العدالة الجنائية الدولية في فلسطين بعد أحداث السابع من أكتوبر الدكتور : العربي حماني،
[]
العدالة الجنائية الدولية في فلسطين بعد أحداث السابع من أكتوبر
International Criminal Justice in Palestine after the events of October 7th
الدكتور : العربي حماني،
دكتور في القانون الدولي الإنساني
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
العدالة الجنائية الدولية في فلسطين بعد أحداث السابع من أكتوبر
International Criminal Justice in Palestine after the events of October 7th
الدكتور : العربي حماني،
دكتور في القانون الدولي الإنساني
الملخص:
نحاول من خلال الدراسة، الوقوف على مختلف انتهاكات القانون الدولي المرتكبة من قبل إسرائيل، خاصة خلال الحرب التي تلت أحداث السابع من أكتوبر، والتي أدت إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية وإصدار أوامر قبض في حق المتهمين، بناء على الإحالات التي توصلت بها، سواء من قبل دولة فلسطين أو دول أخرى أعضاء في نظام روما. كما سنبحث في التحديات الممكنة لوضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب في الحالة الفلسطينية.
فضلا عن ذلك، سنعالج أهم السيناريوهات الممكنة لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا في فلسطين، وذلك بمعالجة أهم العوامل المؤدية لتحقيق هذه السيناريوهات، سواء تعلق الأمر بمختلف أوجه الدعم الذي تحظى به إسرائيل خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أو التغيرات التي مست المواقف الداعمة لإسرائيل بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، الناتجة عن وحشية الجرائم المرتكبة في مرحلة ما بعد أحداث السابع من أكتوبر.
الكلمات المفاتيح: أحداث السابع من أكتوبر- انتهاكات القانون الدولي- فلسطين- تحقيق العدالة- إسرائيل- سيناريوهات محتملة.
ABSTRACT:
Through this study, we try to identify the various violations of international law committed by Israel, especially during the war that followed the events of October 7, which led to the intervention of the International Criminal Court (ICC) and the issuance of arrest warrants against the accused, based on the referrals it received, whether by the State of Palestine or other states that are members of the Rome Statute. We will also examine possible challenges to ending impunity in the Palestinian case.
In addition, we will address the most important possible scenarios for achieving justice and redress for victims in Palestine by addressing the most important factors leading to the realization of these scenarios, whether it is the various forms of support that Israel enjoys, especially by the United States of America, or the changes in the positions of Israel’s supporters, including the European Union countries, resulting from the brutality of the crimes committed in the post-October 7 events.
Keywords: October 7 – Violations of international law – Palestine – Justice – Israel – Possible scenarios.
مقدمة:
بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب سنة 2012، وانضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية في أبريل 2015، أصبح بإمكانها ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين بموجب نظام روما دون الاعتداد بالحصانة، وقد شكلت أحداث ما بعد السابع من أكتوبر فضلا عن الجرائم المرتكبة منذ 2014، وذلك بناء على الإعلان التي تقدمت به فلسطين وفقا للمادة (12/3) إلى المحكمة والتي تقبل بموجبه أن يمتد اختصاص المحكمة ليشمل الجرائم الدولية المرتكبة في حق أبناء الشعب الفلسطيني، انطلاقا من 13 يونيو 2014، أساسا قانونيا لتدخل المحكمة في الحالة الفلسطينية.
بالنظر إلى معيقات السياسة الدولية، والمتمثلة بالأساس في مختلف أشكال الدعم اللامحدود الذي تحظى به دولة الاحتلال من قبل معظم الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فضلا عن طبيعة العلاقة التي تجمع بين هذه الأخيرة والمحكمة الجنائية الدولية، والتي كان من أبرز مظاهرها فرض العديد من العقوبات على بعض موظفي المحكمة بعد إعلان المدعية العامة السابقة عن بدء التحقيق في الحالة الفلسطينية، والتهديد باستهداف المحكمة بالقوة إن تطلب الأمر، لتحرير معتقلين أمريكيين وفق ما جاء في قانون (ASPA) أو قانون غزو لاهاي، يرى معظم الباحثين والمتابعين للقضية الفلسطينية أن تحقيق العدالة في فلسطين، تعيقه العديد من التحديات التي من شأنها التقليص من فرص وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب في الحالة الفلسطينية.
في المقابل، لم يمنع هذا الوضع المدافعين عن حقوق الإنسان بجرد مختلف الجرائم الدولية، خاصة المرتكبة من طرف إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر، والتشبث بضرورة معاقبة كل مجرمي الحرب المتورطين في انتهاكات القانون الدولي وخاصة القانون الدولي الإنساني، خاصة وأن المحكمة فتحت تحقيقا وأمرت بالقبض على المتورطين في ارتكاب هذه الانتهاكات.
أهمية الموضوع:
يكتسي البحث والإحاطة بالأحداث التي شهدتها فلسطين وخاصة الجرائم الدولية بعد السابع من أكتوبر، وفرص تحقيق العدالة الجنائية لوضع حد للإفلات من العقاب، أهمية بالغة لدى كل باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، وكذا المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، وذلك بالنظر إلى حجم الانتهاكات المرتكبة في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة، كما أن هذا البحث سيمكننا من الوقوف على مختلف الجرائم، والفرص الممكنة للمعاقبة عليها.
إشكالية الموضوع:
تتمثل إشكالية الموضوع في البحث عن مختلف انتهاكات القانون الدولي المرتكبة من قبل إسرائيل خاصة في قطاع غزة، بعد أحداث السابع من أكتوبر، والوقوف على أهم السيناريوهات المحتملة لتحقيق العدالة في الحالة في الحالة الفلسطينية بعد تدخل المحكمة الجنائية الدولية وفتح تحقيق في الجرائم المرتكبة، وإصدار أوامر قبض على المتهمين.
