مدى اعتبار مسطرة الاستماع للأجير من النظام العام – الدكتور فيصل كرمات، الدكتور نجيب الصالحي،
[]
مدى اعتبار مسطرة الاستماع للأجير من النظام العام
الدكتور فيصل كرمات،
أستاذ محاضر، جامعة مولاي إسماعيل
الدكتور نجيب الصالحي،
باحث في القانون الخاص
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
مدى اعتبار مسطرة الاستماع للأجير من النظام العام
الدكتور فيصل كرمات،
أستاذ محاضر، جامعة مولاي إسماعيل
الدكتور نجيب الصالحي،
باحث في القانون الخاص
ملخص
تعد مسطرة الاستماع إحدى الضمانات الجوهرية التي فرضها المشرع المغربي على المشغل في حالة الفصل التأديبي للأجير، وذلك بهدف تعزيز التوازن في العلاقة الشغلية، ومنح الأجير فرصة للدفاع عن نفسه قبل إصدار أي قرار قد يمس بمركزه القانوني والمهني. غير أن الفقه والاجتهاد القضائي لم يستقرا على موقف موحد بشأن الطبيعة القانونية لهذه المسطرة، خصوصا ما يتعلق بمدى ارتباطها بالنظام العام، مما أفرز موقفين متباينين.
بالنسبة للموقف الأول، يرى أن مسطرة الاستماع تعد من النظام العام الإجرائي، وبالتالي يجوز للمحكمة أن تثير تلقائيا مسألة خرقها، حتى في غياب أي دفع أو طلب من لدن الأجير. ويستند هذا الرأي إلى الطابع الحمائي الذي يميز تشريع الشغل، خصوصا على مستوى الإثبات.
أما الموقف الثاني، فيرى أن القواعد المنظمة لمسطرة الاستماع للأجير آمرة، لكنها ليست من النظام العام، إذ يتم التمييز في هذا الإطار بين القواعد الآمرة وقواعد النظام العام، ويذهب إلى أن مسطرة الاستماع، رغم إلزاميتها، لا تدخل ضمن النظام العام بالمعنى الذي يخول للمحكمة إثارة خرقها تلقائيا. وبحسب هذا الرأي، يتعين على الأجير أن يبادر إلى التبليغ عن الخرق لدى مفتش الشغل، وأن يتمسك بذلك صراحة أثناء المرحلة القضائية.
“The Employee Hearing Procedure and Its Relation to Public Policy”
Dr. Faycal GUERMAT,
Associate Professor, Moulay Ismail University
Dr.Najib ESSALEHI,
researcher in private law
Abstract
The hearing procedure is one of the fundamental safeguards imposed by the Moroccan legislator on the employer in cases of disciplinary dismissal, with the aim of reinforcing balance in the employment relationship and granting the employee an opportunity to defend themselves before any decision is made that could affect their legal or professional status.
However, legal doctrine and judicial practice have not reached a unified position regarding the legal nature of this procedure, particularly in terms of its relationship to public policy, which has led to two divergent viewpoints.
The first viewpoint considers the hearing procedure as part of procedural public policy, which allows the court to raise the issue of its violation ex officio, even in the absence of any plea or request from the employee. This opinion is based on the protective nature of labor law, especially in the realm of evidentiary safeguards.
In contrast, the second viewpoint holds that the rules governing the hearing procedure are mandatory, but do not fall under public policy. This approach distinguishes between mandatory rules and public policy provisions, arguing that although the hearing procedure is binding, it does not constitute a public policy rule in the sense that would permit the court to invoke its breach on its own initiative. According to this opinion, the employee must take the initiative to report the violation to the labor inspector and must expressly raise it during judicial proceedings.
مقدمة
لقد حرص المشرع المغربي من خلال إقراره لمدونة الشغل على تحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية، في مقدمتها ترسيخ السلم والأمن الاجتماعيين، إلى جانب إقرار مجموعة من المقتضيات القانونية ذات الطابع الحمائي لفائدة الأجراء، سواء أثناء إبرام عقد الشغل، أو خلال تنفيذه، أو عند إنهائه.
