مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير – الباحث: أيوب بنقاسم
[]
مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير
الباحث: أيوب بنقاسم
طالب باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص
جامعة محمد الخامس بالرباط – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال –
مركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير
الباحث: أيوب بنقاسم
طالب باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص
جامعة محمد الخامس بالرباط – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال –
مركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد
الملخص:
إن من بين الشركات التي عمل القانون رقم 5.96 على تنظيمها نجد شركات التوصية، هذه الأخيرة التي نجدها على نوعين، شركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم، فالأولى هي من الشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي إذ أن شخصية جميع الشركاء فيها هي محل اعتبار، فلا يجوز لأي منهم أن يتنازل عن حصته إلى الغير إلا بموافقة باقي الشركاء، أما الثانية، فهي من الشركات التي تقوم على الاعتبار المالي إذ أن شخصية الشريك الموصي ليست بذات اعتبار، فيستطيع بالتالي أن يتنازل عن حصته إلى الغير دون حاجة لموافقة باقي الشركاء.
شركات التوصية هذه تتكون عموما من شركاء متضامنين، وشركاء موصين، هذا الأخير أي الشريك الموصي كغيره من الشركاء يتمتع بمجموعة من الحقوق وتفرض عليه بالمقابل مجموعة من الالتزامات، ولعل من أبرزها عدم جواز قيامه بأي عمل من أعمال التسيير، بحيث يسود في إطار هذا النوع من الشركات مبدأ أساسي ألى وهو مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير، بحيث يضطلع بمهمة التسيير الشركاء المتضامنين أو أحد من الأغيار.
The Principle of Prohibiting the Limited Partner’s Intervention in Management
AYYOUB BENKACEM
Doctoral Researcher in Private Law
Mohammed V University in Rabat – Faculty of Legal, Economic, and Social Sciences, Agdal-
Doctoral Studies Center in Law and Economics
Abstract :
Among the companies regulated by Law No. 5.96, we find limited partnership companies. These companies are divided into two types: the simple limited partnership and the joint-stock limited partnership. The former is a company based on personal considerations, where the identity of all partners is of significant importance. Therefore, none of the partners can transfer their share to others without the consent of the other partners. On the other hand, the latter is a company based on financial considerations, where the identity of the limited partner is not of major importance, allowing them to transfer their share to others without needing the consent of the other partners.
These limited partnerships generally consist of general partners and limited partners. The latter, i.e., the limited partner, like other partners, enjoys a set of rights but is also subject to various obligations. One of the most important of these obligations is the prohibition on performing any management-related actions. A fundamental principle in this type of company is the principle of prohibiting the limited partner from intervening in management. Management responsibilities are therefore carried out by the general partners or by an external party.
مقدمة:
تعتبر الشركات التجارية الإطار الأكثر ملائمة للقيام بالمشاريع في ظل الاقتصاديات الحديثة، ذلك أن التاجر الفرد يعجز في غالب الأحيان عن القيام بالمشاريع الكبرى التي تتطلب استثمارات كبيرة وتشغل مئات العمال، كما أن الاقتصاد الحديث يتطلب كفاءة كبيرة في التسيير والإدارة، غالبا ما لا تتوفر في التاجر الفرد، من هنا كانت الشركات التجارية أفضل تسليحا وأحسن كفاءة لمزاولة الأعمال التجارية، فهي لها قدرة على تعبئة ادخار الأشخاص (الذاتيين والاعتباريين)، وجمع الرساميل التي تحتاج إليها في استثماراتها، كما أنها بحكم طريقة تكوينها وإدارتها تنشأ منذ ولادتها مسلحة بالأدوات القانونية والمادية التي تمكنها من مزاولة نشاطها بكفاءة، ودون أن يهددها ما يهدد الأشخاص الذاتيين من مرض أو عجز أو شيخوخة، ودون أن يعرقل نشاطها عوامل عاطفية أو عائلية أو نفسية، فهي شخص اعتباري يتحكم في مصيره، والنقص الوحيد الذي يهدده هو ضعف الأداء من قبل المسيرين أو الأعضاء.