مناهج الدراسة:
للإحاطة بكل محاور الدراسة قصد معالجة إشكاليتها، ارتأينا الاعتماد على المناهج التالية:
– منهج دراسة الحالة، لارتباط موضوع البحث بحالة بعينها، وهي الحالة الفلسطينية، وحتى نعالج موضوع هذه الحالة وفق معايير منهجية تستجيب للشروط المنهجية الدقيقة المتعارف عليها.
– المنهج الوصفي، لوصف مختلف الجرائم الدولية التي ارتكبتها قوات الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، وخاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر.
– المنهج التحليلي لإبراز أهم العراقيل، سواء المرتبطة منها بنقائص وثغرات نظام روما، أو المرتبطة بالسياسة الدولية وما توفره لمجرمي الحرب الإسرائيليين من فرص للإفلات من العقاب، ولنتمكن كذلك من دراسة السيناريوهات المحتملة لتحقيق العدالة في الحالة المدروسة.
منهج صنع القرار: لمعالجة القرارات المتخذة في الحالة المدروسة باعتبارها أزمة دولية تتجاوز تأثيراتها الحدود المحلية والإقليمية، وخاصة قرار الحرب على غزة، وما نتج عن ذلك من قرارات خاصة تلك الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
خطة البحث:
استنادا إلى ما سبق، وقصد الإلمام بموضوع البحث، ارتأينا أن نعالج الدراسة وفق الخطة التالية:
أولا: تدخل المحكمة الجنائية الدولية، بعد أحداث السابع من أكتوبر.
ثانيا: فرص تحقيق العدالة الجنائية بفلسطين في ظل ضغوطات السياسة الدولية.
المبحث الأول: تدخل المحكمة الجنائية الدولية، بعد أحداث السابع من أكتوبر
بعد أحداث السابع من أكتوبر، ارتكب الجيش الإسرائيلي، وفقا لتقارير منظمات دولية حقوقية، العديد من الجرائم الدولية التي يعاقب عليها نظام روما (المطلب الأول) الأمر الذي دفع بالمحكمة الجنائية إلى التدخل وإصدار أوامر قبض في حق المتهمين بارتكاب انتهاكات للقانون الدولي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الجرائم الدولية المرتكبة
على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي المدعوم بأحدث التقنيات التكنولوجية، وكذا التقارير الاستخباراتية التي ترصد أي تخطيط أو تحرك مرتقب لحركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، استطاعت حماس وجماعات مسلحة أخرى اختراق الحاجز الأمني الإسرائيلي الذي يفصل الأراضي المحتلة عن القطاع يوم 7 أكتوبر 2023، وقتلت ما لا يقل عن 1000 شخص بينهم 36 طفلا، واحتجزت حوالي 245 شخصا كرهائن أو أسرى.
وقد أدّى هذا الهجوم إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم في الوعي الإسرائيلي الجماعي، حيث غرق الخطاب العام في إسرائيل بدعوات صريحة للعنف والانتقام، أطلقتها شخصيات عامة وسياسيون وقادة رأي عام. ووفقا لهذه الدعوات، يجب معاقبة واستهداف جميع مكونات الشعب الفلسطيني ولا فرق بين أفراده، لأن جميعهم أعداء، وبذلك أصبح إلحاق الأذى بهم ليس أمرًا مسموحًا به فحسب، وإنما هو أمر مرغوب فيه ومطلوب أيضًا.
نتيجة لذلك، شنت إسرائيل هجوما عسكريا مدمرا ضد سكان القطاع، خلف 52 928 قتيل في غزة إلى حدود 14 ماي 2025، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلا عن دمار شامل للبنى التحتية المدنية الضرورية للبقاء على قيد الحياة. وفقا للقوات الجوية الإسرائيلية فقد تم مهاجمة أكثر من 29000 هدف بين 7 أكتوبر 2023 و19 فبراير 2024، وهو معطى يتطابق مع ورد في تقارير أخرى، من خلال تأكيدها على أن معدل قتل الفلسطينيين خلال هذه الفترة، كان أعلى من المعدلات المسجلة في أي نزاعات حديثة على مستوى العالم.
وفقا لتقرير مكتب مفوضية الأمم المتحدة في فلسطين الصادر في فبراير 2025، والخاص بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، فقد اتسمت أساليب القتال التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي بتجاهل غير مسبوق للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما استخدمت إسرائيل أسلوب العقاب الجماعي ضد سكان قطاع غزة كالحصار والتجويع كوسيلة من وسائل الحرب، بمنع إدخال المساعدات الإنسانية واستهداف مصادر المياه والبنيات الصحية، واعتماد أسلوب التهجير القسري لمعظم سكان القطاع ولمرات متكررة، ما يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وقد تشكل جريمة إبادة جماعية، كونها ارتكبت كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد السكان المدنيين وفقا لسياسة دولة منظمة، وبنية التدمير الكلي أو الجزئي لسكان القطاع كمجموعة وطنية وإثنية.
ولم تعمل إسرائيل بالتدابير التحفظية التي وجهتها إليها محكمة العدل الدولية، نتيجة الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، بشأن التزامات هذه الأخيرة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة. تتمثل هذه التدابير في الامتناع عن ارتكاب الأفعال الواردة في المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، كقتل أفراد الجماعة أو إخضاعها لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، واتخاذ إسرائيل كل ما في وسعها من تدابير، لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة جماعية فيما يتعلق بأفراد المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة، فضلا عن اتخاذها تدابير فورية وفعالة تمكن من تقديم الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية للتصدي للأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها سكان القطاع. كما يجب على إسرائيل أن تتخذ تدابير فعالة لمنع إتلاف، وضمان حفظ مختلف الأدلة المتعلقة بادعاءات ارتكاب الأفعال الواردة في المادة الثانية والمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها.
