بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري في القانون المغربي: دراسة تحليلية في ضوء الاجتهاد القضائي الباحثة : اروى أحمد البريكي

[]

بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري في القانون المغربي: دراسة تحليلية في ضوء الاجتهاد القضائي

The Nullity of Real Estate Enforcement Procedures under Moroccan Law: An Analytical Study in Light of Judicial Case Law

الباحثة : اروى أحمد البريكي

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه كلية الحقوق – المحمدية

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري في القانون المغربي: دراسة تحليلية في ضوء الاجتهاد القضائي

The Nullity of Real Estate Enforcement Procedures under Moroccan Law: An Analytical Study in Light of Judicial Case Law

الباحثة : اروى أحمد البريكي

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه كلية الحقوق – المحمدية

الملخص

يهدف هذا البحث إلى دراسة حالات بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري في ضوء القواعد القانونية المغربية، خصوصاً المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، وتحليل كيف تعامل القضاء المغربي مع هذه الإشكالات في ضوء اجتهاداته المتعددة، ويركز البحث على الضمانات القانونية التي تحكم صحة إجراءات الحجز، ومدى مراعاة حقوق أطراف التنفيذ، سواء المدين أو الدائن أو الغير، مع إبراز الآثار القانونية المترتبة على البطلان الشكلي أو الجوهري، كما يناقش البحث التحديات العملية التي يواجهها القضاء المغربي في التوفيق بين احترام الإجراءات الشكلية وتحقيق نجاعة التنفيذ العقاري.

الكلمات المفتاحية: الحجز التنفيذي، الحجز العقاري، الإنذار العقاري، البطلان الإجرائي، الاجتهاد القضائي المغربي.

Abstract

This paper examines the legal grounds for the nullity of real estate enforcement procedures under Moroccan law, particularly within the framework of the Code of Civil Procedure. It analyzes how Moroccan courts address procedural irregularities in property seizure cases, highlighting key judicial interpretations. The study emphasizes the legal safeguards ensuring the validity of enforcement actions and the balance between creditor rights, debtor protections, and third-party interests. It also explores the legal consequences of both formal and substantive nullity, and the practical challenges faced by the judiciary in reconciling procedural compliance with the efficiency of enforcement.

Keywords: Enforcement Seizure, Real Estate Seizure, Real Estate Warning, Procedural Nullity, Moroccan Judicial Case Law.

مقدمة

يعد التنفيذ الجبري وسيلة قانونية فعالة لاقتضاء الحقوق، متى صدرت بها أحكام أو سندات تنفيذية واجبة التنفيذ، ومن بين صور هذا التنفيذ، يبرز الحجز التنفيذي العقاري بوصفه آلية مركزية تتيح للدائن المحافظة على ضماناته واستيفاء دينه من أموال المدين غير المنقولة، تحت رقابة السلطة القضائية. ويخضع هذا النوع من التنفيذ لمجموعة من القواعد الإجرائية الصارمة التي حددها قانون المسطرة المدنية، باعتبارها الضامن الأساسي لمشروعية التنفيذ وحماية لحقوق جميع الأطراف المعنية، بما فيهم المدين، والدائن، والأغيار.

غير أن التطبيق العملي لأحكام الحجز التنفيذي العقاري كثيراً ما يثير إشكالات قانونية على مستوى مدى احترام الإجراءات الشكلية الجوهرية، وما إذا كان الإخلال بها يؤدي إلى بطلان كلي أو جزئي للعملية التنفيذية، وقد أصبح القضاء المغربي، بمختلف درجاته، مطالباً بتحديد ضوابط بطلان هذه الإجراءات، خاصة في ظل عدم وضوح بعض النصوص القانونية أو تنازعها أحياناً، وما يطرحه ذلك من تعارض بين تحقيق فعالية التنفيذ وضمان احترام الأصول الإجرائية التي تكفل العدالة.

ولا يخفى على أحد ما لهذا الموضوع من أهمية سواء على المستوى النظري، أو على المستوى العملي، فعلى المستوى النظري يكتسي هذا الموضوع أهمية علمية بالنظر إلى قلة الدراسات الأكاديمية المتخصصة في بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري، رغم ما يطرحه من إشكالات دقيقة تتعلق بتأويل النصوص القانونية المنظمة للتنفيذ الجبري، ومدى صلاحية القضاء لإضفاء التكييف القانوني المناسب على حالات الإخلال بهذه الإجراءات، أما على المستوى العملي، يبرز هذا الموضوع من خلال تعدد المنازعات المتعلقة ببطلان الحجز التنفيذي العقاري أمام المحاكم، وما لذلك من أثر مباشر على سير العدالة، إذ قد تؤدي الأخطاء الإجرائية أو تجاوزات عون التنفيذ إلى بطلان عملية الحجز برمتها، بما يهدد استقرار المعاملات ويؤثر سلباً على مركز الدائن في مرحلة التنفيذ.

وتنطلق هذه الدراسة من إشكالية محورية مفادها: إلى أي حد يساهم التنظيم القانوني المغربي والاجتهاد القضائي في ضمان صحة إجراءات الحجز التنفيذي العقاري، وما هي الآثار القانونية المترتبة عن بطلان هذه الإجراءات؟.

وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة يمكن إجمالها فيما يلي:

ما هي الشروط الشكلية والموضوعية التي يجب احترامها لصحة الحجز التنفيذي العقاري وفقاً لقانون المسطرة المدنية؟

ما المقصود بالبطلان في هذا السياق، وما أنواعه وآثاره القانونية؟

ما هي أهم الاجتهادات القضائية الصادرة عن المحاكم المغربية بخصوص بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري؟

كيف يمكن التوفيق بين احترام الإجراءات الشكلية وفعالية التنفيذ؟

ما موقف القضاء المغربي من حالات البطلان النسبي أو الجوهري، وهل تميل المحاكم إلى التوسع في إقرار البطلان أم إلى تضييقه؟

سنعتمد في هذه الدراسة المنهج التحليلي من خلال تحليل المقتضيات القانونية المنظمة لإجراءات الحجز التنفيذي العقاري، خصوصاً ما ورد في القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية المتعلق بطرق التنفيذ،. كما سيتم توظيف المنهج المقارن بشكل انتقائي، بمقارنة بعض التوجهات القضائية المغربية، دون الخروج عن نطاق الخصوصية المغربية، وذلك بغرض إبراز نقاط القوة والقصور في التنظيم الحالي، واقتراح بعض الإصلاحات الممكنة.