في هذا الإطار وبالنظر للأهمية التي تكتسيها الشركات التجارية، فقد عمل المشرع المغربي كغيره من التشريعات على تنظيمها وفق إطار تشريعي محكم، بحيث جاء القانون رقم 17.95 لينظم شركات المساهمة من جهة، وجاء القانون رقم 5.96 لينظم شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم وشركة الأسهم المبسطة والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة من جهة أخرى، وجدير بالذكر في هذا السياق إلى أن هذين القانونين عرفا منذ صدورهما إلى الأن العديد من التغييرات والتعديلات ، هذه الأخيرة التي تندرج في إطار السياق المتعلق بإصلاح المنظومة التشريعية المرتبطة بمجال المال والتجارة والأعمال.
وهكذا فمن بين الشركات التي عمل القانون رقم 5.96 على تنظيمها نجد شركات التوصية، هذه الأخيرة التي نجدها على نوعين، شركة التوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم، فالأولى هي من الشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي إذ أن شخصية جميع الشركاء فيها هي محل اعتبار، فلا يجوز لأي منهم أن يتنازل عن حصته إلى الغير إلا بموافقة باقي الشركاء، أما الثانية، فهي من الشركات التي تقوم على الاعتبار المالي إذ أن شخصية الشريك الموصي ليست بذات اعتبار، فيستطيع بالتالي أن يتنازل عن حصته إلى الغير دون حاجة لموافقة باقي الشركاء.
إن شركات التوصية تتكون عموما من شركاء متضامنين، وشركاء موصين، هذا الأخير أي الشريك الموصي كغيره من الشركاء يتمتع بمجموعة من الحقوق وتفرض عليه مجموعة من الالتزامات، ولعل من أبرزها عدم جواز قيامه بأي عمل من أعمال التسيير، وهو ما يشكل موضوع هذا المقال بحيث يسود في إطار هذا النوع من الشركات مبدأ أساسي ألى وهو مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير.
يحوز هذا الموضوع أهمية كبيرة سواء من الناحية العلمية، أو من الناحية العملية أهمية تتجلى أساسا في كونه يشكل مادة دسمة للبحث، كما أن البحث فيه من شأنه إغناء المكتبة القانونية المغربية على وجه الخصوص خاصة أمام قلة الكتابات التي تناولته بالدراسة، فضلا عن معرفة الأسباب والدواعي التي دفعت غالبية التشريعات إلى حظر أو منع الشركاء الموصين من التدخل في التسيير…
وانطلاقا من الأهمية التي يكتسيها هذا الموضوع فإن ذلك يدفعنا إلى طرح الإشكال الرئيسي التالي: ما أساس حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير؟
وتتفرع عن هذا الإشكال الرئيسي العديد من التساؤلات الفرعية من قبيل:
- أين تتجلى حدود هذا الحظر، بمعنى أين يبدأ وأين ينتهي؟ هل هو حظر يتعلق بالإدارة الداخلية أم بالإدارة الخارجية أم يشملهما معا؟
- ما هي مبررات حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير؟
- ما هو الجزاء المترتب على مخالفة الحظر؟ …
إلى غير ذلك من التساؤلات الفرعية التي نجيب عنها وعن الإشكال الرئيسي من خلال مبحثين اثنين، بحيث نتحدث في (المبحث الأول) عن أساس مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير، على أن نخصص (المبحث الثاني) للحديث عن الأثار المترتبة عن مخالفة هذا الحظر.
المبحث الأول: أساس مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير
نص المشرع في إطار مقتضيات المادة 25 من القانون رقم 5.96 المتعلق بباقي الشركات على أنه: “ لا يمكن للشريك الموصي القيام بأي عمل تسيير ملزم للشركة تجاه الأغيار ولو بناء على توكيل…“، من خلال هذه المادة يتضح على أن المشرع المغربي كغيره من التشريعات حظر أو منع الشريك الموصي من القيام بأي عمل من أعمال التسيير، غير أن التساؤل الذي يطرح في هذا السياق ينصب أساسا حول نطاق تطبيق هذا الحظر أو المنع ومبرراته وهو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا المبحث.