على الرغم من دعوة محكمة العدل الدولية إسرائيل بضرورة اتخاذ التدابير التحفظية حماية لأرواح المدنيين، ومن الدعوات المتكررة سواء الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، أو المنظمات الحقوقية لوضع حد للمأساة الإنسانية في قطاع غزة الناتجة عن العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، فإن دولة الاحتلال استمرت في استهداف المدنيين والأعيان المدنية، سواء المستشفيات أو المدارس، فضلا عن استهداف الأطر الصحية والتربوية، فوفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية استهدفت إسرائيل المرافق الصحية إلى حدود شهر ماي 2025، ب 697 هجوما منذ السابع من أكتوبر، الأمر الذي أدى إلى إلحاق دمار كلي أو جزئي ب %97 من المؤسسات الاستشفائية، ما نتج عنه تعطيل 17 مستشفى عن تقديم الخدمات الصحية، حيث لا يزال 19 مستشفى فقط من أصل 36 يؤدي عمله في غزة، وتعاني هذه المستشفيات على قلتها من الافتقار إلى الكوادر الطبية واستمرار انعدام الأمن وزيادة عدد المصابين الوافدين إليها. كما أن إسرائيل تواصل حرمان المرافق الصحية من الإمدادات الضرورية لتقديم الخدمات الطبية.
لم يكن قطاع غزة استثناءً، بل اشتد تنكيل إسرائيل بالفلسطينيين في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، وتمثل هذا التنكيل في القتل والتهجير، وعنف المستوطنين الذين ينعمون بحماية الجيش، كما وثقته منظمة الأمم المتحدة بتسجيلها لحوالي 1400 هجوم للمستوطنين خلال سنة 2024 فقط. فضلا عن إخضاع الفلسطينيين في الضفة للمحاكم العسكرية، وإخضاع المستوطنين المعتدين للمحاكم المدنية التي ناذرا ما تصدر عقوبات في حقهم على الرغم من همجية الأفعال المقترفة.
أمام الجرائم المستمرة في حق الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر، تدخلت المحكمة الجنائية الدولية، وأصدرت مذكرات توقيف في حق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” ورئيس الأركان السابق ” يؤاف غالانت”، وكذا في حق كل إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف، وهم مسؤولون في حركة المقاومة حماس، لتلغي هذه الأوامر في حق المتهمين الفلسطينيين بعد قتلهم من قبل إسرائيل.
المطلب الثاني: إصدار أوامر القبض ضد المتهمين بارتكاب جرائم دولية
أثار قرار المدعي العام الأسبق “لويس مورينو أوكامبو” سنة 2012، القاضي برفض قبول الإعلان الذي تطلب فيه فلسطين من المحكمة ممارسة اختصاصها بشأن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة على الأراضي الفلسطينية منذ فاتح يوليوز 2002، العديد من ردود الأفعال الرسمية وغير الرسمية، بدعوى أن قرار الرفض جاء تحت تأثير ضغوط سياسية مارستها قوى دولية كبرى على المحكمة، ما دفع بالمدعية العامة الجديدة، السيدة” فاتو بنسودا”، إلى إصدار بيان توضح فيه حقيقة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على فلسطين. حيث أكدت فيه أن مكتب المدعي العام وقتها لم يكن في وضع يسمح له بفتح تحقيق، وذلك لعدم الاختصاص، مشيرة أن الانضمام إلى نظام روما، وتقديم الإعلان بموجب المادة (12/3) الذي يسمح للمحكمة بممارسة اختصاصها، متاح للدول فقط، وهو ما لا ينطبق على وضع فلسطين آنذاك. مما يجعل من الجرائم التي يزعم ارتكابها في فلسطين تقع خارج النطاق القانوني للمحكمة.
أمام هذا الوضع، بذلت السلطة الفلسطينية ومعها الدول العربية، جهودا حثيثة لترقية الوضع القانوني لفلسطين، وهو ما تحقق بالفعل عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار (19/67) الذي ينص على اعتبار فلسطين دولة مراقب غير عضو، وكان ذلك يوم الخميس 29 نونبر 2012.
إن أهم ما حققته فلسطين من وضعها القانوني الجديد، هو انضمامها إلى نظام روما، حيث قدمت طلب الانضمام إلى المحكمة في الثاني من يناير 2015، بعدما رفض مجلس الأمن مشروع القرار الذي ينص على إنهاء الاحتلال في الضفة الغربية والقدس في أفق 2017، وأصبح نظامها الأساسي نافذا تجاهها بدءًا من 13 يونيو 2014، وذلك استنادا إلى الإعلان المقدم من طرف فلسطين إلى المحكمة في فاتح يناير 2015، ليشمل بذلك اختصاصها الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في صيف 2014، والتي ارتكبت فيها إسرائيل مختلف الجرائم التي أقرتها العديد من تقارير المنظمات الدولية، بما فيها تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة. الأمر الذي يسمح لفلسطين بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام هذه المحكمة .
بعد أحداث السابع من أكتوبر، عمدت إسرائيل إلى ارتكاب مختلف الجرائم الدولية، بما فيها جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، عبر قتل مدنيين فلسطينيين، والتسبُّب في أضرار بدنية أو نفسية، والإقدام عمدًا على فرض ظروف معيشية يراد بها التدمير المادي للفلسطينيين، عن طريق التهجير القسري الجماعي، وإعاقة أو منع المساعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح، وبتدمير أو الإضرار بمرافق البنية الأساسية، اللازمة للحفاظ على الحياة.