ورغم اتفاق أغلب الباحثين والمختصين في علاقات الشغل على مشروعية حق المشغل في فصل الأجراء، فإن ما ينطوي عليه هذا الفصل من آثار سلبية على الأجير، سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو النفسية، استدعى ضرورة تدخل المشرع لتقييد سلطة المشغل في هذا الإطار، وذلك عبر إقرار ضمانات إجرائية جوهرية.
وفي هذا السياق، وضعت مدونة الشغل مسطرة قانونية دقيقة يجب على المشغل الالتزام بها عند رغبته في فصل الأجير. وتختلف هذه المسطرة تبعا لطبيعة الفصل. فإذا تعلق الأمر بفصل تأديبي بسبب ارتكاب الأجير لخطأ جسيم، فإن المشرع أوجب تمكين هذا الأخير من الدفاع عن نفسه، وذلك عبر الاستماع إليه بخصوص الأفعال المنسوبة إليه، ضمن مسطرة محددة وواضحة. وأي خرق لهذه الضمانات يجعل قرار الفصل متسما بالتعسف وغير مشروع من الناحية القانونية.
وبغية توفير ضمانات قانونية تحد من سلطات المشغل أثناء إعماله لمسطرة الفصل التأديبي للأجير باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، تم تحيين المقتضيات المتعلقة بهذه المسطرة في مدونة الشغل، وذلك في إطار مسايرة التشريع الاجتماعي المغربي لباقي التشريعات المقارنة الأخرى وملاءمته مع الاتفاقيات الدولية خصوصا اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 158 الصادرة سنة 1982 في شأن إنهاء الاستخدام بمبادرة من صاحب العمل، وكذا تجاوز النقائص التي كانت تشوب النظام النموذجي الصادر في 23 أكتوبر 1948 الذي كان يخلو من آليات قانونية كافية لحماية الأجراء من تعسف المشغلين، بالإضافة إلى غياب هيئة تأديبية تضمن تمثيل الأجراء ومنحهم الفرصة لتقديم دفوعاتهم.
وقد أثيرت بشأن مسطرة الاستماع للأجير مجموعة من النقاشات خصوصا ما يتعلق بمدى ارتباطها بالنظام العام الذي يعد فكرة واسعة وصعبة التحديد، تتغير بتغير الزمان والمكان. مما دفع بأغلب التشريعات إلى الإحجام عن تعريف النظام العام، وذلك بالنظر إلى استحالة حصر جميع الحالات التي تخالفه. فالقواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد، ويجب على الجميع مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم مخالفتها بناء على اتفاقات فيما بينهم، حتى لو حققت لهم هذه الاتفاقات مصالح فردية.
إن للنظام العام تطبيقات كثيرة ومتنوعة، إذ يمكن القول إن كل فروع القانون العام تتعلق بالنظام العام باعتبارها مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها ذات سلطة وسيادة. غير أن تطبيقات النظام العام لا تقتصر على فروع القانون العام، بل تشمل أيضا فروع القانون الخاص، فأحكام الزواج والميراث والوصية تتعلق بالنظام العام، ولا تخرج عن ذلك القواعد القانونية التي تحكم علاقات الشغل.
غير أن النظام العام في قانون الشغل يعرف مجالا واسعا بفعل تدخل الدولة التشريعي قصد توفير الحماية الاجتماعية لفئة الأجراء والتي ما فتئت تعتبر الطرف الأضعف في العقد، علاوة على المقتضيات الزجرية الواردة في مدونة الشغل وفي القانون الجنائي، فالنظام العام في قانون الشغل يستلهم مبادئه من اعتبارات إنسانية ضرورية لشريحة عريضة من المجتمع.
ومن باب حماية الأجير وقبل اتخاذ المشغل لقرار الفصل التأديبي، نص المشرع على منحه فرصة للاستماع إليه للدفاع عن نفسه. فالأهمية التي تكتسيها مسطرة الاستماع إلى الأجير في كونها فرصة له للإدلاء برأيه حول ما نسب إليه من مخالفات، يقتضي منا التطرق بداية للطبيعة القانونية لمسطرة الاستماع للأجير (المطلب الأول)، على أساس التطرق في مرحلة موالية لمسألة ارتباطها بالنظام العام، حيث ساد في هذا الإطار اتجاهان مختلفان متناقضان (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الطبيعة القانونية لمسطرة الاستماع للأجير
المطلب الثاني: مدى ارتباط مسطرة الاستماع للأجير بالنظام العام
تجسد مسطرة الاستماع للأجير مظهرا من مظاهر حقوق الدفاع المخولة للأجراء، وتندرج ضمن الضمانات الأساسية الممنوحة لهم للحماية من تعسف المشغلين، حيث يؤدي عدم احترام مقتضيات هذه المسطرة الجوهرية إلى اعتبار الفصل المتخذ تعسفيا.