لكن قبل الإجابة عن هذا التساؤل، نشير إلى حكم لمحكمة النقض المصرية بتاريخ 27/06/2000 في الطعن رقم 393 لسنة 69 القضائية والذي أكدت من خلاله هذا الحظر حيث جاء فيه:
“ وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 23 من قانون التجارة السابق الساري العمل بها بالمادة الأولى من مواد إصدار قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 وفي المادة 28 منه والمادة 519 من القانون المدني يدل على أن إدارة شركة التوصية البسيطة تكون فقط للشركاء المتضامنين أو لأحدهم أو لمدير من غير الشركاء وأنه لا يجوز للشركاء الموصين تولي إدارة هذه الشركة ولو بناء على توكيل وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلا على أن يقتصر حق هؤلاء على مجرد إبداء النصح ومراقبة أعمال الإدارة فحسب…“
المطلب الأول: ماهية مبدأ الحظر
سنعمل على معالجة هذا المطلب من خلال فقرتين اثنتين بحيث سنخصص (الفقرة الأولى) للحديث عن التسيير في شركات التوصية، على أن نتحدث في (الفقرة الثانية) عن نطاق تطبيق مبدأ الحظر.
الفقرة الأولى: التسيير في شركات التوصية
كما سبق وأشرنا فشركات التوصية على نوعين شركة التوصية البسيطة، وشركة التوصية بالأسهم، بحيث يتولى التسيير في الأولى الشركاء المتضامنون فقط وفق نفس أحكام إدارة شركة التضامن، دون الشركاء الموصين الذين لا يجوز لهم أن يقوموا بأي عمل من أعمال الإدارة ولو كانت لديهم وكالة، فإذا خالفوا هذا المنع قامت مسؤوليتهم تجاه الغير الذي قد ينخدع بسبب ذلك حول حقيقة وضعهم في الشركة (المادة 25)، أما بالنسبة للثانية أي شركة التوصية بالأسهم فهي تسير بواسطة مسير أو أكثر سواء كان شخصا ذاتيا أو اعتباريا يعين من بين الشركاء المتضامنين أو من الأغيار ولا يمكن أن يكون من الشركاء الموصين.
وانطلاقا من ذلك يتضح جليا على أن مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير، هو مبدأ يسري على شركة التوصية بنوعيها أي سواء تعلق الأمر بشركات التوصية البسيطة أو شركات التوصية بالأسهم، إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو:
هل هذا الحظر يسري على أعمال الإدارة الداخلية أم الخارجية أم يشملهما معا ؟
الفقرة الثانية: نطاق مبدأ الحظر
إن الإجابة عن التساؤل المطروح أعلاه يقتضي منا بداية تحديد المقصود بأعمال الإدارة الخارجية وأعمال الإدارة الداخلية، فالأولى يقصد بها الأعمال التي تتطلب تمثيل الشركة أمام الغير، والتي يكون من شأنها أن تجعل الشركة دائنة أو مدينة، أما الثانية أي أعمال الإدارة الداخلية فيقصد بها الأعمال التي تتصل بنشاط الشركة وإدارتها دون أن يترتب على القيام بأحدها ظهور الشريك الموصي أمام الغير كممثل للشركة، ومن أمثلة هذه الأعمال الاطلاع على دفاتر الشركة وسجلاتها ومستنداتها، الاشتراك في المداولات الخاصة ببعض القرارات لعزل المدير أو تعديل عقد الشركة، طلب صورة من حساب الأرباح…
وفي هذا الإطار فإن أعمال التسيير المحظورة على الشريك الموصي، هي أعمال التسيير
” الخارجية “ فقط، هذا معناه، بمفهوم المخالفة أنه لا يشمل أعمال التسيير الداخلية، هذه القاعدة تجد مصدرها في اجتهاد القضاء الفرنسي بدءا من رأي مجلس الدولة بتاريخ 20 أبريل 1809 الذي جاء فيه أن الحظر يشمل “الأعمال التي يجريها الشريك الموصي ممثلا شركة التوصية كمدير حتى لو تمت بوكالة“، والقضاء بعد ذلك توسع في هذا المفهوم، ولم يبحث عن تدخل الشريك الموصي في التسيير فحسب وإنما تعداه إلى سلوكه الذي يوحي للغير أنه يتصرف كمدير ممثل للشركة، ثم بعد ذلك تبنى المشرع الفرنسي هذا الاجتهاد القضائي مفرقا بين أعمال التسيير “ الخارجية “، التي يحظر على الشريك الموصي إتيانها وأعمال التسيير “ الداخلية “ المباح له القيام بها.
