصوصية المشكلات الفنية والعملية التي تطرحها مقاولات البناء، فمن جانب يقوم عقد المقاولة بين مهندس أو مقاول، كأطراف مهنية تحترف العمل المعماري وتُلمَّ بأصوله الفنية، وبين صاحب عمل ضعيف الخبرة والمعرفة بأصول هذا الفن، الأمر الذي يستوجب تقرير حماية قانونية خاصة بصاحب العمل كطرف ضعيف تخفف من اختلال المراكز التعاقدية في عقد المقاولة، وتعيد التوازن بين هذه المراكز بحكم القانون.
ومن جانب أخر، تتجاوز الأضرار التي يمكن وقوعها نتيجة تعيّب البناء أو المنشأة في نطاقها الشخصي، شخص صاحب العمل وماله، بل تمتد أيضاً لتشمل كذلك السلامة العامة، فهي ليست أضراراً تعاقدية تصيب صاحب العمل المتعاقد وحسب، بل هي اضرار عامة يمتد تأثيرها ليشمل المصلحة العامة.
إضافة إلى ذلك، فإن المهندس والمقاول وإن كان كل منهما يرتبط بموجب عقد مستقل مع صاحب العمل، بل ورغم اختلاف طبيعة عمل كل منهما؛ إذا يقوم المهندس بعمل ذهني بينما يقوم المقاول بعمل مادي، إلاّ أن هناك تداخل عملي بين أعمالهما، إذ يعمل المقاول بحسب التصميمات والمقايسات التي وضعها المهندس، ويخضع المقاول في تنفيذ العمل المعماري لإدارة واشراف المهندس، لذا فإن العيب أو الخلل الذي قد يصب البناء يكون راجعاً في الغالب لخطأ مشترك من المهندس والمقاول، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المقصود بالمهندس والمقاول بحسب القانون المدني الأردني كل شخص اتخذ لنفسه هذه الصفة والدور المنوط بصاحبها، ولا أدل على ذلك من تعبير المشرع الأردني في المادة (789) من القانون المدني الأردني:”.. أو بإشراف صاحب العمل الذي اقام نفسه مقام المهندس..”.
لقد اقتضت الاعتبارات السابقة ازدواجية المسؤولية العقدية للمهندس والمقاول في عقد المقاولة، حيث اتخذ المشرع الأردني من تاريخ التسليم النهائي للعمل المعماري فاصلاً قانونياً لنوعين من مسؤولية المهندس والمقاول العقدية، حيث تحكم المسؤولية العقدية بأحكامها العامة مسؤولية المهندس والمقاول في الفترة السابقة لتاريخ التسليم النهائي للعمل المعماري، فيما تحكم مسؤولية عقدية ذات طبيعة خاصة مسؤولية المهندس والمقاول في الفترة الزمنية اللاحقة لتاريخ التسليم النهائي، والتي تمتد حتى عشر سنوات من هذا التاريخ، وبالنظر الى هذه المدة أطلق على هذا النوع من المسؤولية مسمى المسؤولية العشرية أو الضمان العشري، ولا بد من التأكيد هنا على أن مدة العشر سنوات المذكورة هي مدة اختبار لمتانة البناء وصلابته، فإذا ما انتهت مدة العشر سنوات دون ظهور عيب في البناء يهدد متانته وصلابته أو دون تهدم البناء كلياً أو جزئياً عادت المسؤولية العقدية بأحكامها العامة لتحكم مسؤولية المهندس والمقاول في عقد المقاولة من جديد حتى تقادم هذه المسؤولية بمرور خمسة عشر عاماً على تحقق الضرر أو انكشاف العيب أيهما أقرب.