وعليه سنتناول هذا الموضوع في مطلبين وفق الآتي:

المطلب الأول : الأحكام العامة لدعوى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري

المطلب الأول : الأحكام العامة لدعوى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي على العقار المحفظ

من المؤكد أن لكل دعوى سبب والمقصود بذلك الوقائع أو الظروف الواقعية التي يستند إليها المدعي في دعواه ، و هي المكونة للحق أو المركز القانوني المطلوب من القضاء حمايته ، وهذا السبب يقدمه المدعي إلى القاضي الذي يقوم بتقديره وإعطائه وصفا قانونيا يسمح بإصدار حكم االقانون عليه .

ومدام الأمر كذلك فإن لدعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري أيضا سببا ، لكن بالرجوع إلى الفصل 484 من ق.م.م يلاحظ أن المشرع المغربي لم يحدد الأسباب التي يمكن إعتمادها للطعن في إجراءات الحجز العقاري مما ترك المجال مفتوحا لكل متضرر من مسطرة التنفيذ إقامة دعوى بطلان إجراءات الجز العقاري لأي سبب مخالف للنصوص القانونية المنصوص عليها في القسم المتعلق بالتنفيذ الجبري ،لكن بالرجوع إلى هذه النصوص يتضح أن المشروع أحاط مسطرة التنفيذ عموما و مسطرة التنفيذ على العقار خصوصا بمجموعة من القواعد الواجب إتباعها و التي من شأن مخالفتها بطلان إجراءات الحجز العقاري .

ولكن بالرجوع إلى مدونة الحقوق العينية يلاحظ أن المشرع أوجب مجموعة من القواعد الموضوعية و الشكلية التي يجب الإلتزام بها و إلا كان مصير جميع الإجراءات البطلان ، لذلك فأسباب بطلان إجراءات التنفيذ لا يمكن حصرها إذ تختلف بإختلاف الإجراء المعيب ،لذلك سأقسم هذه الأسباب الى أسباب تتعلق بمخالفة القواعد الشكلية (الفقرة الأولى ) و أخرى تتعلق بمخالفة القواعد الموضوعية (الفقرة الثانية )

قد يكون موضوع دعوى البطلان مبنيا على إخلالات شكلية مست إجراءات التنفيذ وفي هذه الحالة تكون الغاية من إقامة الدعوى هو إصلاح الإجراء المعيب أو إتمام البيان الناقص، وذلك قبل الإستمرار في مواصلة مسطرة التنفيذ وبالتالي يكون أثر الحكم في حالة قبول الدعوى وقتيا يزول بمجرد إستدراك الخطأ أو إتمام البيانات الناقصة.

وفيما يلي سنتطرق لأهم الإخلالات الشكلية التي يتم التمسك بها من قبل المدعي لإستصدار حكم يقضي ببطلان إجراءات الحجز العقاري .

أولا: خرق أحد البيانات المتعلقة بالإنذار العقاري

حدد المشرع البيانات الإلزامية الواجب تضمينها في الإنذار العقاري في المادة 216 من م.ح.ع التي نصت على أنه:” يتضمن الإنذار المشار إليه في المادة السابقة اسم المالك المقيد واسم الملك المرهون وموقعه ومساحته ومشتملاته ورقم رسمه العقاري”. ولعل الهدف من ذلك نفي الجهالة عن محل مسطرة الحجز العقاري عن طريق الإنذار المذكور فإذا احترمت هذه البيانات كان الإنذار صحيحا أما في حالة إغفال أحدها فإن ذلك يبرر المطالبة بإبطال الإنذار العقاري من المدين أو كفيله العيني أو الغير أو الحائز.

وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء مايلي:” …وحيث إنه بانعدام وجود أقساط الدين المضمون بالرهن غير مؤداة فإن ذلك يؤدي إلى انعدام المديونية بخصوص الدين المضمون بالرهن في حدود الأقساط التي حل أجلها، خصوصا وأن الخبير أفاد بأن المديونية المتحدث عنها شاملة للأقساط التي لم يحل أجلها بعد، الشيء الذي يجعل الإنذار وبالنظر إلى ما ذكر غير منتج لآثاره تبعا لغياب المديونية بخصوصه، و بالتالي يتعين الحكم ببطلانه”.

غير أنه في المقابل يلاحظ أن بعض المحاكم تتساهل بشأن بعض البيانات، كما هو الحال بالنسبة للمحكمة التجارية بفاس الذي قضت في أحد أحكامها بما يلي:” …حيث يرمي طلب المدعية إلى إبطال الإنذار العقاري موضوع الدعوى وذلك لتوجيهه إلى غير ذي صفة ولمنازعته في مبلغ الدين المطالب به.

وحيث ثبت للمحكمة من خلال إطلاعها على المقال المبلغ بموجبه الإنذار العقاري موضوع الدعوى أنه تضمن اسم المدعي صحيحا باللغة الفرنسية ومن تم يبقى ما إدعاه المدعي من كون الإنذار بلغ بإسم أحمد والحال أن إسمه هو محمد دفع مردود هذا فضلا على أنه لم يثبت الضرر الذي لحقه والحال أنه توصل بالإنذار المذكور وتحققت غاية إشعاره مما يتعين معه استبعاد هذا الدفع”.