إن هذا الموقف الذي تبناه القضاء الفرنسي بداية ثم بعده المشرع الفرنسي والذي يقضي بأن الحظر يسري فقط على أعمال التسيير الخارجية لا الداخلية، هو نفس الموقف الذي تبناه المشرع المغربي، وهو ما يتضح جليا من خلال مقتضيات المادة 25 السالفة الذكر والتي تنص على أنه “ لا يمكن للشريك الموصي القيام بأي عمل تسيير ملزم للشركة تجاه الأغيار ولو بناء على توكيل.“، فعبارة “ تجاه الأغيار ” في نظرنا توحي بأن المنع يقتصر على أعمال التسيير الخارجية ولا يمتد ليشمل أعمال التسيير الداخلية.
وفي هذا السياق، تؤسس إباحة أعمال الإدارة الداخلية على أساس أن مباشرة هذه الأعمال يعتبر من الحقوق الأساسية اللصيقة بصفة الشريك والتي لا يمكن أن يحرم من مباشرتها، بالإضافة إلا أن هذه الأعمال لا تؤثر على ائتمان الغير ولا تضر بمصالحه.
المطلب الثاني: مبررات مبدأ الحظر
إن منع الشركاء الموصين من الإدارة جاء نتيجة طبيعية لعدم مسؤوليتهم عن ديون الشركة حتى لا يقوموا بتصرفات قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بالشركة وبالشركاء المتضامنين، وحتى لا ينخدع المتعاملون مع الشركة (أي الأغيار) بتلك الإدارة فيطمئنوا إلى مسؤولية الشركاء الموصين عن ديون الشركة ويدخلونها في الضمان العام لديونهم.
وانطلاقا من ذلك نستطيع أن نحدد مبررات مبدأ الحظر في:
الفقرة الأولى: حماية الغير
يذهب البعض إلى أن الأساس الحقيقي لقاعدة منع الشريك الموصي من التدخل في إدارة الشركة هو حماية الغير الذي يتعامل معها، ذلك أن الشريك الموصي يكون مسؤولا عن ديون الشركة في حدود الحصة المالية التي يقدمها إليها، وقد يوحي تدخله في الإدارة للغير أنه شريك متضامن يسأل عن ديون الشركة في جميع أمواله. غير أن هذا الرأي انتقد على أساس أن تقلد الشريك الموصي لوظيفة الإدارة ليس من شأنه أن يوقع الضرر بالغير، كما يتوهم أصحاب هذا الرأي، لأن التعامل يكون دائما بعنوان الشركة، وهذا العنوان لا يظهر فيه اسم الشريك الموصي، إضافة إلى أن الغير بإمكانه الاطلاع على عقد الشركة التأسيسي أو على خلاصته المنشورة في السجل التجاري لمعرفة حقيقة وضع الشريك الذي يتعامل معه ما إذا كان متضامنا أو موصيا، وبالتالي ليس هناك مجال لانخداع الغير حول حقيقة صفة الشريك الموصي ومدى مسؤوليته، إلا إذا قصر هذا الغير في اطلاعه على حقيقة الأمر، وفي هذه الحالة يتحمل هو نتيجة إهماله وتقصيره، كما أن المشرع يسمح للأجنبي بإدارة شركة التوصية، وبالتالي فإن الإدارة لا تدل بطبيعتها على أن المدير هو شريك متضامن.
