إشكالية صناعة القرار الضريبي وسؤال العدالة الضريبة بالمغرب
إشكالية صناعة القرار الضريبي وسؤال العدالة الضريبية بالمغرب
مقدمة
تشكل الضريبة أداة أساسية في تمويل الميزانية العامة للدولة وضمان استمرارية المرافق العمومية. غير أن فعاليتها لا تتوقف فقط على مردوديتها المالية، بل تتجاوز ذلك إلى مدى تحقيقها للعدالة الاجتماعية والاقتصادية. وفي السياق المغربي، يطرح موضوع صناعة القرار الضريبي سؤالاً مركزياً: هل النظام الضريبي الحالي يكرس فعلاً العدالة الجبائية أم يعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية والاقتصادية؟
أولاً: صناعة القرار الضريبي بالمغرب
1. الفاعلون في صناعة القرار الضريبي
يتدخل في صناعة القرار الضريبي عدة أطراف:
- المشرع من خلال البرلمان، عبر مناقشة والمصادقة على قوانين المالية.
- السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الاقتصاد والمالية، التي تقترح الإصلاحات وتحدد التوجهات.
- اللوبيات الاقتصادية التي تمارس ضغطاً مباشراً أو غير مباشر للحفاظ على امتيازات ضريبية.
- المؤسسات الدولية (كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي) التي تؤثر من خلال توصياتها على السياسات الجبائية.
2. إكراهات القرار الضريبي
- ضعف استقلالية القرار أمام الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
- صعوبة توسيع الوعاء الضريبي في ظل انتشار القطاع غير المهيكل.
- تعقيد النصوص الجبائية وتعدد الإعفاءات التي تحد من العدالة والمردودية.
ثانياً: العدالة الضريبية بالمغرب
1. مفهوم العدالة الضريبية
تعني العدالة الضريبية المساواة أمام الضريبة (تكافؤ المكلفين في الأداء) والإنصاف في توزيع العبء الضريبي، بحيث يتحمل كل فرد نصيباً يتناسب مع قدرته التكليفية.
2. مظاهر غياب العدالة الضريبية
- هيمنة الضرائب غير المباشرة (خاصة الضريبة على القيمة المضافة) على بنية المداخيل الجبائية، مما يثقل كاهل الفئات الضعيفة.
- ضعف المساهمة الضريبية للمهن الحرة وبعض القطاعات، مقابل الضغط الكبير على الأجراء والموظفين.
- انتشار الامتيازات والإعفاءات التي تفقد النظام الضريبي مبدأ المساواة.
- ضعف آليات المراقبة والتحصيل مما يسمح بانتشار الغش والتهرب الضريبي.
3. محاولات الإصلاح
شهد المغرب محطات إصلاحية، أبرزها المناظرات الوطنية حول الجبايات (1979، 1999، 2013، 2019)، حيث أكدّت جميعها ضرورة:
- تبسيط النظام الجبائي.
- توسيع الوعاء الضريبي ليشمل القطاع غير المهيكل.
- تخفيف العبء عن الطبقة الوسطى.
- ضمان مساهمة عادلة للمقاولات الكبرى والمهن الحرة.
ثالثاً: نحو نظام ضريبي أكثر عدالة
لتجاوز الاختلالات الحالية، ينبغي إعادة بناء السياسة الجبائية وفق مبادئ العدالة والشفافية، من خلال:
- تعزيز الضريبة المباشرة على الدخل والثروة بشكل عادل.
- تقليص الاعتماد المفرط على الضرائب غير المباشرة.
- ضبط الإعفاءات وربطها بأهداف واضحة ومحددة زمنياً.
- رقمنة الإدارة الجبائية لمحاربة التهرب والغش.
- إشراك المجتمع المدني والهيئات المهنية في صياغة القرار الضريبي.
خاتمة
إن صناعة القرار الضريبي بالمغرب تواجه تحديات معقدة ترتبط بتركيبة الاقتصاد الوطني وموازين القوى الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، يبقى تحقيق العدالة الضريبية ضرورة ملحة لضمان استقرار المنظومة الجبائية وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطن. فالعدالة الضريبية ليست مجرد شعار، بل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة وتقليص الفوارق الاجتماعية.
إشكالية صناعة القرار الضريبي وسؤال العدالة الضريبة بالمغرب