المبحث الأول
المسؤولية العقدية العامة للمهندس والمقاول
تحكم المسؤولية العقدية العامة للمهندس والمقاول مجموعة من القواعد العامة، على أن تلك القواعد ليست من النظام العام، إذ يجوز لأطراف عقد المقاولة تعديلها تخفيفاً أو تشديداً أو اعفاء:
المطلب الأول
الأسباب الموجبة للمسؤولية العقدية العامة للمهندس والمقاول
الفرع الأول
خطأ المهندس والمقاول
أولاً- خطأ المهندس:
يلتزم المهندس بما ورد في العقد من التزامات صريحة، كالالتزام بوضع التصميمات والرسوم الهندسية والمقايسات، والالتزام بفحص التربة ومدى قدرتها على حمل البناء، والالتزام بإدارة موقع العمل والاشراف على التنفيذ، كما يلتزم بما هو من مستلزمات العقد، حيث يقع على عاتق المهندس جملة من الالتزامات التي توجبها أصول مهنته وأخلاقياتها، كالالتزام بالقوانين والأنظمة الإدارية المنظمة للعمل المعماري، والالتزام بمواكبة التطورات والمعارف والمستجدات الفنية الخاصة بمهنته، والالتزام بتقديم النصح والمشورة والرأي لصاحب العمل، والالتزام بمبدأ حسن النية في تنفيذه لكافة التزاماته.
ويشكلّ الاخلال بأي من هذه الالتزامات خطأ مُوجباً للمساءلة المدنية إذا ما ترتب عليه ضرر، ويختلف الخطأ من حيث درجة ثبوته بحسب طبيعة الالتزام الذي تم الاخلال به، فإذا كان الالتزام من حيث طبيعته التزاماً ببذل جهد كان الخطأ واجب الاثبات، فلا بد لرب العمل من اثبات عدم بذل المهندس الجهد المطلوب منه في تأدية التزامات، وبعبارة أخرى لا بد من اثبات تقصير المهندس أو اهماله لقيام خطئه، أما إذا كان الالتزام هو التزام بتحقيق نتيجة كان الخطأ مفترضاً، حيث يثبت الخطأ لمجرد غياب هذه النتيجة دونما حاجة إلى اثبات تعديه او تقصيره أو اهماله.
ثانياً-خطأ المقاول:
المهمة الأساسية للمقاول هي تنفيذ العمل المعماري وفقا لشروط العقد خالياً من العيوب، ولمّا كانت عيوب التصميمات التي يضعها المهندس لا تظهر في الغالب إلاّ عند التنفيذ فيقع على المقاول التأكد من سلامة هذه التصميمات عند وضعها موضع التنفيذ، وإذا اشترط على المقاول تقديم مادة العمل كلها او بعضها وجب عليه تقديمها طبقا لشروط العقد، وإذا كان صاحب العمل هو الذي قدم مادة العمل وجب على المقاول ان يحرص عليها وان يراعي في عمله الاصول الفنية وان يرد لصاحبها ما بقي منها فان وقع خلاف ذلك فتلفت او تعيبت او فقدت فعليه ضمانها.
كما يقع على المقاول التزام الامتثال الإيجابي لأوامر صاحب العمل والمهندس، وعليه أن برفض كل أمر يخالف أصول مهنته وأخلاقياتها، فلا يخضع مثلاً لأوامر صاحب العمل بخفض تكلفة البناء عن التكلفة الحقيقية ابتغاء التوفير المالي، وعليه في هذه الحالة تقديم النصح لصاحب العمل.
والتزام المقاول بتنفيذ التزامه تنفيذا خالياً من العيوب هو دائماً التزام بتحقيق نتيجة، إذ يكفي تعيب البناء لقيام خطئه دون حاجة الى اثبات تعديه او تقصيره أو اهماله، ويمكن أن يرجع خطأ المقاول إلى عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي للعمل المعماري، على أن عدم تنفيذ المقاول لالتزامه على نحو مؤقت قد يكون بسبب امتناع صاحب العمل عن تنفيذ التزاماته، حيث يكون عدم تنفيذ المقاول في هذه الحالة من قبيل الدفع المشروع بعدم التنفيذ.
كما قد يرجع الى عيب في التنفيذ، حيث تغطي المسؤولية العقدية للمهندس والمقاول بحسب قواعدها العامة كافة العيوب التي قد تصيب العمل المعماري، سواء تعلق الأمر بخلل بسيط يمكن إصلاحه خلال مدة معقولة بحيث لا يفوت الغرض المرجو من العقد، أو تعلق الأمر بخلل جسيم يهدد متانة البناء وصلابته.