الفقرة الثانية: حماية الشركة والشركاء المتضامنين
يذهب البعض إلى أن السبب في منع الشريك الموصي من الإدارة الخارجية ليس حماية الغير فقط، بل حماية الغير والشركة والشركاء المتضامنين في ذات الوقت، فإذا أجيز للشريك الموصي أن يكون مديرا للشركة، فقد يكون ذلك سببا له في عدم الحرز أو عدم الاحتياط من الاندفاع في عملية المضاربة الشديدة الخطر طالما أنه مطمئن إلى تحديد مسؤوليته، مما يعرض الشركة في كثير من الأحيان لأسوأ العواقب، فالقول بأن منع الشريك الموصي من الإدارة الخارجية والسماح له بأعمال الإدارة الداخلية للاعتقاد بأن الحكمة من الحظر هي حماية الغير فقط، هو كلام محل نقد، حيث أن سماح المشرع للشريك الموصي بالقيام بأعمال الإدارة الداخلية لم يقصد منه المشرع نزع الحماية عن الشركاء المتضامنين، لكن المشرع سمح له بذلك حتى لا تغل يده تماما من الاهتمام بشؤون الشركة التي هو شريك فيها وحريص على مصلحتها فلو حظر المشرع عليه الإدارة الداخلية أيضا لما أمكن وصفه بأنه شريك، فقد أبقى له المشرع أعمال الإدارة الداخلية كدليل على عضويته في الشركة، وليس كدليل على حصر الحماية في الغير، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، يذهب أخرون إلى أن الحكمة من حظر الإدارة الخارجية على الشريك الموصي هي حماية الشركاء المتضامنين أنفسهم، حيث أنه من العدل أن الشريك المسؤول عن ديون الشركة بأجمعها يكون هو الأولى بالإدارة ممن لا يسأل إلا بقدر حصته فقط، وأن الشريك الموصي في الغالب ليس تاجرا وليس له خبرة بالأعمال التجارية، إنما هو شخص يريد أن يستعين بخبرة الشركاء المتضامنين ويعاونهم على الكسب بما يقدمه لهم من رأس المال، لذا خشي المشرع أنه لو ترك للموصي حق الاشتراك في الإدارة الخارجية أن يجازف في تصرفاته طمعا في الكسب، وهو مطمئن إلى أنه لن يخسر في النهاية أكثر من قيمة حصته، ولو زادت ديون الشركة الناتجة عن تصرفاته عن قيمة رأس مالها فيضر بذلك بالشركاء المتضامنين.
المبحث الثاني: الأثار المترتبة عن مخالفة الحظر
إن مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير هو مبدأ تبنته غالبية التشريعات كما تبناه القضاء أيضا على النحو الذي رأينا، وبناء على ذلك فإن أي مخالفة لهذا الحظر من قبل الشركاء الموصين من شأنها أن ترتب أثارا.
في هذا السياق ينص المشرع المغربي في إطار مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 25 من القانون رقم 5.96 على أنه: “ في حالة مخالفة المنع المنصوص عليه في الفقرة السابقة، يسأل الشريك الموصي بالتضامن مع الشركاء المتضامنين عن ديون والتزامات الشركة المترتبة عن الأعمال الممنوعة، ويمكن أن يلزم تضامنا بكل التزامات الشركة أو ببعضها فقط، حسب عدد وأهمية الديون والالتزامات المذكورة.“
المطلب الأول: جزاء مخالفة الحظر في مواجهة الغير
بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 25 المذكورة أعلاه يتضح بأن جزاء مخالفة الحظر في مواجهة الغير، قد يكون وجوبيا أي بقوة القانون (الفقرة الأولى)، وقد يكون جوازيا (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الجزاء الوجوبي
الجزاء الوجوبي أو الإجباري، هو ذلك الجزاء الذي يقع بقوة القانون بحيث يسأل فيه الشريك الموصي مسؤولية شخصية تضامنية ومطلقة عن ديون الشركة من جراء الأعمال التي قام بها، فلا تكون للقاضي سلطة تقديرية في هذا الموضوع.
بحيث يتمثل هذا الجزاء في المسؤولية الشخصية للشريك الموصي، مسؤولية غير محدودة وبالتضامن عن النتائج السلبية المترتبة عن كل عمل إدارة خارجي تجاه الغير، ويقع هذا الجزاء بقوة القانون كما قلنا دون أدنى تقدير من طرف القاضي، وتقتصر المسؤولية التضامنية في الأعمال المحظورة التي باشرها الشريك الموصي، بمعنى أنه يبقى مسؤولا مسؤولية محدودة بالنسبة للأعمال الأخرى الغير محظورة. ويستشف هذا الجزاء الوجوبي الذي يقع بقوة القانون كما أسلفنا، من الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة 25 السالفة الذكر.