وسعيا منه لوضع حد لهذه المأساة، تقدم المدعي العام للمحكمة السيد “كريم خان” يوم 20 ماي 2023، بطلب للدائرة التمهيدية الأولى لإصدار أمري قبض على كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” ووزير الدفاع “يوآف غالانت”، وهو ما حصل بالفعل يوم 21 نونبر 2024، باتهامهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب ارتكبت منذ 8 أكتوبر 2023، وقبل ذلك التاريخ.
أما عن الجرائم، فقد توصلت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن السيد “نتنياهو” والسيد “يوآف غالانت“، يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم الآتي ذكرها كمشاركين لارتكابهم الأفعال بالاشتراك مع آخرين، وفي مقدمة هذه الجرائم نجد جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، بحرمانهما السكان المدنيين في غزة، عن علم وقصد، من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والمواد الطبية، إضافة إلى الوقود والكهرباء، فضلا عن عرقلة المساعدات الإنسانية، في انتهاكٍ صارخ للقانون الدولي الإنساني، وعرقلتها أعمال الإغاثة بكل ما أُوتيا من وسائل. كما أنهما حرصا على تعطيل قدرة المؤسسات الإنسانية على توفير الغذاء وغيره من المواد الأساسية لسكان غزة المحتاجين إليها. كما توصلت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن غياب الغذاء والماء والكهرباء والوقود ومواد طبية معينة أَوْجَدَ أحوالا معيشية بقصد إهلاك جزء من السكان المدنيين في غزة، وهو ما أدى إلى وفاة مدنيين، بينهم أطفال، بسبب سوء التغذية والتجفاف.
كما توصلت الدائرة أيضا في تقييمها للحالة في فلسطين، إلى أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن السيد “نتنياهو” والسيد “غالانت” يتحملان المسؤولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة في تعمد توجيه هجمات ضد سكان غزة المدنيين. وعدم اتخاذهما تدابير لمنع ارتكاب جرائم أو لقمع ارتكابها، أو إحالة الأمر إلى السلطات المختصة، مع أن مثل تلك التدابير كانت متاحة لهما.
كما أن المتهمين، حسب المحكمة، مسؤولان عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والمتمثلة في القتل والاضطهاد والأفعال اللاإنسانية الأخرى. في المقابل لم تقتنع المحكمة بارتكاب إبادة جماعية في حق سكان غزة. ولوضع حد لهذه الجرائم الدولية، وضمان عدم تكرارها في المستقبل، توصلت الدائرة، إلى أنه من المناسب إصدار أَمْريْ القبض ضد المتهميْن.
ووفقا لتصريح أدلى به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لصحيفة “Guardian” البريطانية، يوم 23 نونبر 2023، تقع على عاتق إسرائيل التزامات واضحة فيما يتصل بحربها مع حماس، وهي ليست فقط التزامات أخلاقية، بل التزامات قانونية تقتضي منها الامتثال لقوانين الصراع المسلح. وقد تم توضيح هذه القوانين بشكل واضح في نظام روما واتفاقيات جنيف. لهذا من الواجب على إسرائيل التعاون مع المحكمة، لتحقيق العدالة في الحالة الفلسطينية.
المبحث الثاني: فرص تحقيق العدالة الجنائية بفلسطين في ظل ضغوطات السياسة الدولية
أمام تعدد المعيقات ذات الطابع القانوني والسياسي، التي يمكن أن تعترض عمل المحكمة الجنائية الدولية في الحالة الفلسطينية (المطلب الأول) يستحسن دراسة أهم السيناريوهات الممكنة لتحقيق العدالة وإنصاف ضحايا الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين وخاصة بقطاع غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر (المطلب الثاني).
المطلب الأول: معيقات تحقيق العدالة في الحالة الفلسطينية
يعد نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، صيغة توفيقية لمختلف وجهات النظر الإيديولوجية والسياسية للدول المشاركة في مؤتمر روما، وقد تمكنت الدول ذات السجل الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، الضغط وبقوة، على باقي وفود الدول الأخرى المشاركة في المؤتمر من أجل تضمين نظام روما العديد من النصوص التي تستجيب لمصالحها القومية ولا تعرقل مطامعها المستقبلية، وعلى رأسها المادة الأولى من النظام التي تعطي الأولوية للقضاء الوطني لمحاكمة مجرمي الحرب وفقا لما يعرف بمبدأ التكامل، والمادة (16) التي أقرت لمجلس الأمن صلاحية تعطيل عمل المحكمة لمدة سنة قابلة للتجديد. والمادة (98) من النظام، التي أفرغت المادة (27)، الخاصة بعدم الاعتداد بالحصانة، من محتواها، وسمحت للدول بعدم التعاون مع المحكمة فيما يخص تقديم مجرمي الحرب المتمتعين بالحصانة للمحكمة. وقد انعكس هذا الأمر على مدى فاعلية المحكمة في تطبيق قواعد القانون الجنائي الدولي، ومحاربة ظاهرة الإفلات من العقاب كأهم الغايات التي سعى المجتمع الدولي إلى تحقيقها من خلال تأسيس المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
يعد مبدأ التكامل أولى معيقات تحقيق العدالة في الحالة الفلسطينية، لأنه يعطي الأسبقية وفق ما تنص عليه المادة (17) من نظام روما، للقضاء الإسرائيلي، حيث أن المحكمة الجنائية الدولية ما هي إلا قضاء مكملا للقضاء الوطني للدول، ولا يحق لها التدخل إلا بعد فشل هذا الأخير في إنصاف ضحايا الجرائم الدولية، لعدم القدرة أو لعدم الرغبة. وبناء على ذلك، من المحتمل جدا أن تستغل حكومة إسرائيل مبدأ التكامل لحماية مواطنيها الجناة من أي متابعة أمام المحكمة الجنائية الدولية، مع العلم أن تاريخ إسرائيل يبين وبوضوح أنه كلما تعرضت إسرائيل لضغوطات داخلية من طرف المجتمع المدني الإسرائيلي، وخاصة المنظمات الحقوقية، أو خارجية من طرف دول كبرى-قليلا ما يحدث- أو منظمات حقوقية عالمية، تقوم بتحقيقات تستمر لسنوات، رغم توفر الأدلة القاطعة على تورط مواطنيها، أو محاكمات صورية، بغرض حماية الأشخاص المعنيين من المسؤولية الجنائية. وهذا ما أكده تقرير غولدستون الذي أقر على أن القضاء الإسرائيلي لا يستجيب للمعايير الدولية.