كما يتصور خطأ المقاول عند التأخر في تنفيذ التزامه، والغالب في هذا الفرض أن يتم تضمين عقد المقاولة شرطاً جزائياً ينص على مبلغ التعويض النقدي المستحق عن كل مدة تأخير.
الفرع الثاني
الضرر وعلاقة السببية
أولاً- الضرر:
الضرر الموجب للمسؤولية العقدية العامة للمهندس والمقاول وفقاً للقواعد العامة هو كل ضرر مباشر، أي أن يكون الضرر نتيجة طبيعية لخطأ المهندس أو المقاول، ويكون الضرر غير مباشر إذا كان بإمكان صاحب العمل أن يتوقاه ببذل جهد معقول، كما يشترط في الضرر أن يكون متوقعاً، أي يدخل في دائرة تنبؤ المتعاقدين، على أنه يبقى المدين مسؤولا عما يأتيه من غش او خطا جسيم.
ثانياً-علاقة السببية:
يُشترط في خطأ المهندس أو المقاول الموجب لمسؤوليتهما العقدية أن يكون سبباً مباشراً في إحداث الضرر، فإن كان الضرر راجعاً لسبب أجنبي عن المهندس والمقاول انقطعت علاقة السببية بين خطأهما والضرر فتنتفي مسؤوليتهما، وبالتالي يخرج من دائرة الضرر الموجب للمسؤولية كل ضرر يرجع الى أمر استثنائي عام لا يمكن توقعه، ولا يمكن دفعه، ويترتب عليه استحالة تنفذ الالتزام كالقوة القاهرة، على أن ما يعتبر من قبيل القوة القاهرة يختلف باختلاف مكان البناء، فالمهندس في اليابان يجب عليه أن يأخذ الزلازل كأمر مألوف في اليابان بعين الاعتبار عند وضع تصميم البناء، ومن ثم لا يعتبر الزلزال أمراً استثنائياً لا يمكن توقعه.
على أن الأمر الاستثنائي غير المتوقع والذي لا يمكن دفعه، إذا كانت نتيجته جعل تنفيذ الالتزام مرهقاً للمقاول لا مستحيلاً، بحيث يكون من شأن اجبار المقاول على تنفيذ التزامه تعريضه لخسارة مالية كبيرة، فإن التزامه يكون قابلاً للتعديل من خلال القضاء، بما يتلاءم والظرف الطارئ.
كما تنقطع بفعل الغير علاقة السببية بين خطأ المهندس والمقاول والضرر، كالجار الذي يباشر حفريات في أرضه الملاصقة للبناء، فيؤدي ذلك الى تصدع اساسات البناء، كما قد يشارك صاحب العمل نفسه بفعله في احداث الضرر، وتتدرج مساهمة صاحب العمل في احداث الضرر، إذ قد يكون فعله هو العامل الوحيد في إحداث الضرر فتنتفي مسؤولية المهندس والمقاول، وقد يساهم بفعله في إحداث الضرر إلى جانب فعل المهندس أو المقاول، فيتم تخفيض التعويض المستحق لصاحب اعمل بنسبة مساهمته أو مشاركته في احداث الضرر.
المطلب الثاني
أثر قيام المسؤولية العقدية العامة للمهندس والمقاول
أولاً- التعويض:
إذا استجمعت المسؤولية العقدية العامة للمهندس والمقاول أسباب انعقادها، ترتب الأثر بوجوب التعويض، والتعويض قد يكون نقدياً، كما قد يكون عينياً بإصلاح العيب إن أمكن ذلك خلال مدة معقولة بحيث لا يفوت الغرض المرجو من العقد.
ثانياً- التضامن بين المهندس والمقاول:
إذا كان الضرر راجعاً الى الخطأ المشترك بين المهندس والمقاول، التزم كل منهم بدفع حصته من التعويض بقدر نسبة خطأه في إحداث الضرر، فلا تضامن بين المهندس والمقاول بحسب الأحكام العامة للمسؤولية العقدية إلاّ إذا تم الاتفاق عليه بنص صريح في العقد أو القانون.
ثالثاً- التقادم:
يجب على صاحب العمل رفع دعوى المسؤولية العقدية خلال خمسة عشر عاماً من تاريخ انكشاف العيب الموجب للتعويض أو تحقق الضرر أيهما أقرب.