الفقرة الثانية: الجزاء الجوازي
تقرر مسؤولية الشريك الموصي من غير تحديد وبالتضامن عن ديون الشركة ليس فقط عن أعمال التسيير الخارجية التي أجراها وإنما عن كل التزامات الشركة أو بعضها، فإذا تعددت أعمال التسيير الخارجية التي أجراها الشريك الموصي أو بلغت حدا من الأهمية والجسامة، يمكن أن يلزم بكافة ديون الشركة أو بعضها، وبناء عليه فإن قيام مسؤولية الشريك الموصي بهذه الطريقة هي جوازية، فهي من تقدير القاضي الذي يحدد عدد وجسامة أعمال التسيير الخارجية التي قام بها الشريك الموصي وما ترتب على ذلك من أثر بالنسبة إلى الغير، لذا تترتب مسؤوليته كالشريك المتضامن عن ديون الشركة كلها أو بعضها، لفترة معينة أو غير معينة، تبعا لعدد وأهمية وجسامة أعمال التسيير الخارجية التي قام بها، ولا يكون ملتزما بالتضامن ومن غير تحديد عن ديون الشركة قبل الغير الذي تعاقد معه فقط، وإنما قبل جميع دائني الشركة عن الديون التي يحددها القاضي حتى ولو لم يكن الشريك الموصي طرفا في العقود التي رتبت تلك الديون على الشركة.
وجدير بالذكر في هذا الإطار، إلى أن هذا الجزاء الجوازي، لا يوقع على الشريك الموصي نتيجة تدخله في أعمال الإدارة الخارجية للشركة إلا إذا كان الغير حسن نية، أي يكون قد اعتقد فعلا بأن الشريك الموصي شريك متضامن مسؤول بأمواله الخاصة ويفترض حسن النية لدى الغير إلى أن يتمكن الشريك المعني من إثبات سوء نيته.
المطلب الثاني: جزاء مخالفة الحظر في مواجهة الشركاء المتضامنين
انطلاقا من مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 25 السالفة الذكر والتي جاء فيها ” لا يمكن للشريك الموصي القيام بأي عمل تسيير ملزم للشركة تجاه الأغيار ولو بناء على توكيل “ يتضح أن الشريك الموصي قد يأتي بعض الأعمال التي تلزم الشركة بناء على توكيل، غير أن هذه الأخيرة تبقى محظورة على الشريك الموصي شأنها في ذلك شأن الأعمال التي يأتيها هذا الشريك من تلقاء نفسه.
وبناء على ذلك، فإن جزاء مخالفة الحظر في مواجهة الشركاء المتضامنين يختلف بحسب ما إذا قام الشريك الموصي بعمل من أعمال التسيير من تلقاء نفسه أي بدون توكيل، أو قام بهذه الأعمال بناء على توكيل.
الفقرة الأولى: جزاء قيام الشريك الموصي بأعمال التسيير من تلقاء نفسه
إذا قام الشريك الموصي بهذه الأعمال دون صدور توكيل بها من الشركاء المتضامنين فإنهم لا يسألون في مواجهة الشريك الموصي بأي التزام، وتنعقد مسؤوليته منفردا كاملة عن هذه الأعمال التي خالف بها الحظر، إلا إذا كانت الشركة قد استفادت من هذه الأعمال، فيحق للشريك الموصي الرجوع على الشركة أو الشركاء المتضامنين بمقدار الفائدة التي عادت على الشركة طبقا للقواعد العامة في الإثراء بلا سبب.
الفقرة الثانية: جزاء قيام الشريك الموصي بأعمال التسيير بناء على توكيل
إذا منح الشركاء المتضامنون الشريك الموصي توكيلا للقيام بهذه الأعمال التي خالف بها الحظر المفروض، فإن مسؤولية الشريك الموصي في مواجهة الشركاء تبقى محدودة بحدود الحصة التي شارك فيها دون أن يتعدى ذلك ماله الخاص، وإذا كان مدير الشركة من غير الشركاء وهو الذي فوض الشريك الموصي للقيام بهذه الأعمال، فإن المدير يعتبر هو المسؤول في مواجهة الشركاء عن هذا العمل، كما لو كان قد صدر منه هو، ويبقى المدير والشريك الموصي في هذه الحالة متضامنين في المسؤولية في مواجهة الشركاء المتضامنين تطبيقا لأحكام الوكالة.