ويتمثل المعيق الثاني لتحقيق العدالة في فلسطين في إشكالية الحصانة، فعلى الرغم من أن نظام روما نص على عدم إمكانية الاعتداد بالحصانة، تكريسا للمساواة بين المتهمين بارتكاب جرائم دولية، فإن معظم دول العالم ما زالت متشبثة بهذا المبدأ كونه منصوص عليه في القوانين الوطنية، ويعد من أهم القواعد الدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول.
مثلت الحصانات الممنوحة للقادة والرؤساء أهم الإشكالات التي يشكو منها القضاء الجنائي الدولي، ولا أدل على ذلك، ما يتعلق بقضية الرئيس التشيلي الأسبق “بينوشي” الذي رفضت بريطانيا تسليمه لإسبانيا، أو لأية دولة أخرى لمحاكمته، بحجة الحصانة التي يتمتع بها، وقضية رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون أمام القضاء البلجيكي، حيث رفض هذا الأخير إجراء المحاكمة بحجة الحصانة التي يتمتع بها شارون خلال عمله كرئيس للوزراء.
بالنظر لتاريخ المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة مجرمي الحرب خاصة من رؤساء الدول، وكبار المسؤولين العسكريين، فإنه يمكن الجزم بأن الحصانة مازالت تشكل عقبة أساسية أمام تحقيق العدالة في بؤر التوتر. وما يؤكد هذا الاستنتاج، هو عدم القبض على الرئيس السوداني عمر البشير الذي زار عدة دول إفريقية أطراف في نظام روما، ومنها دولة جنوب إفريقيا، التي عُقِدت بها قمة الاتحاد الإفريقي في يونيو 2015 بحضور الرئيس السوداني، رغم دعوة المحكمة الجنائية الدولية لجنوب إفريقيا بالقبض عليه وتسليمه لها، وفقا لواجب التعاون الذي ينظمه الباب التاسع من نظام روما، كونه متهما من طرف المحكمة بارتكابه جرائم حرب وإبادة.
ما يعني في نظر الباحث، أن إمكانية القبض على مجرمي الحرب الإسرائيليين من طرف إسرائيل نفسها، أو من طرف الدول الأعضاء في نظام روما وتسليمهم للمحكمة، خاصة في ظل موازين القوى الدولي الحالي الذي يميل لصالح إسرائيل، يبقى هدفا صعب التحقيق.
كما أن السلطة الممنوحة لمجلس الأمن بموجب المادة (16) من نظام روما الأساسي، والتي يمكنه من خلالها أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية عدم البدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة، أن تحد من عمل المحكمة الجنائية الدولية في مقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وهذا ما يفسر ردود الأفعال الرافضة للعلاقة بين المحكمة ومجلس الأمن، سواء من الدول غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أومن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، الوطنية منها والعالمية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية التي عبّر رئيسها عن استيائه، معتبرا أن المجموعة الدولية لم تستطع فرض شروطها من أجل خلق محكمة ذات اختصاص عالمي، مستقلة وبعيدة عن الضغوط السياسية الصادرة عن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. وأضاف بأنه رجعنا إلى نقطة البداية، إذ لم نكن نريد أن يتدخل مجلس الأمن في مهمة المحكمة، التي يجب أن تكون مستقلة في تحقيقاتها وعملها، لكن هذا ما لم يتم تحقيقه.
وبالنسبة لتعاون الدول مع المحكمة، يعد من أهم تحديات تحقيق العدالة في الحالة الفلسطينية، حيث تبقى المحكمة الجنائية الدولية، كما هو الحال بالنسبة للمحاكم الخاصة، في أمس الحاجة للتعاون، ذلك أن المحكمة لا تملك السلطة المباشرة لتنفيذ قراراتها، لذا تبقى فاعليتها بين أيدي الدول، فهي عكس المحاكم الوطنية التي تساعدها في مهامها مؤسسات تنفيذية، من شرطة، وإدارة السجون التي تقوم بتنفيذ الأحكام السجنية.