المبحث الثاني
مسؤولية المهندس والمقاول العشرية
المسؤولية العشرية هي تطبيق خاص للأحكام العامة للمسؤولية العقدية، شددّ فيها المشرع مسؤولية المهندس والمقاول، وسنحاول هنا إبراز أوجه خصوصية المسؤولية العشرية مقارنة بالأحكام العامة للمسؤولية العقدية:
المطلب الأول
الأسباب الموجبة للمسؤولية العشرية
أولاً- التسلم النهائي للعمل المعماري:
يترتب على التسليم عدد من الآثار؛ كتطهير البناء من العيوب الظاهرة التي قبلها صاحب العمل، كما يترتب على التسليم انقضاء بعض الالتزامات التعاقدية، كالتزام المهندس بالإشراف على التنفيذ، على أن الأثر الأهم للتسليم النهائي هو بدء سريان مهلة العشر سنوات، وهي مدة قررها المشرع لضمان متانة وصلابة البناء، و تشكّل النطاق الزمني لبدء المسؤولية العشرية، وانتهاء تطبيق القواعد العامة للمسؤولية العقدية، على أنه يجدر الإشارة إلى أنه لمّا كانت متانة البناء وصلابته من متطلبات السلامة العامة، فإن أحكام المسؤولية العشرية تعتبر من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها سواء بالتخفيف أو الاعفاء منها، على أنه يجوز تشديد احكام هذه المسؤولية، باعتبار أن ما قرره المشرع من أحكام يشكّل الحد الأدنى الذي يمكن لأطراف عقد المقاولة زيادته، وعليه فإن مدة العشر سنوات التي قررها المشرع كمدة اختبار لمتانة البناء وصلابته تشكّل الحد الأدنى الذي يمكن زيادته.
ثانياً- أن يتعلق الأمر بعملية تشييد لبناء أو منشأة ثابتة، وعليه تخرج المنشاءات الغير ثابتة من نطاق المسؤولية العشرية، كما تخرج أعمال الترميم كذلك من نطاق هذه المسؤولية.
ثانياً- اكتشاف عيب يهدد متانة البناء وصلابته خلال مدة العشر سنوات التالية للتسليم النهائي للعمل المعماري:
والعيب الموجب للمسؤولية العشرية يختلف عن العيب الموجب للمسؤولية العقدية بقواعدها العامة، فالعيب في المسؤولية العقدية يشمل كافة العيوب أيّاً كانت درجة جسامتها، أما العيب الموجب للمسؤولية العشرية فيجب أن يكون على درجة من الخطورة والجسامة بحيث يهدد متانة البناء وصلابته، أو يؤدي فعلياً الى تهدم البناء كلياً أو جزئياً، ويشمل العيب سوء التنفيذ كما يشمل ايضاً كل خلل راجع الى التربة التي أقيم عليها البناء.
والعيب هنا هو عيب خفي، لا يستطيع صاحب العمل غير المحترف لأصول الفن المعماري اكتشافه، بل يحتاج الى محترف أو مهني خبير، لذا فإن المسؤولية العشرية لا تحكم العلاقة بين المقاول الأصلي والمقاول الفرعي لانتفاء الحكمة التي على أساسها تم إقرار المسؤولية العشرية، حيث أن كلاً من المقاول الأصلي والمقاول الفرعي يقفون على قدم المساواة من حيث احترافهم لأصول المهنة.
وقد اعتبر القضاء الأردني في حكم له أن التشقق الذي يحتاج إلى إصلاح، ويؤثر على متانة البناء بمثابة التهدم الجزئي يستوجب المسؤولية العشرية.
المطلب الثاني
أثر قيام المسؤولية العشرية
أولاً- التعويض:
إذا استجمعت المسؤولية العشرية للمهندس والمقاول أسباب انعقادها، ترتب الأثر بوجوب التعويض، والتعويض قد يكون نقدياً، كما قد يكون عينياً بإصلاح العيب إن أمكن ذلك خلال مدة معقولة بحيث لا يفوت الغرض المرجو من العقد، فإذا تم تسليم البناء بعد إصلاحه، بدأ سريان المهلة العشرية من تاريخ هذا التسليم.