خاتمة:
تمتاز شركات التوصية بكونها شركات تحتوي على نوعين من الشركاء، شركاء متضامنين وشركاء موصين، بحيث يخضع الشركاء المتضامنين للنظام المطبق على الشركاء في شركة التضامن، فيسألون بصفة غير محدودة وعلى وجه التضامن عن ديون الشركة، في حين يسأل الشركاء الموصون عن الديون المستحقة على الشركة في حدود حصتهم.
إن تحديد مسؤولية الشريك الموصي بمقدار حصته في شركات التوصية أثر على مركزه القانوني في الشركة لا سيما على حقوقه فيها، حيث قلص من مقدار حقوقه غير المالية مقارنة مع مقدار هذه الحقوق بالنسبة للشريك المتضامن وحجة المشرع الأساسية في ذلك هو حماية الغير المتعامل مع الشركة.
وهكذا تدور الشركات التجارية عموما بين محظور ومسموح، حيث سمح المشرع للشريك أو المساهم القيام بمجموعة من الأعمال لكنه حظر عليه في المقابل القيام بأخرى، ولعل هذا ما يسود أيضا داخل شركات التوصية بنوعيها، حيث حظر المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن باقي التشريعات الأخرى على الشريك الموصي التدخل في أعمال التسيير خاصة الخارجية منها.
وعموما فقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج والخلاصات يتمثل أبرزها فيما يلي:
- ارتباط الحظر فقط بأعمال التسيير الخارجية دون أعمال التسيير الداخلية، حيث يمكن إتيان هذه الأخيرة من قبل الشريك الموصي، في حين تحظر عليه الأولى سواء أتاها من تلقاء نفسه أو أتاها بناء على توكيل.
- أن الغاية من وراء الحظر ليس الحظر من أجل الحظر وإنما حماية الغير والشركة والشركاء المتضامنين.
- وعلى مستوى المسؤولية يصبح الشريك الموصي مسؤولا بالتضامن ومن غير تحديد عن ديون الشركة شأنه في ذلك شأن الشريك المتضامن، في حال تدخله في أعمال التسيير الخارجية.
- إن عدم المساواة بين الشركاء المتضامنين والموصين في بعض الحقوق بحجة الاختلاف في المسؤولية لا نراه مبررا، لأنه أدى إلى عدم المساواة بين الشركاء في بعض الحقوق وهذا ما ساهم بشكل كبير في ندرة هذا النوع من الشركات في الحياة العملية، ذلك أن الشركاء الموصين يعزفون عن توظيف أموالهم في شركات تحرمهم من أهم الحقوق لاسيما الحق في الإدارة.
وفي ضوء ما سبق وما تم التوصل إليه وبالنظر إلى الأهمية التي يكتسيها موضوع الدراسة، فإننا نرى على أن المشرع يتعين عليه السماح للشريك الموصي بالقيام بأعمال التسيير، سواء كانت هذه الأعمال داخلية أو خارجية، خاصة وأنه يسمح للغير الأجنبي على الشركة القيام بهذه الأعمال، فالشريك الموصي أولى بذلك، وإن تطلب الأمر وضع قيود على هذا التسيير.
لائحة المراجع:
- المؤلفات العامة:
- علال فالي، التعليق على قانون الشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركة التضامن وشركات التوصية وشركة المحاصة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري 1998-2018، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الأولى، الرباط، 2019.
- فؤاد معلال، شرح القانون التجاري الجديد، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الرابعة، 2012.
- المقالات:
- سهام باسل، المركز القانوني للشركاء الموصين في شركات التوصية، مجلة الدراسات الحقوقية، الجلد 8، العدد 02، السنة 2021.
- محمود أمين بن قادة، الحالات التي يسأل فيها الشريك الموصي من غير تحديد وبالتضامن عن ديون الشركة، مجلة القانون الدولي والتنمية، المجلد 2، العدد 1، السنة 2014.
- محمد مصطفى حمدي، الشريك الموصي بين المحظور والمسموح دراسة نقدية، مجلة كلية الشريعة والقانون تفهنا الأشراف، العدد 29، ديسمبر 2024، الجزء الثالث.
نور الدين صحراوي، مبدأ حظر تدخل الشريك الموصي في التسيير في شركة التوصية البسيطة، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية، العدد الرابع، المجلد الأول، ص 326.