وعليه، سيتم خلال هذا المطلب الأول التطرق في مرحلة أولى للطبيعة القانونية لمسطرة الاستماع للأجير، حيث لا ترقى إلى مرتبة مجلس تأديبي (الفقرة الأولى)، على أساس التطرق في مرحلة ثانية لخاصية إلزامية سلوكها واحترام مقتضياتها من لدن المشغل تحت طائلة وصف الفصل بالتعسفي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: جلسة الاستماع للأجير لا ترقى إلى مجلس تأديبي
على الرغم من استجابة المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل إلى الأصوات التي كانت تنادي بحماية الأجراء ومنحهم ضمانات قانونية إضافية قبل الإقدام على فصلهم عن العمل عبر إقرار مسطرة الاستماع، إلا أن الملاحظ من خلال ما جاءت به المادة 62 من مدونة الشغل أن هذه المسطرة لا ترقى إلى مستوى مجلس تأديبي كما هو معمول به في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، حيث تبقى مجرد جلسة للاستماع للأجير لإبداء الأسباب والمبررات التي دفعته إلى ارتكاب الفعل موضوع الجلسة، ويتعين من خلالها إتباع قواعد وإجراءات قبل مباشرة توقيع العقوبة التأديبية، كما يستأثر من خلالها المشغل أو من ينوب عنه بسلطات واسعة في هذا المجال.
فطبقا لمقتضيات الفصل 11 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، يؤسس كل وزير في الإدارات أو المصالح التي توجد تحت نفوذه لجانا إدارية متساوية الأعضاء يكون لها حق النظر في مجموعة من الأمور ضمن الحدود المقررة لها ومن بينها مجال التأديب، حيث تقوم اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بدور المجلس التأديبي، إذ لا يمكن اتخاذ عقوبة العزل التأديبي في حق الموظف إلا بعد استشارة المجلس التأديبي الذي تحال عليه القضية من لدن السلطة التي لها حق التأديب. وتشتمل اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء على عدد متساو من ممثلين عن الإدارة يعينون بقرار من الوراء المعنيين بالأمر، ومن ممثلين عن الموظفين ينتخبهم الموظفون العاملون أو الملحقون بالإدارة أو المصلحة المعنية بالأمر.
لذلك، تبدو مسطرة الاستماع للأجير مجرد إجراء أولي شكلي، وإن كان الأجير يتمتع من خلالها بضمانات قانونية، إلا أن المشغل يبقى صاحب السلطة التقديرية في اتخاذ القرار المناسب، على خلاف الوضع في مسطرة متابعة الموظفين بعد مثولهم أمام المجالس التأديبية، حيث يبقى القرار النهائي للسلطة التي لها حق التأديب مقيدا باقتراح المجلس التأديبي.
وفي هذا الإطار، ومن بابة حماية الأجير ومنحه ضمانات قانونية إضافية، نرى ضرورة إحداث مجالس استشارية داخل المؤسسات مكونة من ممثلين عن الأجراء والمشغل أو ممثله، وذلك من أجل النظر في كل حالة يتعرضون فيها إلى عقوبة كيفما كان نوعها، كما هو معمول به في بعض التشريعات العربية المقارنة التي ارتقت بمسطرة الاستماع إلى مجلس تأديبي مكون من لجان استشارية متساوية الأعضاء مثل تشريع الشغل التونسي .
الفقرة الثانية: مدى إلزامية مسطرة الاستماع للأجير
إن الخطورة التي يشكلها قرار فصل الأجير عن عمله، وما يرتبه من آثار سلبية على وضعيته الاجتماعية والنفسية، دفعت المشرع المغربي في المادة 62 من مدونة الشغل إلى منحه فرصة للدفاع عن نفسه ونفي ما نسب إليه من اختلالات مهنية وتقديم كل الإيضاحات والإثباتات الضرورية عبر سلوك مسطرة الاستماع إليه من لدن مشغله أو نائبه.