ويستفيد من دعوى المسؤولية العشرية صاحب العمل وخلفه العام والخاص، حيث يستفيد مشتري العقار الذي تهدم كليا أو جزئياً، أو تم اكتشاف عيب به يهدد متانته من دعوى المسؤولية العشرية، باعتبار أن الدعوى من ملحقات حق ملكية العقار، تثبت لحق الملكية أيًاً كان شخص المالك، وبالتالي لا تثبت هذه الدعوى لمستأجر العقار الذي ينتقل اليه حق الانتفاع بالعقار دون حق ملكيته.
ثانياً- التضامن بين المهندس والمقاول:
يسأل في المسؤولية العشرية كل من المهندس والمقاول على وجه التضامن، وهو تضامن مقرر بنص القانون، حيث يستطيع صاحب العمل الرجوع على أيّ منهما بكامل التعويض المستحق، على أن يكون للطرف الذي دفع كامل التعويض الرجوع على الطرف الأخر بنصيبه منه، ويبقى المقاول والمهندس ضامنين ومسؤولين عن العيب، إلا إذا كان سببه أجنبيا، فعندئذ تنتفي مسؤوليتهم بإثباتهم السبب الأجنبي الذي لا يد لهم فيه.
والتعويض الواجب في المسؤولية العشرية قد يكون تعويضاً نقدياً، كما قد يكون تعويضاً عينياً بإصلاح العيب خلال مدة معقولة إن كان ذلك ممكناً، وفي هذه الحالة تنقطع مدة العشر سنوات خلال مدة الإصلاح، ثم تبدأ من جديد من تاريخ تسلم العمل بعد إصلاحه على نحو ما ذكرنا.
ولمّا كان العيب الموجب للمسؤولية العشرية غالباً ما يرجع الى سوء تنفيذ المقاول لمقاولته، لذا فإن تضامن المهندس مع المقاول بقوة القانون، قد يشكل خطراً على المهندس، لا سيما إذا اقتصرت مهمة المهندس على وضع التصميم دون الاشراف على التنفيذ، لذا فقد حرّص المشرع الأردني على تقرير مسؤولية المقاول وحده في هذه الحالة، وهذا ما أكدته قرارات محكمة التمييز الأردنية.
ثالثاً- التقادم:
يجب على المستفيد من المسؤولية العشرية أن يبادر الى رفع دعواه خلال مدة سنة من تاريخ اكتشاف العيب أو التهدم، فإذا انتهت هذه المدة دون رفع الدعوى، عادت المسؤولية العقدية بقواعدها العامة لتحكم مسؤولية المهندس والمقاول.
المراجع
- القانون المدني الاردني رقم (43) لعام 1976
- د. محمد شكري سرور، مسئولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة الأخرى، دراسة مقارنة في القانون المدني المصري والقانون المدني الفرنسي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1985، الطبعة الأولى.
- د. محمد ماجد خلوصي، العقود الهندسية، دار النشر للجامعات، الطبعة الأولى، 1996.
- قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 2490 / 2005 تاريخ 8/3/2006، منشورات عدالة.
- قرار محكمة التمييز الأردنية (حقوق) رقم 57 /1984 مجلة نقابة المحامين، ص1769.
- قرار محكمة التمييز الأردنية (حقوق) رقم 245 / 1991مجلة نقابة المحامين، لسنة 1991، ص.1798.
- قرار محكمة التمييز الأردنية (حقوق) تمييز حقوق رقم 1338 / 2004 تاريخ 2004/6/10 منشورات مركز عدالة.
- قرار محكمة التمييز الأردنية (حقوق) رقم (501/ 1988) (هيئة خماسية) تاريخ 1/1/1988.
- قرار محكمة التمييز الأردنية (حقوق) رقم 2143/ 2007 هيئة خماسية تاريخ 2/1/2077.
- قرار محكمة التمييز الأردنية (حقوق) رقم 471/ 2002 هيئة خماسية تاريخ 28/2/202، منشورات عدالة.
- قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 1210 / 2007 هيئة خماسية تاريخ 18/10/2007.
- قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 2007/1210 هيئة خماسية تاريخ 18/10/2007،
- قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 269 / 1986 و207 / 1987 منشورات عدالة.