انطلاقا من هذا الحكم يظهر فعلا أن المحاكم تتساهل بشأن البيانات الواجب تضمينها في الإنذار العقاري وتستند في ذلك إلى أن الفصل 49 من ق.م.م الذي يقرر قاعدة لا بطلان بدون ضرر.

ثانيا: إخلال إجراءات تبليغ الإنذار العقاري

يجب الإنذار العقاري توجيهه إلى المدين الأصلي أو الحائز، وهذا ما نصت عله المادة 215 من م.ح.ع بقولها:” للدائن المرتهن الذي لم يستوفي دينه في أجل استحقاقه أن يحصل على بيع الملك المرهون وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون، وذلك بعد توجيه إنذار بواسطة المكلف بالتنفيذ للمدين الأصلي وللحائز،لأداء الدين أو التخلي عن الملك المرهون داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ التوصل به”.

كما يتعين توجيه نسخة منه إلى المحافظ على الأملاك العقارية بواسطة العون المكلف بالتنفيذ.

ويجب أن يتم هذا التبليغ للشخص نفسه أو إلى أحد الأشخاص ذوي الصفة في التسلم بشرط أن يتم التبليغ بموطنه طبقا لما يقضي به الفصل 38 من ق.م.م.

وهكذا، فكل إخلال يعترض تبليغ الإنذار العقاري للأطراف المذكورة يخول لكل من له مصلحة الطعن في مسطرة الحجز العقاري، وهذا ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في أحد قراراتها ما يلي:” حيث تمسك الطاعن في أسباب إستئنافه على الطعن في إجراءات تبليغه لخرقها للمقتضيات المتعلقة بالتبليغ وذلك لعدم تحرير محضر التبليغ ولوقوع التبليغ إلى شخص لا تربطه به أية علاقة قرابة أو خدمة أو ما يبرر تواجده بسكنه وهي نفس الأسباب التي اعتمدها في دعوى التعرض على الإنذار العقاري المعروضة على قضاء الموضوع.

وحيث إن الثابت من ظاهر الوثائق المدرجة بالملف أن الطاعن طعن في الإنذار العقاري أمام محكمة الموضوع وانصب طعنه على عدم تبليغه بصفته مدينا مرتهنا طبقا لأحكام المادة 205 من ظهير العقارات المحفظة وعلى الفصول 440 و37 و38 و39 من ق.م.م.، كما تبين المذكرة المدلى بنسخة منها…

وحيث إنه ما دامت دعوى التعرض على الإنذار العقاري قد أسست أيضا على الطعن في إجراءات التبليغ والذي لا زالت محكمة الموضوع لم تبت فيه، الأمر الذي يشكل منازعة جدية مما يتعين إلغاء الأمر المستأنف والحكم من جديد بإيقاف إجراءات الإنذار العقاري إلى حين بت محكمة الموضوع في التعرض على الإنذار العقاري المعروض عليه”.

ثالثا:عدم توفر الدائن على سند قابل للتنفيذ

يعتبر السند التنفيذي الأداة أو المحرك الرئيسي الذي تنطلق به عملية التنفيذ الجبري وبدون توفره لدى الدائن لا يمكن إتخاذ أي إجراء لإجبار المدين على الوفاء بالتزامه وفق نص الفصل 438 من ق.م.م.

فالنظام القانوني للتنفيذ الجبري يوجب تنفيذ كل حكم قضائي بعد التأشير عليه بالصيغة التنفيذية، ومن تم فإن إلغاء السند التنفيذي يجعل التنفيذ مفتقرا لأساس مشروعيته.

ومن ثمة فإذا لم يكن الدائن متوفرا على سند قابل للتنفيذ فإن جميع الإجراءات الجبرية المنجزة تنفيذا له بما في ذلك إجراءات الحجز العقاري تكون باطلة، ويحق للمحجوز عليه اللجوء إلى قضاء الموضوع لتقرير هذا البطلان، فإذا تم الحجز العقاري مثلا تنفيذا لحكم ابتدائي مستأنف أو لم يقع تبليغه بعد أو حكم بإبطال هذا التبليغ أو بمقتضى حكم أجنبي لم يصدر الحكم بتذييله بالصيغة التنفيذية أو بمقتضى حكم سقط أثره التنفيذي بمرور ثلاثين سنة ومن تاريخ صدوره فإن الحجز المذكور يقع باطلا ونفس الشيء بالنسبة للإجراءات اللاحقة له.

وفي هذا الإطار جاء في أمر استعجالي صادر عن محكمة بإمنتانوت :” حيث إن الطلب يهدف إلى أمر المدعى عليه بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل الحكم والتنفيذ وذلك بإفراغ العقار موضوع النزاع وإزالة ما أقيم فيه من بناء… وحيث إستند المدعيان في طلبهما على صدور قرار محكمة النقض قضى بنقض القرار الاستئنافي المنفذ والذي بمقتضاه تسلم المدعى عليه العقار.

و حيث أن من آثار نقض الأحكام إرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التنفيذ ومحو كل أثر ترتب على ذلك.

وحيث إن القرار الاستئنافي الذي هو سند المدعى عليه في التواجد في العقار قد جرد من كل آثاره بمجرد نقضه وأصبح والعدم سواء… وحيث إن الاحتلال للعقار بدون سند يضفي على النازلة صبغة الإستعجال… الأمر الذي يستوجب تدخل قاضي المستعجلات للأمر بطرد المدعى عليه من العقار الذي يحتله..”.

رابعا: عدم تبليغ نسخة من السند التنفيذي للمدين و إعذاره بتنفيذ التزامه طوعا

نص المشرع في الفصل 440 من ق.م.م بتبليغ نسخة من السند القابل للتنفيذ للمدين، وإعذاره بالوفاء بإلتزامه طوعا وهو بذلك يعتبر حماية حقيقية للمدين الذي يرغب في تنفيذ الحكم والإمتثال للعدالة بدون تنعت أو مقاومة فكان من اللازم عدم مباغثته بالإجراءات الجبرية.