وتعتبر مسطرة الاستماع إلى الأجير من أهم المقتضيات التي جاءت بها مدونة الشغل، وذلك على غرار معظم التشريعات المقارنة، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 62 منها على ما يلي:
“يجب، قبل فصل الأجير، أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه.”
والملاحظ أن المشرع استعمل كلمة “يجب” في بداية المادة 62، التي تفيد إلزامية سلوك هذه المسطرة من لدن المشغل قبل الإقدام على فصل الأجير المرتكب لخطأ جسيم، تحت طائلة اعتباره فصلا تعسفيا. غير أن هذه الإلزامية لم تحدد الطرف الذي يقع عليه عبء اتخاذ بادرة إثارة هذه المسطرة، إذ لا وجود لمقتضى يفيد أن المشغل هو المعني بتوجيه الاستدعاء إلى الأجير ودعوته إلى الدفاع عن نفسه. فعبارة الدفاع عن نفسه المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة السالفة الذكر وردت مبينة للمجهول، فقد يلجأ المشغل إلى استدعاء الأجير بغية إنهاء عقد الشغل في أقرب الآجال، وقد يتلكأ في ذلك، ليبقى للأجير الحق في اللجوء إلى مفتش الشغل وتشبثه بإجراء مسطرة الاستماع.
وقد أثار موضوع اعتبار فصل الأجير دون احترام المشغل الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المادة السالفة الذكر تعسفيا أم غير تعسفي نقاشا فقهيا أدى إلى ظهور اتجاهين اثنين، ففي الوقت الذي يرى فيه الاتجاه الأول أن خرق المشرع لمسطرة الاستماع للأجير يجعل الفصل غير مشروع، على اعتبار أن المقتضيات الواردة فيها جاءت على نحو آمر بغرض تحقيق التوازن بين حق المشغل في ممارسة سلطته التأديبية وحق الأجير في التعرف على ما نسب إليه من أخطاء جسيمة ودحض مختلف ادعاءات مشغله وإحاطته بحقيقة الفعل المرتكب وملابساته.
وعلى خلاف الاتجاه الأول، يرى اتجاه ثان أن عدم احترام المشغل لهذه الإجراءات لا يعد سببا لاعتبار الفصل تعسفيا، مبررا موقفه بكون تحقيق التوازن يقتضي بالضرورة توفير الحماية اللازمة للأجير والمشغل معا، خصوصا في الحالة التي يرتكب فيها الأجير خطأ جسيما يتسم بنوع من الخطورة.
كما يتم الاستناد في اعتبار مسطرة الاستماع إلى الأجير اختيارية، على عدم ترتيب المشرع لأي جزاء جنائي في حالة مخالفة المشغل لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل وما يليها مقارنة بمخالفة بعض النصوص الأخرى من مدونة الشغل.
وبالرجوع إلى بعض الاجتهادات القضائية، نجد أنها رتبت عن خرق مقتضيات مسطرة الاستماع سواء بصفة كلية أو جزئية جزاء اعتبار الفصل الذي يتعرض له الأجير في هذه الحالة فصلا تعسفيا موجبا للتعويض حتى وإن كان الخطأ الذي ارتكبه الأجير يرقى إلى مرتبة الأخطاء الجسيمة، حيث استقر الأمر على أن المحكمة تكون في غنى عن مناقشة الأخطاء المنسوبة إليه في حالة عدم احترام المشغل إجراءات هذه المسطرة، وذلك من خلال مجموعة من أحكام وقرارات محاكم الموضوع وكذا قرارات محكمة النقض.
وقد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ما يلي:
“وحيث إنه وأمام عدم احترام المشغلة للمواد 62 و 63 و 64 من مدونة الشغل بمنحه فرصة للاستماع إليه قبل فصله عن العمل يغني المحكمة عن مناقشة الأخطاء المنسوبة إليه من طرف المشغلة مما يجعل ما خلصت إليه المحكمة الابتدائية وتعليلها الذي جاء مصادفا للصواب مرتكزا على أساس قانوني سليم ينبغي تأييده.”