سوف يشكل قرار إسرائيل الامتناع عن التعاون مع المحكمة عقبة جوهرية إضافية تعوق قدرة المدعي العام للمحكمة على إجراء التحقيقات، واختيار حالات محددة، وملاحقة المجرمين المزعومين. كما أن إحجام إسرائيل عن التعاون قد لا يعرقل الحالات الجلية والواضحة مثل الجرائم الدولية المرتكبة بعد أحداث السابع من أكتوبر وأنشطة إسرائيل الاستيطانية، وآثار الحصار المفروض على قطاع غزة، لكنه سوف يعوق قدرة المدعي العام على التحقيق في الحالات الأكثر تعقيدا المتعلقة بالأعمال العدائية التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة مثل التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وما تقوم به إسرائيل من انتهاكات في الضفة الغربية. فإذا امتنعت إسرائيل عن عرض روايتها للأحداث مثلا، سيصبح المدعي غير قادر على إطلاق وإتمام تحقيق جنائي لإنصاف الضحايا .
المطلب الثاني: السيناريوهات الممكنة لمحاربة الإفلات من العقاب في الحالة المدروسة
في ظل المستجدات التي تعرفها الحالة الفلسطينية المحالة على المحكمة الجنائية الدولية، وأمام التغيرات التي تعرفها الساحة الدولية خاصة المرتبطة بدعم الدول الغربية لإسرائيل، سواء خلال الأسابيع الأولى التي تلت أحداث السابع من أكتوبر، أو بعد الهجمات الوحشية التي تعرض لها سكان قطاع غزة والتي ألقت بظلالها على مواقف عدد مهم من الدول، يبدو أن هناك سيناريوهان لمحاربة الإفلات من العقاب في الحالة الفلسطينية.
أولا: إلقاء القبض على مجرمي الحرب ومحاكمتهم
بالنظر لوحشية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعلى الرغم من الدعم الكبير والمستمر للولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، تعرضت إدارة “بايدن” لضغوط داخلية يقودها التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه “بايدن”. وقد برزت الانتقادات لسياسة بايدن المتحيزة لإسرائيل، والتي لا تراعي احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة التي تحرم استهداف المدنيين والأعيان المدنية، لهذا مارست قواعد الحزب ضغوطا على إدارة “بايدن” لإعادة النظر في سياسات الإدارة وموقفها اللاإنساني من الحرب.
وفي الاتجاه نفسه، وجه مسؤولون في الإدارة الأمريكية وفي الحزب الديمقراطي انتقادات لسلوك نتنياهو ولقادة اليمين المتطرف في إسرائيل. وكان من أبرز تلك الانتقادات تأكيد الرئيس بايدن بأن نتنياهو “يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها” منتقدا إدارته للحرب في قطاع غزة، فضلا عن توجيه تشاك شومر “Chuck Schumer” رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي انتقادات لنتنياهو خلال كلمة ألقاها في المجلس في 14مارس 2024، متهما إياه بأنه أصبح يمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق السلام، وأنه خضع في كثير من الأحيان لمطالب المتطرفين، داعيا لتنظيم انتخابات مبكرة في إسرائيل، معتبرا أن حكومة نتنياهو لم تعد تستجيب لاحتياجات إسرائيل بعد خمسة أشهر من الحرب.
ومن جانب آخر، أعلنت “كايا كالاس”، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، يوم 20 ماي 2025، أن الاتحاد سيباشر مراجعة شاملة لاتفاق الشراكة مع إسرائيل، وذلك في ضوء ما وصفته بـالوضع الكارثي في قطاع غزة، وجاء هذا الإعلان عقب اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد في بروكسل. كما أن “أغلبية قوية” من وزراء الخارجية الأوروبيين أيدوا هذه الخطوة، في إشارة إلى الدعم الواسع لمراجعة الاتفاقية.
وينبني تغير الموقف الأوروبي، على ضبابية أهداف العدوان الإسرائيلي، والعدد الكبير من الضحايا المدنيين، فضلا عن مشروع القرار الذي تقدم به برلمانيون فرنسيون يوم 20 ماي 2025 للمفوضية الأوروبية، قصد مراجعة اتفاق الشراكة الذي يجمع بين الاتحاد وإسرائيل، وفرض عقوبات آنية على دولة الاحتلال وقادتها المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة في غزة والضفة الغربية. ويتماهى موقف البرلمانيين الفرنسيين مع العديد من المسؤولين الأوروبيين وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الذي صرح للقناة الفرنسية TF1 يوم 13 ماي 2025 أنه “لا يمكن أن يكون لفرنسا معايير مزدوجة، بحيث لا يمكن أن نتحدث عن الحرب في أوكرانيا ولا نتحدث عن الحرب في غزة، كما أنه لا يمكن الدفاع عن حقوق شعب وإنكار نفس الحقوق لشعب آخر”.
بناء على المواقف الجديدة لمعظم الدول الغربية تجاه إسرائيل، بعد أحداث السابع من أكتوبر، وعلى حجم التدافع السياسي في إسرائيل، خاصة وأن أحزاب المعارضة باتت تعارض وبشدة استمرار الحرب في ظل عدم قدرة الجيش تحقيق أهدافه من الحرب، وفي مقدمتها استرجاع الأسرى، واشتداد موجات الغضب ضد إسرائيل التي باتت تطبع الرأي العالمي ومواقف المنظمات الدولية خاصة المدافعة عن حقوق الإنسان، يرى المتفائلون أن القبض ومعاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين لمعاقبتهم، تنفيذا لقرارات المحكمة الجنائية الدولية أصبح ممكنا وقريبا، الأمر الذي سيحد في المستقبل من انتهاكات القانون الدولي في فلسطين، ويساعد على إيجاد حل سياسي مبني على حل الدولتين.