وهكذا جاء في أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بوجدة ما يلي:” وحيث إنه في نازلة الحال فإن مأمور إجراءات التنفيذ لم يلتزم بمقتضيات الفصل 440، وأن الإجراء الذي قام به يتعدى نطاق التنفيذ، وكان عليه أن يبحث عن المحكوم عليهما وينفذ الحكم في مواجهتهما ويحرر محضرا إما بالتنفيذ أو الإمتناع عن التنفيذ دون البحث عن أمور أخرى لأن الأمر المطلوب تنفيذه يتضمن خطابا للمحكوم عليهما بالقيام بعمل معين يتعين تنفيذه عليهما مباشرة…”

ونظرا لأهمية هذا الإجراء فإن عدم القيام به أو إنجازه بشكل مخالف من شأنه أن يعتبر سببا يتمسك به المدين ببطلان الإجراءات اللاحقة ومن ضمنها إجراءات الحجز العقاري، أي أن الإجراءات المبنية على تبليغ باطل لا محالة سيكون مصيرها البطلان.

قد يكون طلب الطعن بالبطلان مؤسس على عيب في القواعد الموضوعية للتنفيذ إما بسبب:

أولا : المنازعة في المديونية

يقصد بالمنازعة في المديونية أن يطعن المدين في الإنذار العقاري، إما بإدعائه انقضاء الدين بالوفاء أو أن ينازع في الدين المضمن بالإنذار العقاري أو بإحدى أسباب الإنقضاء المنصوص عليها في الفصل 319 من ق.ل.ع أو المادة 212 من م.ح.ع.

غير أنه أثير خلاف على مستوى القضاء ما إذا كانت المنازعة في المديونية موجب لبطلان الإنذار العقاري سواء تعلق الأمر بالمنازعة في مقدار الدين المضمن بالإنذار العقاري أو الإدعاء بإنقضاء الدين وهكذا ظهر إتجاهين:

الإتجاه الأول: جاء عن محكمة الإستئناف التجارية بمراكش مايلي:”حيث تبين للمحكمة من مراجعتها لمجموع أوراق الملف،أن المستأنف لا يطعن في مدى سلامة إجراءات تبليغ الإنذار العقاري و لا في مبدأ الإلتزام الملقى على عاتقه المعزز بعقد الرهن وبشهادة التقييد الخاصة، وإنما ينازع فقط في حجم المديونية التي لا تزال عـالقـة بذمـتـه، وهي منازعة لا يمكن اعتبارها مبرر للمطالبة ببطلان الإنذار العقاري…”.

هذا الإتجاه اعتبر أن المنازعة في الدين لا تبرر الطعن ببطلان الإنذار العقاري.

الإتجاه الثاني: جاء عن محكمة الإستئناف التجارية بالدارالبيضاء ما يلي :” حيث إن التعرض على الإنذار العقاري لا يؤسس فقط على سلامة الإلتزام موضوع الرهن أو شهادة التقييد الخاصة أو شكليات الإنذار بل يؤسس أيضا على المنازعة في قدر المديونية وأن الطاعن في نازلة الحال لما استدل بقرار تعيين خبير من طرف المحكمة المعروضة عليها دعوى الأداء للبحث في المديونية فإن ذلك في حد ذاته يشكل منازعة جدية من قبله في طلب تحقيق الرهن على عقاره الأمر الذي يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف من جديد بإلغاء الإنذار العقاري المؤرخ في 01/04/2009″.

فهذا التوجه القضائي اعتبر أن مجرد المنازعة في مبلغ الدين المطالب به يعد في حد ذاته كافيا لبطلان الإنذار العقاري و الإجراءات الموالية له.

و ما يمكن ملاحظته من خلال هذه القرارات القضائية أن القضاء المغربي لا يزال متذبذبا في الأحكام المتعلقة بالمنازعة في المديونية،فتارة يعتبر أن هذه الأخيرة منازعة جدية تخول بطلان الإنذار العقاري و تارة أخرى يذهب عكس هذا التوجه.

وكذلك قد ترفع دعوى البطلان بحجة عدم التطابق بين مقدار الدين الوارد في الإنذار العقاري و مديونية الدائن،فالمدين عادة ما يلجأ حينما يواجه بمسطرة الإنذار العقاري إلى الطعن في هذه الأخيرة مدعيا أن المبالغ المطالب بها غير مرتكزة على أساس صحيح، وأما أن يدعي أن الفوائد مبالغ فيها وأنه قد تم اختصامها.

ثانيا:عدم احترام الإجراءات القانونية للسمسرة:

من أهم الأسباب التي يمكن إثارتها للتمسك ببطلان الحجز العقاري عدم احترام الإجراءات القانونية للسمسرة من استدعاء الأطراف المعنية وإشهار دفتر التحملات وتضمينه مختلف المقتضيات القانونية كتاريخ المزاد و الثمن الأساسي لإفتتاحه.

وفي هذا السياق قضت المحكمة الإبتدائية بالرباط بإبطال البيع العقاري الذي تم في غياب صاحبه:” حيث إنه بناء على ما تقدم تفصيله، فإن قيام مصلحة التنفيذ ببيع دار المدعي ذي الرسم العقاري عدد … دون التقيد بسلامة إجراءات التبليغ المنصوص عليها قانونا،ويؤدي بالنتيجة إلى القول بأن عملية البيع قد تمت في مزاد علني قام على إجرءاءت باطلة،وما بني على باطل فهو باطل،ونتيجة لذلك تقضي المحكمة بإبطال إجراءات البيع تلك”.

ثالثا:عدم تحديد مقدار الدين

نص المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 438 من ق.م.م.:”… إذا لم يكن الدين المطلوب مبلغا من النقود، يوقف بعد الحجز سير جميع الإجراءات اللاحقة إلى أن يتم تقييم الأشياء”.