وقد أكدت العديد من القرارات الصادرة عن محكمة النقض المغربية، على خاصية الإلزامية التي تميز مسطرة الاستماع إلى الأجير، حيث جاء في أحدها ما يلي:
“…وأن القرار الاستئنافي لما اعتبر أن المشغلة فصلت الأجير دون أن تتقيد بمسطرة الفصل المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل، خاصة ما يتعلق منها باستدعاء الأجير قصد الاستماع إليه داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام من تاريخ تبين ارتكاب الخطأ واعتبرت فصله تعسفيا، يكون ما انتهى إليه معللا تعليلا كافيا وغير خارق للمقتضى المستدل به والوسيلتان على غير أساس.”
كما جاء في قرار آخر صادر عن محكمة النقض ما يلي:
“حيث إنه وخلافا لما ورد في الوسيلة الأولى، فإن الملف خال مما يثبت استدعاء الطالب إلى المطلوب داخل مقر الشغل بحضور مندوب الأجراء أو ممثل نقابي يختاره الأجير بنفسه طبقا لمقتضيات المادة 62 من م.ش في إطار مسطرة الفصل التأديبي والتي استند إليها الطالب في مقرر الفصل والتي لا يقوم مقامها لجوء الطرفين إلى مفتش الشغل في إطار محاولة الصلح بينهما، كما أن تبليغ مقرر الفصل إلى المطلوب من قبل الطالب وكذا توجيه نسخة من هذا المقرر إلى مفتش الشغل لاينفي وجود خلل في مسطرة الفصل بإغفال مرحلتها الأولى التي تعتبر لازمة ويرتب عن عدم احترامها اعتبار الطرد الذي تعرض له المطلوب تعرضا تعسفيا كما يجعل المحكمة في غنى عن مناقشة الخطأ المنسوب إليه.”
وإذا كانت مسطرة الاستماع المنصوص عليها في المادة 62، على إثر ارتكاب الأجير لخطأ جسيم، لا تطرح إشكالا بخصوص إلزاميتها قبل اتخاذ قرار الفصل التأديبي، فإن غموضا يطرح حول إمكانية تطبيقها في حالة ارتكاب الأجير لخطأ غير جسيم، حيث يكون المشغل بناء على مبدأ تدرج العقوبات مضطرا لاتخاذ قرار فصل الأجير في حالة استنفاد جميع العقوبات التأديبية المنصوص عليها في م. 37 من م.ش داخل سنة، خصوصا وأن المشرع أوجب تطبيق مسطرة الاستماع فقط على عقوبتي التوبيخ الثاني أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتجاوز ثمانية أيام، والتوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى.
فإذا افترضنا تطبيق مسطرة الاستماع بالنسبة للعقوبة الخامسة المتعلقة بالفصل، فإن المشغل سيكون قد طبقها ثلاث مرات، وهو الأمر الذي لا يستند على سند قانوني، لأن المادة 37 من مدونة الشغل أوجبت تطبيقها مرتين في حالتي تطبيق العقوبتين الواردتين في الفقرتين الثالثة والرابعة من نفس المادة. غير أنه يبدو من غير المنطقي أن تطبق في هاتين الحالتين، وألا تطبق بالنسبة لعقوبة الفصل من الشغل وهي العقوبة الأشد وقعا وضررا على الأجير.
وتجاوزا لهذا الغموض، وتجنبا للتحايل الذي يمكن أن يلجأ إليه المشغل الراغب في التخلص من أحد الأجراء دون الحصول على تعويض، نرى أنه يتعين إعادة صياغة المادة 37، وأن يكون الحرص أشد في الحالات المتعلقة بتوقيع الفصل من العمل، وذلك على غرار بعض التشريعات المقارنة مثل التشريع المصري الذي أكد على أن الفصل من الشغل باعتباره عقوبة تأديبية يعد من الصلاحيات المخولة للجنة ذات اختصاص قضائي تشكل بموجب قرار وزير العدل باتفاق مع الجهات المعنية تتكون من اثنين من القضاة، وإلا كان القرار باطلا لصدوره من جهة غير مختصة.