ثانيا: عدم قدرة المحكمة على إنصاف الضحايا واستمرار الجرائم الدولية في فلسطين
يقف وراء استخفاف الكيان الصهيوني بالقانون الدولي، وخاصة القواعد المنظمة لسير الحروب، الدعم الأمريكي اللامحدود، الذي يشمل جميع مجالات الحياة الدولية، الدبلوماسية منها والسياسية والعسكرية والتقنية والاقتصادية. وتعد الولايات المتحدة شريكا أساسيا لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث تبنت الرواية الإسرائيلية لتبرير العدوان ووفرت كل الإمكانات العسكرية والاقتصادية التي تضمن التفوق الإسرائيلي واستمرار العمليات القتالية الوحشية على قطاع غزة، ونفي ارتكاب إسرائيل جرائم دولية بما فيها جريمة الإبادة أو انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني، وإرسال البوارج للمنطقة لضمان عدم تدخل أطراف أخرى في القتال ومنع نشوب حرب إقليمية، فضلا عن توفير الدعم الدبلوماسي لإسرائيل خاصة في مجلس الأمن لإفشال صدور قرارات تدين الانتهاكات الإسرائيلية، وتلزم دولة الاحتلال بوقف إطلاق النار بشكل دائم، حيث أفشلت الولايات المتحدة ثلاثة مشاريع قرارات بهذا الخصوص.
وبخصوص الحماية القضائية الأمريكية لمجرمي الحرب الإسرائيليين، فقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية بعد إعلان المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية السيدة “فاتو بنسودا” عن إمكانية فتح تحقيق في الجرائم الإسرائيلية، على معارضتها لقرار المحكمة الجنائية الدولية مقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين. حيث قال السيد “مايك بومبيو” وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: “نحن نعارض بشدة هذا التحقيق وأي أعمال أخرى تهدف إلى اضطهاد إسرائيل”، مضيفا أنه “كما أوضحنا عندما اعتزم الفلسطينيون الانضمام إلى نظام روما الأساسي، فإننا لا نعتقد أنه يمكن اعتبار فلسطين دولة ذات سيادة، وبالتالي لا يحق لها الانضمام لنظام هذه المحكمة ونيل العضوية الكاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية”.
وتنفيذا للتهديدات الأمريكية ضد المحكمة الجنائية، أعلنت الخارجية الأمريكية على فرض عقوبات اقتصادية على بعض أعضاء المحكمة، ومنع دخولهم الأراضي الأمريكية، وذلك وفقا لما جاء في الأمر التنفيذي رقم (13928) الذي أصدره الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يوم 11 يونيو 2020. وقد أدانت المحكمة الجنائية الدولية العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المدعية العامة وأحد عناصر مكتبها، معتبرة هذه العقوبات بأنها محاولة للتدخل في استقلالية المحكمة، مضيفة أنها لن تثنيها عن مهمتها التي أنشئت من أجلها، والمتمثلة في محاربة الإفلات من العقاب.
وردا على هذه التهديدات، قال”ريتشارد ديكر” مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن: “قرار الولايات المتحدة بفرض حظر على التأشيرات ضد موظفي المحكمة الجنائية الدولية، محاولة شائنة لترهيب المحكمة وردع التدقيق في سلوك الولايات المتحدة. وعلى الدول الأعضاء في المحكمة التوضيح علنا أنها ستبقى داعمة لها بالكامل، ولن تتسامح مع العرقلة الأمريكية“.
أمام الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل، ولشراكتها المعلنة في حربها ضد الفلسطينيين بعد طوفان الأقصى، وكذلك عدم اعتراف إسرائيل بالمحكمة الجنائية الدولية ورفض التعاون معها واعتبارها أداة مناهضة للسامية، فإن فرص القبض على مجرمي الحرب الإسرائيليين ومحاكمتهم إنصافا لضحايا الانتهاكات المرتكبة سواء بعد أحداث السابع من أكتوبر، أو خلال عملية الجرف الصامد، تبقى ضئيلة جدا إن لم نقل منعدمة.
خاتمة:
بعد تناولنا لمختلف محاور الدراسة، توصلنا إلى أن إسرائيل ارتكبت انتهاكات جسيمة في حق المدنيين الفلسطينيين، خاصة خلال الحرب الأخيرة على سكان قطاع غزة المحاصر، كاستهداف المدنيين، والبنى التحتية المدنية وبشكل مباشر، واستعمال التجويع كأسلوب من أساليب الحرب بمنع وصول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع المحاصر، واستهداف عمال الإغاثة والكوادر الطبية وترهيبهم لإبعادهم عن تقديم الخدمات الإنسانية للمدنيين في القطاع، مما زاد من عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية، وأدى إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية لوضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب التي ينعم بها مجرمو الحرب الإسرائيليين.
كما توصلنا أيضا إلى أن هناك العديد من التحديات القانونية والسياسية التي تواجه عمل المحكمة في سعيها لتحقيق العدالة في الحالة الفلسطينية. وبمعالجتنا لأهم السيناريوهات المحتملة لتحقيق العدالة، وذلك بالنظر لحجم الإكراهات والمعيقات التي تعيق عمل المحكمة، يبدو أن السيناريو الأكثر واقعية يتمثل في استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب، مما ينبئ باستمرار ارتكاب إسرائيل للمزيد من الجرائم الدولية، كالقتل والتهجير القسري، والاستيطان كأساس للمشروع الصهيوني في فلسطين.
لائحة المراجع:
-أولا: باللغة العربية:
1 -الكتب:
– سامح خليل الوديا، المسؤولية الدولية عن جرائم الحرب الإسرائيلية، مركز الزيتونة للدراسات، الطبعة الأولى2009.
2- الأطروحات
-دحماني عبد السلام، التحديات الراهنة للمحكمة الجنائية الدولية في ظل هيمنة مجلس الأمن، اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، الجزائر، 2013-2014.