وعليه فإذا لم يكن الدين المطلوب استخلاصه عن طريق الحجز العقاري مبلغا من النقود، فإن عون التنفيذ يقوم بإجراء حجز على عقار المدين تنفيذا للسند القابل للتنفيذ وتبليغ محضر الحجز للمحجوز عليه حتى تطبق على هذا الأخير قاعدة اعتبار كل تفويت للعقار بعد التبليغ باطلا طبقا للفصل 475 من ق.م.م. ويقف عند هذا الحد في انتظار قيام الحاجز بطلب تقييم الأشياء من الجهة المختصة. وإذا ما استمر عون التنفيذ في مواصلة الإجراءات خلافا لمقتضيات الفصل 438 من ق.م.م. حق للمحجوز عليه مراجعة القضاء لبطلان الإجراءات اللاحقة للحجز العقاري .

وعليه فقد حاولت الوقوف فقط عند أهم الأسباب التي يتمسك بها المدعي للمطالبة ببطلان إجراءات الحجز العقارياستنادا إلى إخلالات شكلية و موضوعية في مسطرة التنفيذ الجبري.و بالتالي فإن هذه الأسباب ليست وحدها التي تسمح برفع دعوى بطلان إجراءات الحجز خصوصا و أن الفصل 484 من ق.م.م. فسح المجال للمتضرر لإعتماد أي سبب يراه مناسبا.

المطلب الثاني: آثار دعوى البطلان على سير إجراءات التنفيذ

على الرغم من تعدد الأسباب التي يمكن أن تؤسس عليها دعوى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري إلا أنها تشترك في أثر واحد و هو وقف إجراءات الحجز العقاري وذلك بصريح الفصل 483 من ق.م.م. الذي أحال عليه الفصل 484 من نفس القانون.

غير أن الصياغة التي جاء بها المشرع في الفصل 483 من ق.م.م. غامضة وغير واضحة الأمر الذي أدى إلى فتح نقاش واسع حول ما إذا كان هذا الوقف تلقائي أم يتعين تقديم طلب لذلك (الفقرة الأولى).

كما يترتب على قبول دعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري إذا كانت مبنية على وثائق صحيحة وسليمة الحكم ببطلان إجراءات الحجز المذكور وبالتالي إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل إيقاع الحجز على العقار موضوع الدعوى (الفقرة الثانية).

لكل متضرر من إجراءات التنفيذ الطعن في هذه الأخيرة ويكون هدف كل من يقدم هذا الطعن هو وقف إجراءات التنفيذ إلى حين النظر في دعواه، وهذا الأمر أكده المشرع من خلال الفصل 482 من ق.م.م. الذي جاء فيه :”…يمكن رفع هذه الدعوى إلى حين إرساء المزايدة النهائية ويترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ بالنسبة إلى أموال المدعى فيها بالإستحقاق إذا كانت مصحوبة بوثائق يظهر أنها مبنية على أساس صحيح”.

كما نص في الفصل 484 من ق.م.م. على أنه:” يجب أن يقدم كل طعن بالبطلان في إجرءات الحجز العقاري بمقال مكتوب قبل السمسرة وتتبع في هذا الطعن نفس المسطرة المشار إليها في الفصل السابق المتعلق بدعوى الإستحقاق”.

وانطلاقا من الفصلين المذكورين يلاحظ أن المشرع حماية للمتضرر رتب على رفع دعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري وقف إجراءات التنفيذ سواء تعلق الأمر بسبب إخلال شكلي أو موضوعي، ويعد وقف إجراءات الحجز العقاري من أهم وأخطر الآثار المترتبة عن هذه الدعوى،إذ يؤدي إلى تجميد الإجراءات إلى حين البت في الدعوى والتي قد تستمر أمام المحاكم لسنين متعددة، خاصة وأن هذه الدعوى تمر بالمرحلة الإبتدائية ثم الإستئنافية وصولا إلى محكمة النقض.

ولقد أثار الفصل 483 من ق.م.م نقاشا فقهيا وقضائيا واسعا بخصوص وقف إجراءات الحجز العقاري،أي هل هذا الأثر يترتب بمجرد رفع دعوى الطعن بالبطلان أي بشكل تلقائي؟ أم أنه ينبغي لترتيبه صدور قرار قضائي بذلك موازي لرفع الدعوى؟

إن الإجابة عن هذه التساؤلات تقتضي الوقوف على على مختلف الآراء التي أبديت في هذا الإطار.

ذهب الإتجاه الأول إلى القول بالوقف التلقائي لإجراءات التنفيذ بمجرد تقديم مقال الدعوى مرفقا بالوثائق المثبتة للإدعاء طبقا للفصل 483 من ق.م.م.

فحسب هذا الإتجاه بمجرد ما يدلي المدعي بمقال إفتتاحي للدعوى فإن عون التنفيذ يتوقف عن مواصلة مسطرة التنفيذ إلى حين صدور حكم عن قضاء الموضوع يسمح بالإستمرار في إجراءات الحجز لعدم وجود أي مبرر قانوني لذلك.

وتم تأييد هذا الإتجاه من طرف جانب من القضاء، حيث قضت المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء بما يلي:” وحيث إنه اعتبارا لتقديم دعوى رامية إلى إبطال الإنذار العقاري وأنه تطبيقا لأحكام الفصل 484 من ق.م.م. الذي يحيل على الفصل 483، فإن هذه الدعوى توقف إجراءات التنفيذ إذا اعتبرت أنه لا موجب لوقف الحجز العقاري، لذا فإنه يتيعن إصدار أمر إلى مأمور إجراءات التنفيذ بأن يوقف هذه الإجراءات في انتظار صدور حكم من المحكمة في شأن بطلان الإنذار العقاري”.