أفرزت الصياغة التشريعية للمواد المنظمة لمسطرة الاستماع للأجير خلافا فقهيا وكذا تضاربا قضائيا على مستوى اعتبارها مرتبطة بالنظام العام، حيث كيفها البعض على أنها من النظام العام الحمائي، بينما اعتبرها البعض الآخر مجرد مسطرة آمرة لا ترقى إلى ذلك.
وعليه، يتعين التعرف في فقرة أولى على خصوصيات النظام العام في القانون الاجتماعي، ثم التطرق لمسألة اعتبار مسطرة الاستماع للأجير من النظام العام في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى: خصوصيات النظام العام في القانون الاجتماعي
إن النظام العام فكرة واسعة وصعبة التحديد، تتغير بتغير الزمان والمكان، مما دفع بأغلب التشريعات إلى الإحجام عن تعريفها؛ وذلك بالنظر إلى استحالة حصر جميع الحالات التي تخالف النظام العام.
فالقواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي التي يقصد بها إلى تحقيق مصلحة عامة، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد، ويجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم، حتى لو حققت لهم هذه الاتفاقات مصالح فردية.
إن للنظام العام تطبيقات كثيرة ومتنوعة، إذ يمكن القول إن كل فروع القانون العام تتعلق بالنظام العام باعتبارها مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها ذات سلطة وسيادة. غير أن تطبيقات النظام العام لا تقتصر على فروع القانون العام بل تشمل أيضا فروع القانون الخاص، فأحكام الزواج والميراث والوصية تتعلق بالنظام العام، ولا تخرج عن ذلك القواعد القانونية التي تحكم علاقات الشغل.
غير أن النظام العام في قانون الشغل يعرف مجالا واسعا بفعل تدخل الدولة التشريعي قصد توفير الحماية الاجتماعية لفئة الأجراء والتي ما فتئت تعتبر الطرف الأضعف في العقد، علاوة على المقتضيات الزجرية الواردة في مدونة الشغل وفي القانون الجنائي، فالنظام العام في قانون الشغل يستلهم مبادئه من اعتبارات إنسانية ضرورية لشريحة عريضة من المجتمع.
وفي إطار توفير حماية حقيقية للطرف الضعيف في العلاقة الشغلية والمتمثل في الأجير، يتضمن النظام العام الاجتماعي المبادئ والقواعد الأساسية التي لا يجوز لأطراف العلاقة التعاقدية انتهاكها، إذ يقرر النظام العام الاجتماعي حدا أدنى من الحماية القانونية المقررة للأجراء، وذلك بموجب نصوص آمرة لا يمكن خرقها، ما لم تكن مخالفة مقتضياتها تصب في صالح الأجير.
لذلك يبقى الهدف الأساس من إقرار النظام العام الاجتماعي باعتباره نظاما عاما اقتصاديا حمائيا هو حماية الطرف الضعيف، من خلال مبدأ ضمان الحد الأدنى من الحماية والزيادة في الضمانات المقررة له، حيث يمكن في هذا الإطار للقاعدة الأدنى أن تخالف القاعد الأعلى متى كان ذلك يحقق نفعا للأجير، حيث يبقى هذا الهدف هو يصبو إليه المشرع الاجتماعي ووضع من أجله.
الفقرة الثانية: مدى اعتبار مسطرة الاستماع من النظام العام
إن الحسم في تحديد مدى ارتباط مسطرة الاستماع للأجير بالنظام له أهمية بالغة، ذلك أنه في حالة اعتبارها من النظام العام، يمكن للأطراف إثارة مخالفة مقتضياتها في جميع مراحل الدعوى ولو أمام محكمة النقض، كما أن المحكمة في هذه الحالة تكون ملزمة بإثارتها من تلقاء نفسها ولو لم يطلب الأطراف ذلك صراحة.
وقد أفرز موضوع ارتباط مسطرة الاستماع للأجير بالنظام العام ظهور موقفين اثنين مختلفين. الاتجاه الأول يعتبر مسطرة الاستماع من النظام العام، وبالتالي فسح المجال أمام المحكمة لإثارة خرقها من تلقاء نفسها، ولو لم يطلب ذلك الأجير. فمن باب حماية الأجير خصوصا على مستوى الإثبات على وجه التحديد، قرر المشرع أن يتم فصله لارتكابه خطأ جسيما باتباع مسطرة محددة تحتوي على قواعد من صميم النظام العام.