3- المجلات
– خليل الدحداح، الاعتراف بالدول وحقيقة فلسطين الدولة، مجلة الحقوق والعلوم السياسية (لبنان)، العدد 2/2014.
– هديل أحمد إبراهيم، العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، رؤية تحليلية للقضايا والمحددات في ضوء الحرب الإسرائيلية على غزة أكتوبر 2023-2024، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد 24، أكتوبر 2024.
4- المواثيق الدولية
5- وثائق لمنظمات دولية
– منظمة الأمم المتحدة، الجمعية العامة، الدورة 94، الملحق رقم 4، تقرير محكمة الدل الدولية غشت 2023- يوليوز 2024، نيويورك 2024.
متوفر على الرابط: https://www.icj-cij.org/ar
– منظمة الأمم المتحدة، مكتب مفوضية الأمم المتحدة بفلسطين، تقرير موضوعي حول الهجمات العشوائية وغير متناسبة أثناء النزاع في غزة (أكتوبر- دجنبر 2023)، 19 يونيو 2024.
متوفر على الرابط: https://www.ohchr.org/ar/documents/reports/themati
– منظمة الأمم المتحدة، مكتب مفوضية الأمم المتحدة بفلسطين، دولة فلسطين: وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بنا في ذلك القدس الشرقية، والالتزام بضمان المساءلة والعدالة، فبراير 2025.
متوفر على الرابط:
– منظمة هيومن رايتس واتش”، الولايات المتحدة الأمريكية تهدد المحكمة الجنائية الدولية: رفض منح تأشيرات لموظفي المحكمة.
مقال متوفر على الرابط: https://www.hrw.org/ar/news/2019/03/16/328240
-منظمة العفو الدولية، فالنتينا أزاروف، فلسطين في المحكمة؟ التداعيات غير المتوقعة للتقاضي أمام المحكمة الجنائية الدولية. شبكة السياسات الفلسطينية.
متوفر على الرابط: https:/al-shabaka.org/briefs/
-المحكمة الجنائية الدولية، مكتب المدعي العام، بيان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السيدة “فاتو بن سودا”، الذي يحمل عنوان ” من حق الجميع معرفة الحقيقة حول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على فلسطين، متوفر على الرابط:
http:/www.icc.cpi.int/en-menus/icc/press/20and/20media/press/20releases/pages/ar-otp-st-14-09-02.aspx
– منظمة العفو الدولية، تقرير حو حالة حقوق الإنسان في العالم 2024، ص. 71.
– مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، تقرير حول تنكيل الجنود بالسكان الفلسطينيين في مدينة الخليل، دجنبر 2024.
متوفر على الرابط: https://www.btselem.org/arabic/publications
– منظمة هيومن رايتس واتش، إسرائيل وفلسطين: أحداث 2024.
متوفر على الرابط: https://www.hrw.org/ar/world-report/2025/country-chapters/israel-and-palestine
6- الأنترنت
– الولايات المتحدة تعارض قرار المحكمة الجنائية التحقيق في جرائم الاحتلال بفلسطين.
مقال متوفر على الرابط:
https://lusailnews.net/article/politics/international/21/12/2019
– مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ببيروت، محددات السياسة الأمريكية تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واتجاهاتها المستقبلية، تقرير استراتيجي رقم 135، أبريل 2024، ص. 5.
ثانيا: باللغة الفرنسية
- Livres
- Mohamed Madi Djabakate , Le role de la cour pénale internationale en Afrique , L’harmattan,2014,p 107.
Séraphine Tergalise Nga Essomba, La protection des droits de l’accusé devant la cour pénale internationale, L4Harmattan,2012, page 487.
- Revues
– Olivier Passot, Une barrière trop intelligente ? Comment le Hamas s’est joué d’un système de protection très élaboré, Brève stratégique n 67, 8 novembre 2023, Institut de recherche stratégique de l’école mlitaire, p. 1.
Publié sur le site :
https://www.irsem.fr/storage/file_manager_files/2025/03/bs-67-passot.pdf
- Rapports des organisations internationales
– Amnesty international, Israël et territoire palestinien occupé 2024.
Disponible sur le site : https://www.amnesty.org/fr/location/middle-east-and-north-africa/middle-east/israel-and-the-occupied-palestinian-territory/report-israel-and-the-occupied-palestinian-territory/
Disponible sur le site : https://www.icc-cpi.int/fr/news/situation-dans-letat-de-palestine-la-chambre-preliminaire-i-de-la-cpi-rejette-les-exceptions
Disponible sur le site : https://www.icc-cpi.int/fr/news/la-cour-penale-internationale-condamne-les-sanctions-economiques-des-etats-unis
– Onu, Assemblée générale, Organisation de la santé mondiale, Le système de santé à Gaza est au bord de la rupture alors que les hostilités s’intensifient, avertit l’OMS, Communiqué de presse, 22 mai 2025.
Publié sur le site:
4-Institutions nationales
– Assemblée nationale française, Proposition de résolution n 1444, 17 législature, 20 mai 2025.
Disponible sur le site :
Internet
-Cyrille Louis, La Palestine devient le 123 Etat membre de la cour pénale internationale, le figaro, publié le 01/04/ 2018.
Publié sur le site : www.le figarot.fr/internationale/2015/04/01/01003
– Sharon Weill ; ce que change l’adhésion de la Palestine à la cour pénale internationale.
Publié sur le site :
Orientxxi.info/magazine/ce-que-change-l-adhesion-de-la ,0790.
رابعا: باللغة الأنجليزية
-Karim Khan, we are wetnissing a pandemic of inhumanity : to halt the spread, we must cling to the law, the guardian, fri 10 novembre 2023.
Diponible sur le site :