فإنطلاقا مما ذكر أعلاه، يظهر أنه بمجرد رفع المنفذ عليه دعوى بطلان إجراءات الحجز إذا كان الدين مضمونا برهن رسمي يترتب عليه الوقف التلقائي دون تقديم طلب مستقل عن الدعوى المذكورة،حيث يتعين على المنفذ عليه تبليغ العون المكلف بالتنفيذ قصد وقف إجراءات الحجز العقاري دون اللجوء إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة للأمر بتأجيل التنفيذ.

بينما الإتجاه الثاني انتقد الإتجاه الأول على اعتبار أن التفسير الذي أعطاه هذا الأخير للفصل 483 من ق.م.م. سيمنح الفرصة لذوي النيات السيئة للإسراف في رفع دعاوى كيدية تهدف إلى عرقلة إجراءات التنفيذ، لذلك يجب عدم ترتيب أثر وقف التنفيذ بمجرد إقامة دعوى البطلان. ومن ثمة يتعين الإستمرار في التنفيذ مع فتح المجال أمام المتضرر للجوء إلى القضاء بطلب مستقل للحصول على إيقاف التنفيذ والذي يجب أن يتم بناءا على حكم أو قرار قضائي.

وهذا الموقف وجد صداه في العمل القضائي من خلال عدة أحكام و أوامر من بينها أمر صدر عن رئيس المحكمة التجارية بفاس :” وحيث إنه طبقا لمفهوم الفصول 484،483،482، من ق.م.م. فإن إيقاف إجراءات الحجز لا يتوقف على مجرد الطعن والبطلان، بل يجب أن يقدم طلبا مستقلا أمام نفس المحكمة، التي تنظر في دعوى الطعن بالبطلان لإيقاف إجراءات الحجز التنفيذي وهي وحدها مختصة بالبت في هذا الطلب”.

وفي نفس السياق صدر قرار عن محكمة الإستئناف التجارية بمراكش جاء فيه ما يلي:” وحيث إن الثابت فقها وقضاءا أنه لوقف إجراءات تحقيق الرهن العقاري يجب على المدين أن يتقدم بمقال من أجل الطعن بالبطلان في إجراءات الحجز العقاري وأن يتقدم عند الإقتضاء إلى القضاء الاستعجالي للمطالبة بوقف هذه الإجراءات بصفة مؤقتة في انتظار البت في دعوى الموضوع المذكورة تشكل منازعة جدية تحول دون الإستمرار في التنفيذ..”.

كما جاء في قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء مايلي: “حيث مادامت الطاعنة تقدمت بدعوى في الموضوع رامية إلى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي ثبت من ظاهر النسخة من المقال المدلى به من طرفها أنها تنازع في إجراءات التبليغ وفي مقدار الدين فإن ذلك يشكل صعوبة تحول دون الإستمرار في التنفيذ لذلك يتعين الاستجابة لطلب الطاعنة الرامي إلى إيقاف إجراءات البيع القضائي بعقارها المرهون إلى حين الفصل في دعوى الموضوع وذلك بعد إلغاء الأمر المستأنف”.

فمن خلال هذا القرار يتضح أن المنفذ عليها تقدمت بالإضافة إلى دعوى الطعن ببطلان إجراءات الحجز العقاري بطلب يرمي إلى إيقاف إجراءات البيع القضائي، وبذلك حسب هذا التوجه يجب أن يكون طلب الطعن المذكور مرفقا بطلب إيقاف إجراءات الحجز العقاري.

ومن خلال ما استند عليه كل من أصحاب الإتجاهات السابقة سواء على مستوى الفقه أو القضاء،نرى أن التوجه الأقرب إلى الصواب هو الإتجاه الذي لا يرتب الوقف التلقائي لإجراءات الحجز العقاري ،بل يجب تقديم طلب من أجل إيقاف التنفيذ وذلك تفاديا للدعاوى الكيدية التي قد يكون الهدف منها فقط المماطلة في مواصلة إجراءات التنفيذ.

الحكم ببطلان الإجراء المعيب يعني القضاء عليه بحيث يعتبر كأن لم يكن، فلا يرتب آثاره القانونية التي يفترض حدوثها لو كان صحيحا، وهكذا يترتب على قبول دعوى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري بطلان هذه الأخيرة وإرجاع العقار إلى الحالة التي كان عليها في سابق عهده خال من كل الحجوزات.

فبطلان الإجراءات يعد بمثابة إعدام لها وذلك حينما يتعلق الأمر ببطلان الإجراءات لعيب انصب على الإخلال بالقواعد الموضوعية كإنقضاء الدين أو ببطلان عقد الرهن أو باقي الأسباب الموضوعية الأخرى التي سبق وأن تعرضت لها من قبل، فالبطلان في هذه الحالة سيكون مطلقا ومن ثمة يحرم على المدعى عليه إعادة الإجراءات بصفة نهائية،أما في الحالة التي يكون فيها البطلان مبني على إخلالات شكلية كالحالة التي ينصب على عيب طال إجراءات التبليغ أو إشهار البيع بالمزاد العلني أو نقص في أحد بيانات الإنذار العقاري، فإن البطلان هنا سيكون جزئيا بمعنى أن الإجراءات المعيبة سيتم تصحيحها وذلك بإعادتها من جديد انطلاقا من الإجراء المعيب.

ومن ثمة فإن من أهم الآثار القانونية المترتبة عن بطلان إجراءات التنفيذ هو إرجاع الأطراف إلى المركز القانوني الذي كانوا عليه قبل مباشرة الإجراءات الباطلة، لذلك فالتصحيح أو الإرجاع ينصرف إلى إعادة الإجراءات بطريقة نظامية وفقا لمقتضيات قانونية سليمة طبقا للفصل 486 من ق.م.م.ففي هذه الحالة يحق للمشتري استرداد الثمن والمصاريف التي أداها، غير أن من شأن هذا الإبطال تجريد الحماية القانونية التي تكفل له استرجاع الأموال التي سبق له أن دفعها.