في هذا الصدد، نصت محكمة الاستئناف في أحد قراراتها على أن خرق المشغل للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل يغني المحكمة عن البحث عن الأسباب الموضوعية للفصل، فقد جاء فيه ما يلي:
” وأمام عدم احترام المادة 62 من مدونة الشغل، فلا يمكن تجاوزها إلى مناقشة البحث في الأسباب؛ لأنها وردت بصيغة الوجوب.”
كما جاء في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة ما يلي:
” وحيث إن المحكمة لا يمكن تجاوز هذا الخرق المسطري لإجراء البحث في الأخطاء المنسوبة للأجير مادامت الفصول جاءت بصيغة الوجوب.”
أما الاتجاه الثاني، فيرى أن القواعد الآمرة ليست بالضرورة من النظام العام. فعلى الرغم من اعتبار مقتضيات فصل الأجير قواعد ملزمة، إلا أنه لا يمكن للمحكمة إثارتها من تلقاء نفسها، بل لابد أن يثيرها من له مصلحة في ذلك. فالأجير الذي لم يحترم مشغله مسطرة الفصل التأديبي ولم يستمع إليه، يتعين عليه التوجه إلى مفتش الشغل وإخباره بذلك، وآنذاك من حقه التمسك خلال المرحلة القضائية بخرق مقتضيات هذه المسطرة وعدم التوصل بمقرر الفصل، حيث تنظر المحكمة في الشكل أولا، ولا حاجة للنظر في الأخطاء المنسوبة لكون المشغل لم يحترم المسطرة بكاملها.
وقد اعتبرت محكمة النقض أن إجراءات هذه المسطرة لا تعد من النظام العام، حيث يعد عدم تمسك الأجير بخرقها من لدن المشغل تنازلا منه عنها، فقد جاء في أحد القرارات الصادرة عنها ما يلي:
“ذلك أنه لئن كان يجب على المشغل قبل الإقدام على فصل أحد أجرائه من العمل بسبب ارتكابه لخطأ جسيم يبرر فصله أن يحترم مسطرة الفصل التأديبي من أولها إلى نهايتها طبقا لما تنص عليه المواد من 62 إلى 65 من مدونة الشغل تحت طائلة اعتبار قرار فصل الأجير يتسم بالتعسف، إلا أنه لما كانت المقتضيات أعلاه سنت لمصلحة الأجير المواجه بالفصل من العمل، فإن كل إخلال قد يطالها يجب أن يثار من قبل ذي المصلحة في ذلك وهو الأجير الذي تقررت مسطرة الفصل لفائدته، وإذا لم يتمسك بالدفع بالإخلال بها يعتبر متنازلا عن حقه في الاستفادة من الضمانات التي وفرها له المشرع من خلال سنه لتلك المقتضيات، ويترتب على ما ذكر أن المحكمة لا يكون من حقها إثارة الخرق الذي طال مسطرة الفصل، باعتبار أن المقتضيات المتعلقة بها وإن كانت تعتبر من القواعد الآمرة فهي لا ترقى إلى درجة قواعد النظام العام ومن ثم لا يجوز للمحكمة إثارة الإخلال بها من تلقاء نفسها.
والملاحظ أن اتجاه محكمة النقض القاضي بعدم اعتبار قاعدة الاستماع إلى الأجير من النظام العام يثير الانتباه، حيث يتعين على الأجير إثارة مسألة عدم احترامها أثناء سريان الدعوى دون أن يكون للقضاء إمكانية إثارتها من تلقاء نفسه، وهو موقف غير محمود خصوصا في ظل الخصوصية التي تميز قواعد قانون الشغل، حيث لا يجوز مخالفتها، ولا الاتفاق على ذلك، إلا إذا كانت المخالفة لصالح الأجير، مما يتعين على القاضي إثارتها من تلقاء نفسه.