لذلك فإن جبر الضرر اللاحق بالمشتري يقتضي في نظرنا قبل البت في الدعوى التأكد من أن ثمن البيع مازال مودعا بصندوق المحكمة، وعند الإقتضاء إلزام المدين المدعي بإيداع قيمته لدى صندوق المحكمة حتى إذا قضت المحكمة ببطلان البيع فإن المشتري الراسي عليه المزاد يعوض عن فقدان ملكية العقار بإمكانية استرداد الثمن الذي دفعه فضلا عن المصاريف التي سبق له أن أداها.

أما في حالة سحب المبلغ من طرف الدائن أو تم توزيعه بين الدائنين، فإن للمشتري الرجوع عليهم في إطار مسطرة الإثراء بلا سبب و التي تتوفر شروطها في هذه الحالة.

وعليه يطرح التساؤل بهذا الخصوص حول الأساس القانوني الذي يمكن الإعتماد عليه من طرف المحجوز عليه أو الحائز للعقار بإرجاع الحالة إلى ماكانت عليه وخاصة إذا كان الإرجاع المذكور يقتضي اللجوء إلى بعض الإجراءات الجبرية كالإفراغ أو الهدم أوغيره متى كان الحكم بالبطلان قد صدر بعد إرساء المزاد نهائيا وانتقال الملكيةحيث يكون إرجاع الحالة مستوجبا لإفراغ الراسي عليه المزاد أو من محله من العقار أو حتى هدم البناء المنجز أو إزالة الأغراس في حالة ثبوت سوء النية، كما أن الأمر يقتضي التشطيب على بعض التقييدات الواردة في الرسم العقاري في حالة العقار المحفظ.

فهل يعتبر الحكم القاضي ببطلان الإجراءات والذي صدر بعد إراساء المزاد النهائي وانتقال الملكية سندا تنفيذيا لإرجاع الحالة إلى ماكانت عليه؟ أم أنه يعتبر حكما مقررا لا تتوفر له قوة الإلزام الجبري(أولا)؟وإذا كان الأمر كذلك فإن الإرجاع المذكور يقتضي الحصول على مقرر ملزم وذلك باللجوء إلى قاضي المستعجلات لإستصدار أمر بإفراغ الراسي عليه المزاد أو من حل محله من العقار.(ثانيا).

أولا: حكم القاضي بالبطلان كسند إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.

ذهبت محكمة النقض إلى أن الحكم ببطلان التنفيذ أو بطلان إجراء من إجراءاته سندا تنفيذا لإعادة الحال إلى ماكانت عليه قبل التنفيذ – على الرغم من غياب نص صريح في التشريع المغربي، حيث جاء في أحد قراراتها على أنه:” يترتب على النقض والإحالة رد النزاع والأطراف إلى الحالى التي كانوا عليها قبل صدور الحكم المنقوض، ويترتب على النقض وبحكم التبعية بطلان جميع الأحكام والقرارات التي ترتبط بالقرار المنقوض والتي تكون نتيجة له”.

وعليه فإن محكمة النقض اعترفت للحكم الصادر بالنقض و الإحالة بصفة السند التنفيذي، وعلى هذا الأساس يذهب البعض على أن الأثر الحتمي لإلغاء الأحكام بعد تنفيذيها هو إرجاع الحالة إلى ماكانت عليه، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بما يلي:” حيث إن طلب رد الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها،يكون له ما يبرره لو أنه استند إلى أن الحكم المنفذ قد ألغي”.

ثانيا: الأمر الإستعجالي كسند لإرجاع الحالة إلى ماكانت عليه.

من المسائل المستقر عليها في العمل القضائي في المغرب الإعتراف لقاضي المستعجلات بالإختصاص بشأن إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه سواء بعد إلغاء السند التنفيذي كليا أو جزئيا أو بعد الحكم ببطلان إجراءات التنفيذ. وهذا ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها:” طلب الرجوع ورد الحالة إلى ما كانت عليه من المسائل الإستعجالية التي تكون إجراء تحفظيا لحماية الجانب المعرض للخطر” .

وفي السياق ذاته قضت محكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء بما يلي:” إن المدعي قد التمس بمقتضى مقاله الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وذلك بعد صدور قرار محكمة النقض التي قضت بدورها على المدعي الحالي بأدائه للمدعى عليها مبلغ 121.140.53 درهم مع الفوائد القانونية من تاريخ الحكم إلى تاريخ الأداء.

وحيث إن القرار الإستئنافي المشار إليه قد أصبح في حكم العدم بعد قبول طلب النقض بشأنه، لذا فإن ما ترتب عنه من أداء المبلغ المحكوم به يصبح لاغيا، ويتعين بالتالي إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدوره وإنجاز محضر تنفيذي في نطاق الملف عدد… ، والذي بمقتضاه تم أداء المبلغ المحكوم به للشركة المطلوبة في النقض”.

وكما هو واضح من خلال الموقف القضائي أعلاه أن الأمر الإستعجالي الصادر عن قاضي المستعجلات يعتبر هو السند الفعلي لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه خاصة وأنه يستجمع خصائص السند التنفيذي و يصلح أن يكون محلا للتنفيذ الجبري .

وتجدر الإشارة في ختام هذه النقطة إلى أن اللجوء إلى محكمة الموضوع لإستصدار حكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه يظل ممكنا حيث أن المحكمة في هذه الحالة تكون ملزمة بشمول الحكم بالنفاذ المعجل نظرا لوجود سند رسمي هو الحكم بالبطلان أو بإلغاء السند التنفيذي.

خاتمة

يعد الحجز التنفيذي العقاري من أهم آليات التنفيذ الجبري التي تُمكن الدائن من استيفاء دينه عبر التصرف في العقار المملوك للمدين، غير أن هذه المسطرة، ورغم ما تحمله من ضمانات، تبقى محكومة بقيود شكلية صارمة، يُفضي الإخلال بها إلى البطلان، سواء تعلق الأمر بإجراءات التبليغ، أو بمرحلتي الإنذار العقاري والحجز التنفيذي.

وقد كشفت هذه الدراسة، من خلال استقراء النصوص القانونية الجاري بها العمل، وتحليل الاجتهاد القضائي المغربي، والاطلاع على مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، عن إشكاليات قانونية عميقة تهم مدى وضوح القواعد الإجرائية المؤطرة للحجز العقاري، وضبابية ضوابط البطلان، وانعكاسات ذلك على استقرار مراكز أطراف التنفيذ وفعالية المسطرة ككل.

إن البطلان، وإن كان وسيلة لضمان احترام الإجراءات الأساسية في التنفيذ، فقد يتحول إلى وسيلة لتعطيل حقوق الدائنين متى تم التوسع فيه أو إساءة استعماله، وهو ما يقتضي إعادة النظر في الإطار القانوني للبطلان في مساطر الحجز العقاري، سواء من حيث الأساس القانوني أو نطاق التطبيق.

الاستنتاجات

  • غياب تقنين دقيق للبطلان الإجرائي في الحجز العقاري ضمن قانون المسطرة المدنية، يُفسح المجال لاجتهادات قضائية متباينة، مما يُهدد مبدأ الأمن القانوني.
  • الاجتهاد القضائي المغربي يتجه أحياناً إلى التوسع في ترتيب البطلان، حتى في حالات لا تؤثر على جوهر الحقوق، مما يؤدي إلى تعطيل المسطرة دون موجب واقعي أو قانوني.
  • مشروع قانون المسطرة المدنية الحالي حاول سد بعض الثغرات، من خلال توضيح آجال وشكليات التبليغ والإنذار، غير أنه لم يُحدد بشكل صريح ضوابط التمييز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي في إجراءات الحجز، ولا الآثار المترتبة عنهما.
  • قاضي التنفيذ ما زال يفتقر لصلاحيات صريحة في مراقبة مشروعية إجراءات الحجز قبل إحالة الملف على بيع العقار بالمزاد العلني، وهو ما يُضعف الرقابة القضائية على سلامة المسطرة.

الاقتراحات

  • ضرورة التنصيص الصريح في قانون المسطرة المدنية على حالات البطلان الإجرائي، مع التمييز بين الحالات الجوهرية التي توجب البطلان المطلق، وتلك الشكلية التي لا يُعتد بها إلا في حال الإضرار بأحد الأطراف (البطلان النسبي).
  • إسناد صلاحيات أوسع لقاضي التنفيذ لمراقبة إجراءات الحجز العقاري، بما فيها الإنذار والتبليغ، وإعطائه سلطة إيقاف المسطرة عند ثبوت أي بطلان جوهري، حماية لحقوق الأطراف.
  • إعادة صياغة مقتضيات الإنذار العقاري في مشروع القانون الجديد، بما يضمن وضوحها ودقتها، خاصة من حيث الشكل، الأجل، وجهة التبليغ، وآثاره القانونية، بما ينسجم مع النصوص القانونية المنظمة للتنفيذ الجبري.
  • العمل على توحيد الاجتهاد القضائي المغربي بشأن آثار الإخلال بالإجراءات الشكلية للحجز العقاري، عبر إصدار توجيهات من محكمة النقض.
  • ضرورة إدراج مقتضى قانوني صريح يُجيز الطعن الفوري في الإجراءات الباطلة للحجز العقاري، بدل الانتظار إلى غاية صدور الأمر بالبيع، تفادياً لتراكم الإجراءات الباطلة.
  • التكوين المستمر لأعوان التنفيذ والمكلفين بالتبليغ والتنفيذ، للحد من حالات البطلان الناتجة عن الإخلالات الشكلية في التبليغ أو تحرير محاضر الحجز.

لائحة المراجع

أحمد النويضي: القضاء المغربي وإشكالات التنفيذ الجبري للأحكام ، مطبعة وراقة الكتاب، فاس، الطبعة الأولى، 2010

حسناء الرماني: دعوى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري، المجلة المغربية لنادي قضاة الدار البيضاء ، العدد الأول، دجنبر 2012

حنان آيت إبراهيم: منازعات التنفيذ على العقار المرهون، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2013/2014

حنان كنون: إشكالات التنفيذ على العقار من خلال الإجتهاد القضائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2011/2012

الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، مطبعة بابل، الرباط، الطبعة الأولى، سنة 1988

عبد العالي الحفيظ: العمل القضائي في الحجز التنفيذي العقاري، دار القلم، دون مكان النشر، الطبعة الأولى، 2010.

عثمان الغرفاوي: منازعات الحجز العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي، طنجة، السنة الجامعية 2012/2013

عزيز بلكوشة: إجراءات التنفيذ في التشري المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2014/2015

لبنى بلعطاوى: مسطرة تحقيق الرهن الرسمي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش السنة الجامعية 2009/2008

محمادي لمعشكاوي: الوجيز في الدعوى وإجراءاتها القضائية في ضوء ق.م.م، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، سنة 2010

محمد الحميدي الإدريسي: محضر إرساء المزايدة في البيوع الجبرية العقارية، بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، جامعة سيدي محمد بن عبدالله، السنة الجامعية 2018 -2019

محمد هماش: دعوى بطلان إجراءات التنفيذ على العقار، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والافقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، السنة الجامعية 2011/2012

مصطفى المرضي: الإنذار العقاري في التشريع المغربي – دراسة نظرية وعملية -، أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2013/2014

مها سلامي: استخلاص الديون البنكية عن طريق القضاء، مجلة المناضرة، العدد 14، سنة 2010

جودية خليل: تعليق على قرار المجلس الأعلى عدد 3449 المؤرخ في 24/10/2007، ملف عدد 2525/1/2006، مجلة الدراسات القانونية المدنية والعقارية، دون ذكر العدد، سنة 2011



Source link

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك لو تتكرم بدعمنا ، وقم بتعطيل إضافة مانع الإعلانات لتصفح المحتوى .