خاتمة
تعد مسطرة الاستماع من أبرز الضمانات التي توفرها مدونة الشغل للأجير قبل اتخاذ أي قرار تأديبي في حقه. ورغم أهميتها القانونية باعتبارها آلية لحماية حقوق الدفاع، فإنها تبقى مجرد جلسة استماع فقط، ولا ترقى إلى مستوى “مجلس تأديبي” بالمفهوم المؤسساتي لقانون الوظيفة العمومية.
وإذا كانت مسطرة الاستماع للأجير إلزامية بموجب المادة 62 من مدونة الشغل، إلا أن الاجتهاد القضائي يشهد تذبذبا بخصوص الحسم في تحديد طبيعة قواعدها ومدى ارتباطها بالنظام العام. ولا شك أن هذا التباين في التكييف القانوني للمسطرة يحدث اضطرابا في التطبيق القضائي، ويؤثر على استقرار العلاقة الشغلية، ويضعف مبدأ الأمن القانوني من محتواه.
وعليه نقترح في هذا الإطار، بعض الاقتراحات من أجل تجويد مسطرة الاستماع للأجير في حالة الفصل التأديبي، نجملها فيما يلي:
- ضرورة التنصيص الصريح على أن طبيعة مقتضيات وقواعد مسطرة الاستماع تعد من صميم النظام العام، حيث يمكن التمسك بها في جميع مراحل الدعوى، وأن للمحكمة صلاحية إثارتها تلقائيا دون أن يتوقف ذلك على تقديم طلب من لدن الأطراف؛
- العمل على الرقي بمسطرة الاستماع للأجير من مجرد جلسة شكلية إلى مرتبة مجلس تأديبي، وذلك على غرار بعض التشريعات الاجتماعية المقارنة التي سارت على هذا المنوال؛
- توفير ضمانات حمائية أكبر للأجراء سواء تعلق الأمر بشكليات الاستدعاء أو شكل محاضر الجلسات أو التبليغات أو مختلف الآجال أو غيرها من حقوق الدفاع.
لائحة المراجع
أولا: الكتب
- أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الإسلامي والقانون المقارن، منشورات عكاظ، 2011؛
- بشرى العلوي، الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2014؛
- عبدالرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1952؛
- عبداللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية ، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2004؛
- عمر تيزاوي، مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق الأجراء، مطبعة سومكرام، الدار البيضاء، يونيو 2011؛
- محمد الكشبور، إنهاء عقد الشغل مع تحليل مفصل لأحكام الفصل التعسفي للأجير، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2008؛
- محمد سعد جرندي، الطرد التعسفي للأجير في ظل مدونة الشغل والقضاء المغربي، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الثانية، 2007؛
- محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الثاني، المجلد الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، يناير 2007؛
- محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2005.
- ثانيا: المقالات
- أم كلثوم قربال، مسطرة الفصل التأديبي في إطار مدونة الشغل، الإشكالات المطروحة، مقال منشور بسلسلة الموائد المستديرة بمحكمة الاستئناف بالرباط، المائدة المستديرة الرابعة حول مدونة الشغل وتطبيقاتها العملية، مطبعة الأمنية، الرباط، 2011؛
- أمينة رضوان، جزاء مخالفة النظام العام في قانون الشغل، مجلة الإرشاد القانوني، عدد مزدوج: الثاني والثالث، 2018؛
- عبد الواحد حليمي، إشكالية مسطرة الاستماع في حالة الفصل التأديبي ودور العمل القضائي، مقال منشور بموقع مجلة القانون والأعمال الدولية، www.droitetentreprise.com؛
عمار جعبوب، دور النظام العام الاجتماعي في حماية الطرف الضعيف – العامل – في عقد العمل، مجلة البحوث في العقود وقانون الأعمال، المجلد 07، العدد 04؛
نعمان صديق، الخطأ الجسيم ومسطرة الفصل التأديبي للأجير وفقا لأحكام مدونة الشغل والاجتهاد القضائي، مجلة رحاب المحاكم، العدد الثامن، أكتوبر 2010.
ثالثا: المذكرات
- المذكرة التوضيحية لأحكام المادة 62 من م.ش. على ضوء الاجتهاد القضائي، صادرة عن وزارة الشغل والإدماج المهني، 2017، منشور بموقع الوزارة المذكورة : http://www.emploi.gov.ma